هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا
حديث الآن إلا عن القدس وما يجري حولها.. وحُقَّ للقدس ذلك وأكثر، فهي تمثل
للمسلمين والعرب مقدسا دينيا وتاريخيا، فهي أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وبداية معراجه للسماوات العلى، وثالث الحرمين الشريفين.. ولكن ما
لفت نظري حول غضب الناس بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نقل السفارة الأمريكية
للقدس، أن الغضب هنا تحول إلى حالتين:
الحالة
الأولى: هي حالة من الغضب لأن أمريكا قد نقلت سفارتها من تل أبيب، إلى القدس، وأن
ذلك انتهاك جديد وعدوان صارخ على مقدسات المسلمين والعرب، وأنهم بذلك تحولوا من
أرض إسرائيلية إلى أرض فلسطينية تحت الاحتلال؛ ناسيا بذلك هذا الغاضب أن هذا
الشعور هو ما يوده الصهاينة، وما يودون التسليم به، فنصبح نسلم بما قبل القدس،
وأنها أراض إسرائيلية محضة، وكل غضبنا الآن عن زيادة مساحة العدوان، وكأننا سلمنا
بما مضى..
وأول من أقر بهذا الأمر، وسلَّم به جمال عبد الناصر، فبعدما كان خطابه
وخطاب السياسة المصرية بعد حرب حزيران/ يونيو 1967م عن إزالة وإنهاء العدوان،
وإنهاء الاحتلال، أصبح الحديث عن: إزالة آثار العدوان.. وخطوة تلو الأخرى، بدأت
إسرائيل في تثبيت أركانها، بمعاونة دولية تحوطها خيانة أنظمة عربية، وأصبح كل ما
يمضي يسلّم به، وكأنه حق مشروع لإسرائيل، وهو ما يقلق في غضب هذه الفئة.. فهي دون
أن تدري؛ تسلم بأن وجود سفارة لأمريكا في تل أبيب هذا هو الطبيعي، ولكن نقلها
للقدس هو العدوان.
ترامب لم يقم بإعلانه نقل السفارة الأمريكية إلا بعد زيادة وتيرة محاسبة الكونجرس الأمريكي لمساعديه، والدائرة المقربة منه، وما يخص الاتهامات الموجهة له
والحالة الثانية: وهي الحالة التي تعي جيدا بأن تل أبيب (تل الربيع) هي أرض فلسطينية محتلة، وسر غضبها أن بقعة جديدة ضُمت للاستيطان الإسرائيلي التوسعي، فالنظرة هنا لنقل السفارة الأمريكية للقدس هي نظرة من يرى محتلا مستعمرا يزيد من رقعة الاحتلال والتعدي، ولا ينسيه ذلك أن المكان القديم هو مكان محتل أيضا، ولا يعني الاحتلال الجديد إلا زيادة في تعديه القديم، ولا يحيل ما مضى إلى حق نسكت عنه.
ولعل أول من انتبه لهذه المخاطر كان المرحوم اللواء الركن محمود شيت خطاب، في بحثه الذي ألقاه في مجمع البحوث الإسلامية سنة 1968 في مصر، بعنوان: أهداف إسرائيل التوسعية في البلاد العربية، وقد تحول بعد ذلك لكتاب طبعه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. وهذا الحال هو ما ينبغي أن يكون عليه شعور الأمة الإسلامية والعربية تجاه القدس وفلسطين كاملة؛ بأنها كلها أرض محتلة.
اليقين فيه أن ضعفنا كمسلمين وعرب يغري كل شخص أو كيان بالاجتراء على مقدساتنا وحرماتنا
الأمر
الآخر الملاحظ: أن ترامب لم يقم بإعلانه نقل السفارة الأمريكية إلا بعد زيادة
وتيرة محاسبة الكونجرس الأمريكي لمساعديه، والدائرة المقربة منه، وما يخص
الاتهامات الموجهة له.. فهل تبنى الرئيس الأمريكي ما تقوم به الأنظمة العربية
المستبدة، حينما تقع في ورطة أو خلل أمني، كما نرى في حالة الانقلاب المصري الذي
يقوم بعمل أي شيء من باب سياسة الإلهاء، ولو من كان ذلك على حساب الشعب الأعزل
والضحايا الأبرياء؟ ولكن هذه المرة ليس إلهاء، بل هو إلهاب لمشاعر المسلمين جميعا،
كما عبر عن ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو هي رسالة مغازلة لينال بها دعم
اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب بوجه عام ليخف بذلك الضغط عليه؟
كل
هذا في عالم السياسة ليس مستبعدا، لكن اليقين فيه أن ضعفنا كمسلمين وعرب يغري كل
شخص أو كيان بالاجتراء على مقدساتنا وحرماتنا. وإذا كانت معظم الأنظمة العربية
الحالية - للأسف - باتت كنزا استراتيجيا للكيان الصهيوني، فسوف تظل الشعوب والأمة
العربية والإسلامية بيقظتها وقلبها النابض بالحق وحبه، هو الكنز الاستراتيجي
الحقيقي للقدس وفلسطين.
Essamt74@hotmail.com