كتاب عربي 21

في ظل انسداد أفق العمل الإسلامي: هل العودة للتصوف والعرفان هو الحل؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
تشهد التجربة الإسلامية في الحكم والعمل السياسي والاجتماعي هذه الأيام؛ حالة من الإرباك والضياع في ظل وصول هذه التجربة في بعض البلدان إلى أفق مسدود، وفي ظل انتشار التيارات السلفية والعنفية على حساب بقية التيارات الإسلامية. ورغم الضربات القاسية التي تلقاها تنظيم داعش في سوريا والعراق ولبنان، فإن هذا التنظيم وأخواته لا يزال ناشطا في العديد من الساحات الإسلامية، إضافة لاستمرار التأزم المذهبي والصراعات والحروب في المنطقة. وكل ذلك دفع ببعض الباحثين والناشطين على الصعيد الإسلامي لإعادة البحث والتركيز على التصوف والطرق الصوفية والعرفان، عسى أن يكونوا مدخلا أو طريقا جديدا للخلاص من الأزمة الإسلامية القائمة أو أسلوبا متجددا لإعادة التعريف بالإسلام؛ ردا على الصورة المشوهة التي نشرت عنه بسبب التنظيمات المتشددة والعنفية.

وفي هذا الإطار، أقيم في بيروت في الأسبوع الماضي، وبدعوة من مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ملتقى حواري تحت عنوان: "ملتقى العرفان ودوره في إعادة تشكيل منظومة القيم"، وشارك فيه عدد من الباحثين من إيران ومصر والبحرين وسوريا ولبنان. وكان يفترض مشاركة وفد كبير من جامعة الأزهر، لكن بعض الظروف الخاصة حالت دون حضوره، مما أدى لتلاوة الأبحاث المرسلة نيابة عن الذين أعدوها. ورغم أن الملتقى كان محدودا، ولم يشمل بحث كل أشكال التصوف والطرق الصوفية، وخصوصا في المغرب العربي وتركيا والسودان، فإنه شكل فرصة لحوار وعصف فكري حول العرفان والتصوف ودورهما في هذه المرحلة والأفق المستقبلي لهم.

وقد تناول الملتقى العناوين التالية: "العرفان والتصوف والشريعة بين الوحدة والانفصال"، و"النزعة القدسية في عالم غير مقدس: العرفان والتصوف والعلمانية والإلحاد"، و"العرفان والتصوف والقيم السياسية في المجتمع المسلم المعاصر"، و"العرفان والتصوف وحقيقة التدين في العصر الحديث".

ومع أن الملتقى كان تحت عنوان العرفان ودوره، فإن معظم البحوث والدراسات التي قدمت اعتبرت أن العرفان والتصوف والطرق الصوفية ينتمون إلى مجال فكري وعملي مشترك. وقد تطرقت الأبحاث إلى الجوانب النظرية والفكرية والعملية للعرفان والتصوف. ففي حين حرص بعض الباحثين على معالجة الموضوع من زاوية نظرية صرفة، من خلال تقديم التعريفات المتعددة وشرح معاني العرفان والتصوف، فإن باحثين آخرين تحدثوا عن الإشكالات العملية والاجتماعية والسياسية التي تواجه ظاهرة العرفان والتصوف، سواء في المراحل السابقة أو في العصور الحديثة. كما تطرق المشاركون إلى علاقة التصوف بالسلطة، وكيفية استغلال بعض السلطات للطرق الصوفية لخدمة مآربها، رغم أن التصوف والعرفان ينتميان إلى عالم الزهد والأخلاق السامية، وإن كان الموضوع المهم الذي جرى التطرق إليه في بعض الأبحاث هو الدور الجهادي والسياسي للطرق الصوفية في مواجهة المستعمرين والمحتلين، وخصوصا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إضافة لاستمرار الانتشار الواسع للطرق الصوفية في العالمين العربي والإسلامي، رغم بروز التيارات السلفية المتشددة والعنفية.

واعتبر عدد من المشاركين أن العرفان والتصوف ينتشران اليوم على الصعيد العالمي، ويساهمان في تقديم صورة إيجابية عن الإسلام في مواجهة الصورة الدموية والعنفية. لكن ذلك لا يلغي إمكانية استغلال بعض الجهات السياسية والدولية والمخابراتية والأمنية للطرق الصوفية لخدمة أهدافها، عبر السعي لاختراق هذه الطرق، وتجييرها في معاركها السياسية والاجتماعية.

وقد ركز بعض الباحثين على أهمية العرفان والتصوف اليوم على الصعيد العالمي، من أجل البحث عن أفق جديد للحوار الإنساني، وكذلك لمواجهة الأزمة المذهبية والصراعات القائمة اليوم في العالم، وهذا يحمّل العرفان والتصوف مسؤوليات كبيرة؛ قد لا تكون بمستوى قدرة الطرق والاتجاهات الصوفية اليوم.

وبالإجمال، يمكن القول إن هذا الملتقى، وهو أشبه بحلقة بحثية مركزة، قد فتح المجال من جديد لمناقشة دور العرفان والتصوف والطرق الصوفية في عالم اليوم، وإن كان هذا الملتقى لم يشمل كل الاتجاهات والطرق الصوفية والتجارب العرفانية، وغاب عنه الكثيرون الذين كان يمكن أن يضيفوا إليه المزيد من الأفكار والتجارب. لكن يمكن القول إنه في ظل الانسداد الذي تواجهه بعض الحركات الإسلامية، وخصوصا على صعيد العمل السياسي، وفي ظل انتشار العنف الديني والتكفير والتطرف، قد تكون العودة للعرفان والتصوف محاولة متجددة في البحث عن حلول للأزمة القائمة اليوم.
التعليقات (4)
اينشتاين
الجمعة، 09-03-2018 01:11 ص
الانسداد سببه الاستبداد ، والمحرقة داخل حدود بلاد الشام سببها الاستبداد ، والفتنة باسم السنة والشيعة سببها الاستبداد ، والإبادة بحق الروهينغا سببها الاستبداد ، وقتل أطفال غزة بسبب الاستبداد ، الذي ساعد الصهاينة وطبع معهم هو الاستبداد، والذي سرق المال العام ووضعه في جيب ترامب هو الاستبداد ، والذي استخدم ويستخدم السلفية لجر الأبرياء إلى الجحيم هو الاستبداد ، والذي استخدم ويستخدم الفرق الصوفية هو الاستبداد ، ماذا بقي للمسلمين ؟ الحل يكمن أولا وقبل كل شيء في قدرتنا على التخلص من القابلية للإستبداد ، والسؤال الوجيه هو : هل تحررت فعلا الشعوب المستعمرة بعد أن غادرت عساكر المحتل الغاصب أرضها ؟ أبدا ، لم تتحرر ، لأنها لم تتحرر من قابليتها للإستعمار الذي تحول إلى إستعمار بالوكالة وكرافد بامتياز للأنظمة الاستبدادية . مشكلة إخواننا في إيران وفي لبنان أنهم تمسكوا بالوقوف إلى جانب نظام فاسد ومستبد حتى وإن تستر برداء المقاومة ، الملفت أنهم ينتظرون من ذلك نصرا ، أبدا ، إن الظلم مؤذن بخراب العمران ، تأكد الأخ قاسم ، أن أمريكا والغرب الليبرالي الراسمالي لا يقبل بنا جميعا ، مهما كانت أعراقنا ومذاهبنا وقومياتنا ، النجاة من باب نصرة المظلوم والضعيف ، وليس الوقوف إلى جانب الظالم ولو كان أقرب الأقربين ، إننا في حيرة من أمرنا لم نتمكن من إيجاد تبرير واحد لما يحدث في سوريا ، الحمد لله الذي نورنا بالإسلام قبل أن يشوه الغرب صورة المسلمين . شكرا والسلام
مصطفى ملص
الخميس، 08-03-2018 12:20 ص
الاسلام كعقيدة دينية غاياته إصلاح الفرد ومن خلال الفرد إصلاح المجتمع عبر نفي الشرك واثبات التوحيد باعتباره السبيل الأكمل للوصول الى الانسان الحر الذي لا احد فوقه الا الله عز وجل .إن شأن المجتمع العام ليس ترتيبا دينيا وانما هو مطلب اجتماعي ، وإن الدعوة التي زعمت أن الاسلام دين ودولة ليس لها مستند في القرآن او في الحديث وان القائلين بها عملوا الى تأويل النصوص وصرفها عن مقاصدها لجعل الموضوع السياسي وخصوصا الدولة من اسس الاسلام الدينية والعقدية ورتبوا على هذه المقولة مسؤوليات ومهام عقدت الشأن الديني وصرفته عن غاياته السامية وحولت اهتمام المؤمن الى كيفية الاستحواز على السلطة وفرض ارادة هذه السلطة على المجتمع باعتبارها وصية على معتقده وسلوكه واعتبار ان نشر الإسلام من وظائف الدولة عبر الفتوحات والحروب فيما يأمر القرآن بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لقد وصلت الحركات والدعوات الاسلامية الى الحائط المسدود لأن ادعائها بأحقيتها باستلام السلطة استنادا الى الدين ليس له اساس ولا قاعدة . الدولة مطلب اجتماعي وليست مطلبا دينيا .
مصري جدا
الأربعاء، 07-03-2018 07:56 م
الانسداد الحادث كائن في العمل السياسي للحركات الاسلامية ،، ومن الممكن خلال هذه الفترة الزمنية تكرار تحربة جمعية الاخوان المسلمين المصرية في بداية ولادتها وكذا تجربة فتح الله جولن في تركيا ،، والتي ركزتا على الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية بعيدا عن الصراع والصدام السياسي مؤقتا ،،،، حيث يتم التركيز على التربية والتنشئة والتكوين وفقا لمنظومة اخلاقية وعلمية تعتبر الاسلام والعروبة والوطنية واحتياجات المجتمع ،،، تقدم فيها الخدمات المختلفة مساعدة للجماهير وتربية لهم ،، وفي نفس الوقت يتم تخريج اجيال وقيادات علمية ووظيفية في المجالات المختلفة وفقا لمنظومة معايير حضارية متطورة ،،، هذه الكيانات الشعبية او الاهلية لو اديرت بوعي تصبح دون صدام قوى ضغط هائلة ،،، لكن وبكل اسف ثقافة نخبة اليوم لا تستوعب هذا النوع من الخدمات المجتمعية ،،، بكل تاكيد ستواجه هذه الكيانات الكثير من التحديات لكن الانشغال بالخدمات المجتمعية من خلال الدولة وليس انظمة الحكم تصنع مستقبلا مفيدا للوطن والجماهير
alwhitenos@yahoo.com
الأربعاء، 07-03-2018 04:24 م
لم يعطى التيار الإسلامي الفرصة لإثبات وجوده في الساحة ولا حتى التيار السلفي فالتيار السلفي الذي كان له الفضل بتأسيس أول دولة بعد سقوط الدولة العثمانية وهي السعودية التي بدأت بالابتعاد عن هذا الطريق الذي قد يكلفها الكثير والإخوان أفسدت الدول العميقة جهودهم في إظهار دولة دينية مدنية أما داعش في صنع من حارب التيارات الإسلامية حتى يشوه صورة هذه الجماعات وأما طرق الصوفية فهي ترسيخ لنظومة الظلم في المنطقة .....والكلام يطول