رونالدو.. نجم صنعته موهبة استثنائية و"أم شجاعة" (بورتريه)

صنعت منه الطباخة، ماريا دولوريس دوس سانتوس أفيرو، وموهبته الاستثنائية، نجما، ليس في كرة القدم وحدها، وإنما في عالم العطور والأزياء والماركات التجارية وحتى التطبيقات التي حملت اسمه على الهواتف الذكية.

رغم أن هذه السيدة سعت إلى الاجهاض خلال حملها به بسبب العبء العائلي الكبير، وفشلت في تحقيق مرادها بعدما لجأت إلى وسائل وطرق عدة بعد أن رفض الطبيب تلبية رغبتها.

محطات جميلة ومؤلمة صنعت تاريخ هذا اللاعب وفق قوله، ولا يزال عشاقه ورفاقه في الأندية التي لعب في صفوفها يعيدون استحضارها في ذاكرتهم، ويتحدثون عنها بانبهار.

حتى قائد منتخب إسبانيا وريال مدريد الذي يعد "شرير" كرة القدم، سيرجيو راموس، ودعه بكلمات مؤثرة على موقع "تويتر"، قائلا: "أهدافك وأرقامك وكل البطولات التي حققناها سويا، ستتحدث عنك دائما (...) سعيد للغاية لأنني لعبت بجوارك".

وعلى منوال العديد من نجوم نادي "ريال مدريد" الإسباني، وجه الفرنسي كريم بنزيمة رسالة وداع له قائلا: "فزنا معا واستمتعنا معا خلال 9 سنوات، كان من دواعي سروري مشاركة الهجوم معك، حظا سعيدا في مغامرتك الجديدة يا صديقي".

فيما قال البرازيلي مارسيلو، في خطاب نشرته صحيفة "ماركا" الإسبانية: "كريس، حان الوقت لنقول وداعا (...) عشت معك ما يقرب من 10 سنوات من الفرح وكرة القدم الرائعة، انتصارات، هزائم، ولحظات لن أنساها، تعلمت منك الكثير".

كريستيانو رونالدو المولود في عام 1985 في مدينة فونشال، ماديرا، لأب كان يعمل بستاني، سمي باسم "رونالدو" بسبب حب والده للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، حيث أن "رونالد" في الإنكليزية توازي "رونالدو" في البرتغالية.

تحملت والدته بعد وفاة والده صعوبات جمة خصوصا حين انتقل من مسقطه في جزيرة ماديرا إلى لشبونه وهو في الحادية عشرة من عمره للالتحاق بناشئي "سبورتنغ لشبونه" منضما الى فريق أكاديمية النادي، حالما بأضواء الشهرة.

ومن حينها، ولأمه دولوريس "الكلمة الفصل" والحضور الدائم في حياة رونالدو، وهو يطلق عليها لقب "الأم الشجاعة" كما ورد في كتاب سيرته الذاتية، ويورد تفاصيل عن قرار إجهاضه، متسائلا عما كان سيحل بالعائلة لو نجحت دولوريس في تنفيذ خطوتها؟

في سن الخامسة عشرة، شخصت حالة رونالدو بتسارع نبضات القلب، وهي حالة كادت أن تجبره على التخلي عن كرة القدم، ولكن بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة عاد إلى ممارسة كرة القدم دون أية مشاكل.

النقلة الرئيسة في حياة رونالدو كانت في عام 2002، حين دعي رونالدو إلى ساحة تدريب نادي "أرسنال" الإنجليزي بدعوة من المدرب الفرنسي أرسين فينغر وجهازه الفني الذي أجل البت في موضوع التوقيع مع رونالدو.  

غير أن مدرب نادي "مانشستر يونايتد" السير أليكس فيرغسون العبقري أعجب برونالدو  في صيف 2003، عندما هزم نادي "سبورتينغ" فريق "مانشستر يونايتد" في مباراة افتتاح ملعبه في العاصمة البرتغالية لشبونة، وسعى للتعاقد مع اللاعب الشاب لخلافة نجم الفريق الشهير ديفيد بيكهام الذي رحل إلى  "ريال مدريد".

ولم يتردد فيرغسون طويلا مثل فينغر، فقد وقع مع رونالدو الذي طلب الرقم 28، الرقم الذي كان يرتديه مع نادي "سبورتينغ "، خشية منه أن يقع تحت ضغوطات التوقعات والمراهنات المرتبطة بالرقم 7 الذي ارتداه أفضل اللاعبين وأشهرهم في النادي مثل، جورج بست، براين روبسون، إريك كانتونا، وأخرهم ديفيد بيكهام، لكن نظرة فيرغسون الثاقبة جعلته يرفض إعطاءه هذا الرقم المهمش، حيث رأى فيه صورة نجم المستقبل وأصر على إعطائه الرقم 7.

وذكر رونالدو في حديث له تفاصيل هذه الحادثة بقوله: "بعد انضمامي، طلب المدرب أي رقم أريد. قلت 28. لكن فيرغسون قال:لا، أنت تسير لتكون حامل رقم (7). والقميص الشهير كان مصدرا إضافيا للحافز. اضطررت أن اترقى إلى مستوى هذا الشرف".

رونالدو لا ينكر فضل فيرغسون في مساعدته على تطويره كلاعب، بل يرى فيه أكثر من مدرب يقول: "لقد كان والدي في مجال الرياضة، واحدا من أهم العوامل وأكثرها تأثيرا في مسيرتي".

في نحو ست سنوات حقق رونالدو الكثير من الإنجازات الشخصية والبطولات لنادي "مانشستر يونايتد" وصنع في هذا النادي نجوميته العالمية.

وأمام ألحاح وعروض "ريال مدريد" ورغبة رونالدو وافقت إدارة "المان" على انتقال رونالدو إلى النادي "الملكي" في عام 2009، وأعلن عن موافقة عائلة غليزر مالكة النادي وفيرغسون على الصفقة.

تسليم رونالدو رقم 9 في "ريال مدريد" والذي سبق أن لبسه النجم البرازيلية رونالدو المعروف بلقب "الظاهرة".

ومع رحيل راؤول جونزاليس أسطورة النادي إلى "شالكه" الألماني في صيف عام 2010، تسلم رونالدو رقم 7، وهو الرقم ذاته الذي كان يرتديه في "مانشستر يونايتد".

فاز رونالدو مع "الملكي" بـ4 ألقاب دوري أبطال في 5 سنوات، وتوج بالعديد من الجوائز الفردية (4 كرات ذهبية) في هذا النادي.

وعندما تأكد بشكل رسمي انتقال النجم البرتغالي رونالدو إلى نادي "يوفنتوس" الإيطالي بعقد يمتد لأربع سنوات مقابل 105 ملايين يورو، ودع رونالدو جماهير "الملكي" في رسالة نشرها الموقع الرسمي للنادي.

وبعض ما جاء في رسالة رونالدو: "ليس لدي سوى مشاعر الامتنان لهذا النادي ولهذه اللعبة ولهذه المدينة، لا يسعني إلا أن أشكركم على الحب الذي غمرتموني به. لقد كانت سنوات رائعة وفريدة من نوعها، قضيت وقتا ممتعا ومليئا بالضغوطات لأن ريال مدريد ناد متطلب جدا، لكنني استمتعت بكرة القدم هنا".

وأضاف: "حظيت بفريق رائع في الميدان وغرف تبديل الملابس، شعرت بالدفء..لقد غزا ريال مدريد قلبي، وهذا ما يجبرني على توجيه الشكر للنادي والرئيس وجميع العاملين هنا (...) سأرحل لكن هذا الشعار وملعب سانتياغو برنابيو سيظلان دائما في قلبي. شكرا للجميع وبطبيعة الحال كما قلتها عند قدومي منذ 9 سنوات أقولها وأنا أرحل "هلا مدريد".

توقيع ما وصفته الصحافة الإيطالية بـ"صفقة القرن" كان له صدى مدويا في إيطاليا التي شهدت تراجع الشغف بمتابعة فعاليات كأس العالم في روسيا، وانصب كل الاهتمام على رونالدو، الذي يتوقع أن يعطي دفعة قوية للقيمة السوقية للدوري الإيطالي، لأنه تصعب مقارنة اسم هذا اللاعب الحاصل على الكرة الذهبية في خمس مناسبات مع أي من الأسماء الأخرى المتداولة حاليا.

خاصة بعد أن خفت بريق الكرة الإيطالية وفشل منتخبها في التأهل لكأس العالم.

وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن يشكل قدوم رونالدو نقطة تحول في أوضاع الكرة في إيطاليا، ليعيد أمجاد "الكالتشيو" وإشعاعه، مثلما كان عليه الحال أثناء وجود نجوم كبار من أمثال مارادونا، وبلاتيني، وزيكو، وسوكراتيس، وخوليت، وريكارد، وفان باستن وماتيوس.

وستوفر هذه الصفقة عوائد ضخمة من حقوق بث مباريات الدوري الإيطالي، حيث أن الجهات المالكة لحقوق البث في كامل أنحاء العالم يمكن أن تحقق فجأة أرباحا خيالية بسبب الزيادة المنتظرة في عدد المشاهدين، وربما تدخل في منافسة مع الدوريات المتصدرة لهذا المجال، وعلى رأسها الدوري الإنجليزي.

على الجانب الآخر من القصة أو ضفة النهر، وعلى هامش كلمات الترحيب بقدوم رونالدو، فقد أعلن عدد من العمال في مصنع "فيات" للسيارات بإيطاليا، بدء إضراب احتجاجا على تعاقد "يوفنتوس" مع رونالدو.

وسبب الاحتجاج هو إنفاق مبلغ ضخم للتعاقد مع رونالدو، في الوقت الذي تطالب فيه الشركة العمال على مدار سنوات بتقديم تضحيات اقتصادية، ويعد يوفنتوس من ممتلكات عائلة أنييلي التي تهيمن على شركة "فيات" للسيارات.

وأصدرت "نقابة العمال" بيانا، جاء فيه "هل هذا عدل؟ هل من الطبيعي أن يتقاضى شخص واحد الملايين فيما تعاني آلاف الأسر من نفاد المال قبل نهاية الشهر؟!". وطالبت النقابة المصنع بالاستثمار بشكل أكبر في إنتاج السيارات لتوفير فرص عمل بالمصنع.

جميع عشاق "الدون" في "ريال مدريد" يشعرون بالحزن بعد رحيل أيقونة الفريق. و"الدون" لقب منحته الصحافة الإسبانية لأول مرة لنجم المنتخب الإسباني ونادي "برشلونة" السابق أندريس إنيستا بعد هدفه في مرمى هولندا في نهائي كأس العالم ، ويحمل اللقب الأسطورة ألفريد ودي ستيفانو.

وأي لاعب يطلق عليه "الدون" فهو من قبيل المقارنة بالأسطورة دي ستيفانو الذي لعب مع ثلاثة منتخبات، منتخب بلاده الأرجنتين ومنتخب كولمبيا ومنتخب إسبانيا. وساعد دي ستيفانو "ريال مدريد" هو وزميله فيرينتس بوشكاش في السيطرة على بطولة دوري أبطال أوروبا في الخمسينيات.

سيكتظ ملعب "أليانز ستاديوم" ملعب فريق "يوفنتوس" بالإيطاليين الشغوفيين بهذا اللاعب الذي سبق لهم أن صفقوا له إعجابا بهدفه في مرمى الحارس الآسطورة جيانلويجي بوفون.

"الصفقة المدوية"، أو "صفقة القرن الكروية" ستكون الأخيرة في حياة رونالدو الذي سينهي مسيرته الكروية مع نادي "يوفنتوس" الذي سيكون آخر ناد يلعب له النجم البرتغالي قبل الاعتزال النهائي.