هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
(0)
تحمستُ للكتابة عن مشروع الهوية البصرية لمصر، لكنني تذكرت محمد خان.. فارتبكت ولم أستطع أن أكتب كلمة عن خان في ذكرى رحيله الصامتة، تذكرت الهجوم على "الهوية البصرية" التي قدمها في افلامه الواقعية، كما تذكرت فرحته الطفولية بحصوله على جنسية صارت سلعة متاحة لتجار القبح الذين هاجموه ولعنوا أفلامه التي تسيء لسمعة مصر، قلت أكتب عن يوسف إدريس الذي مات في عاصمة الضباب على مسافة كبيرة من السلطة، مغضوباً عليه من مبارك، فتذكرت قصة عباس في "العسكري الأسود" التي تسببت في وقف مقالاتي للمرة الرابعة والأخيرة، فارتبكت، قلت أكتب عن الأمل، عن الثورة المشتهاة، لكن جرائم تصفية المعارضين وضحكات الشباب اللاهية في مؤتمر المغيبين باعدت بيني وبين الأمل، وحاصرتني بالأسئلة حتى اختنقت الدموع في روحي.
أريد أن أبكي
(1)
لا شيءَ يُعْجبُني..
لا الصراخ في الكتابة، ولا النوم تحت أغطية الكآبة.. لا الصمت، ولا الكلام، ولا سيرة الحكام.
لا شيءَ يُعْجبُني..
لا المتنطع على الشاشة الخرقاء، ولا القاتل تحت الراية السوداء، ولا جنرال الأشلاء.. لا «هو» يعجبني ولا «أنا» يُعجبني، فقد صرنا كالصوت والأصداء في لعبة الفرقاء، نتخاصم تحت جبل الأوهام، فما من صعودٍ وما من أمام.
أُريد أن أبكي
(2)
حزينٌ، متعَبٌ، وخائف.
وأنا كلما أحزن.. كلما أتعب.. كلما أخاف، أختبئ في بيتٍ لدرويش المُتعَبين، ولما خجلت أن تمل مني الأشعار، فقد ادعيت أن القصيدة أيضاً «لا تعجبني»، فموهتها، وخادعتها، و«استخدمتها» بالحيلة والعسف والتأويل.. كما «يستخدمنا» الرجل الكبير: بوقاً يقول به ما يريد «هو» أن يقول.
أريد أن أبكي
(3)
«عاوزك ضروري»
يقولها بصوت مختنق في الهاتف: لازم نقعد.. لازم نعمل حاجة.. ماهو مش معقول اللي بيحصل ده.. ما ينفعش نسكت على كده....
ثم يبكي.
أحاول أن أشاركه الأمل.. أن اشاركه البكاء، لكنني لا أستطيع. استمر في صمتي المُقَنَّع بالكلام، ولا أذهب لأي لقاء، لأنني لا أعرف ماذا سأقول؟، وماذا سأفعل في قلب هذا العماء؟.
أريد أن أبكي
(4)
دَرَسْتُ الأركيولوجيا / دون أن أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة.
هل أنا / حقاً أَنا؟
وهل أنتم/ حقاً هنا؟
أريد أن أبكي
(5)
إلى أين يأخذنا الخداع؟
ومن ذا الذي جعل بلادنا ضدنا / وجاء بأعدائنا إلى ديارنا؟
مَن سَرَقَ مِن سمائنا الشعاع؟
أريد أن أبكي
(6)
تعبت من الأمل الذي لا يفضي إلى عنوان
وكرهتُ الملل الذي لا يحرض على عصيان
وعرفت أن دمع العين خذلان..
لذلك:
لا أريد أن أبكي
سأصرخ في الوجوه البلهاء:
لا شيء يعجبني..
لا الركون في ملاجئ الشكوى، ولا التندر على آلهة العجوة، ولا البكاء.
لا شيء يعجبني في زمانك يا «حكيم السفهاء»..
لا شيء يعجبني.. في كل ذلك الهراء
(7)
أعرف أن الطريق طويلٌ طويل.. مليءٌ بالذئاب وبالحُفَر
لكني سأقطع هذا الطريق الطويل الطويل إلى آخري.. وإلى آخره.
لن أبكي، ولن أتعب من السَفَر.
لا وقت للبكاء.
tamahi@hotmail.com