مقالات مختارة

جونسون غير قادر على معالجة الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600

وصل التعصب ضد المسلمين إلى رأس الهرم وهو ما يفسر الارتباك الحاصل بشأن تحقيق حزب المحافظين المقترح في الفضيحة
 
يبادر جميع الزعماء السياسيين البارزين إلى مواجهة الخيارات عندما يستلمون مناصبهم العليا الأمر الذي يحدد ملامح المرحلة التي يكونون فيها في موقع المسؤولية.

 

 

 

واجه رئيس الوزراء بوريس جونسون واحداً من هذه الخيارات عندما وجد نفسه مضطراً لأن يفعل شيئاً بشأن وباء الإسلاموفوبيا القبيح المستشري في أوصال حزبه.

 


كان لديه خياران
 
فإما أن يتعامل مع الأمر كما لو كان قضية من المستوى الثاني، بوصفها مسألة تتعلق بالسمعة التي يحتاج لأن يحافظ عليها فيعمد إلى كنس المشكلة تحت البساط.
 
أو أن يتصرف كزعيم، الأمر الذي يعني التصدي لأصل المشكلة ولفروعها بهدف وضع حد بشكل نهائي لسلوك جائر ومريع.
 
مشكلة عميقة
 
ما من شك أن جونسون كان بذلك سيصنع لنفسه أعداءً. ولكن من وجهة نظري كان ذلك سيكون المسلك الصواب، ولسببين اثنين. فبادئ ذي بدء، جونسون زعيم ناشيء ويتسلح بتفويض جديد لمعالجة المشاكل المستعصية.
 
وثانيا، لو أقدم على ذلك لكان قد فعل الصواب. فمشكلة الإسلاموفوبيا في حزب المحافظين تصل إلى النخاع، وما لبثت الأدلة تظهر بشكل مستمر لتثبت عمق وحجم خبث كراهية المحافظين للإسلام والمسلمين.
 
وكمثال على ذلك، خذ ما فعله مؤخرا ميتز جيكوب، وهو مستخدم مجهول الهوية لموقع تويتر وينشط في مجال مكافحة العنصرية، حيث جمع مادة مدمرة تثبت أن 15 من ممثلي حزب المحافظين الحاليين في المجالس البلدية (و كذلك 10 ممن خدموا في مثل هذه المواقع من قبل) نشروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مواد معادية للمسلمين وذات طبيعة عنصرية.
 
وصف أحدهم المسلمين بأنهم "العدو من الداخل"، بينما طالب آخر بحظر المساجد، ونعت ثالث عمدة لندن المسلم صادق خان "بالمخلوق الخسيس".
 
تم على الفور تعليق عضوية جميع هؤلاء الأشخاص من أعضاء المجالس البلدية بانتظار التحقيق في الأمر، ولكن بالكاد تمكن جونسون من فعل أي شيء آخر في الوقت الذي تتأهب فيها البلاد لإجراء انتخابات تشريعية جديدة.
 
حملة غولدسميث
 
ولكن فيما لو أردنا أن نستلهم أحداث التاريخ القريب، فمن المتوقع أن يكون التحقيق عبارة عن عملية غير جادة تجري في الظل، وبمجرد أن تنتهي الانتخابات وتتوجه وسائل الإعلام باهتمامها إلى غير ذلك، فإنني أتوقع أن يسمح للغالبية العظمى من هؤلاء المحافظين المتحاملين بالعودة إلى صفوف الحزب.
 
تعود المشكلة زمنيا إلى الإسلاموفوبيا التي تلطخت بها حملة زاك غولدسميث للفوز بمنصب عمدة لندن، والتي أفتخر بالقول إنني فضحتها على الملأ في سلسلة من مقالات نشرها لي موقع ميدل إيست آي آنذاك.
 
فيما بعد صرح أندرو بوف، زعيم كتلة حزب المحافظين في مجلس مدينة لندن الكبرى، بأن تلك الحملة "خلفت أضرارا حقيقية" وأدت إلى "تدمير جسور" كان حزب المحافظين قد أقامها مع المجتمعات المسلمة في مدينة لندن. أما محمد أمين، رئيس المنتدى المسلم في حزب المحافظين، فاتهم غولدسميث بتصوير خان على أنه "متطرف خفي".
 
كان رد فعل حزب المحافظين على هذه التجربة القاتمة فاضحا، إذ لم يبادر غولدسميث، وهو من أعضاء الدائرة المقربة من جونسون، إلى الاعتذار أبدا، ولم يتكبد أي تكلفة مقابل تساهله مع العنصرية.
 
إسلاموفوبيا مؤسسة
 
يمكن للمرء أن يلاحظ نمطاً من السلوك هنا.

 

 

فالمرة تلو الأخرى، ينجو أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين من أي مساءلة أو محاسبة على ما يصدر عنهم من تصريحات معادية للمسلمين.

 

 

من أسوأ هؤلاء النواب وأكثرهم جنوحاً بوب بلاكمان، النائب المحافظ عن منطقة شرق هارو، والذي لم يتلق أي عقاب بعد أن أعاد نشر بوستات عبر السوشال ميديا للزعيم السابق لرابطة الدفاع الإنجليزية تومي روبنسون.
 
ثم هناك نادين دوريس، التي تشغل منصب وزيرة في حكومة المحافظين، والتي أيدت كذلك روبنسون في مواقفه دون أن يراجعها أحد من داخل حزب المحافظين. وكان المجلس الإسلامي البريطاني قد أثبت في دراسة حديثة له أن منتديات الحوار داخل حزب المحافظين تعج بالتعليقات المعادية للمسلمين.
 
لا شيء من ذلك مفاجئ على الإطلاق.
 
كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف في وقت مبكر من هذا العام عن أن ثلثي أعضاء حزب المحافظين يعتقدون بأن أجزاء من بريطانيا باتت تخضع لحكم الشريعة الإسلامية. وأضافت يوغوف إن ما يقرب من نصف المحافظين يعتقدون بأسطورة المناطق المحظورة حيث لا يتمكن من الوصول إليها غير المسلمين، بينما يظن تسعة وثلاثون بالمائة أن الهجمات الإرهابية الإسلاموية "تعكس انتشار العداوة لبريطانيا في أوساط المجتمع المسلم."
 
لم يكن مفاجئا وقد تعمقت الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين إلى هذا الحد أن تصرح شخصيات موقرة، مثل الرئيس السابق للجمعية العمومية للحزب سيدة وارسي، بأن المشكلة مؤسساتية. ومع ذلك، توجه لها بكل تعال في الأسبوع الماضي وزير الصحة ماثيو هانكوك بالقول "هناك آخرون يتبنون وجهة نظر أكثر اتزاناً."
 
يُظهر هذا التصريح مدى الحجم التي وصلت إليه المشكلة. ولك أن تتصور حجم السخط الذي كان سيحدث لو أن شخصية كبيرة ضمن فريق زعيم حزب العمال جيريمي كوربين قللت من أهمية شكوى شبيهة حول معاداة السامية تقدم بها سياسي يهودي داخل حزب العمال.
 
ومع ذلك، وللمرة تلو الأخرى، يصر كبار المسؤولين في حزب المحافظين بأنه لا توجد مشكلة، فلقد صرح الرئيس السابق للجمعية العمومية في حزب المحافظين براندون لويس بأن الإسلاموفوبيا ليست قضية بينما يقول جاكوب ريس موغ وكذلك النجم الصاعد داخل الحزب توم توغندات إن الحزب قد قام بمعالجة المشكلة بشكل جيد.
 
لا وجود لحق أخلاقي
 
يفسر هذا العمى الارتباك الحاصل حول إجراء حزب المحافظين لتحقيق مقترح في ظاهرة الإسلاموفوبيا. وذلك أن جميع المرشحين الذين تنافسوا على رئاسة الحزب أثناء الحملة الانتخابية (بما في ذلك بوريس جونسون نفسه) تعهدوا بإجراء تحقيق كاف.
 
إلا أنه تم التخلي عن إجراء التحقيق بمجرد أن أصبح بوريس جونسون رئيسا للوزراء، ثم ما لبث الموضوع أن عاد إلى السطح من جديد عندما صرح مايكل غوف في برنامج "اليوم" بأنه سوف يتم إجراء "تحقيق كاف في مشكلة الإسلاموفوبيا وأن ذلك سيتم قبل نهاية هذا العام".
 
ومنذ ذلك الحين، بدأ حزب المحافظين من جديد يتراجع عن الالتزام. ويبدو أن الخطة باتت الآن تتمثل في إجراء تحقيق داخلي يبحث في أوضاع الإدارة داخل الحزب بشكل عام وليس في مشكلة الإسلاموفوبيا تحديداً.
 

والحقيقة المحزنة هي أن جونسون غير قادر على معالجة مشكلة معاداة المسلمين داخل حزبه.

 

ولعل هذا يجعله عرضة للاتهام بالنفاق لأن حزبه لا يكف عن إثارة موضوع العداء للسامية داخل حزب العمال.
 
ليس من حق حزب المحافظين أخلاقياً أن يوجه أي نقد لحزب العمال إلى أن يقوم بمعالجة مشكلة التعصب والتحامل داخل صفوفه، وهي مشكلة باتت تخترق الحزب حتى النخاع.

 

( عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ترجمة خاصة لـ"عربي21")

التعليقات (0)

خبر عاجل