كتاب عربي 21

كل هذا العك! (إلى الرئيس- 7)

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1)
السيد الرئيس/

صار مفهوماً من سياق هذه الرسائل أنك مجرد قناع للسلطة المغضوب عليها، وصار مفهوماً أن الكتابة لا تستهدف إقناعك، ولا تتوهم إصلاحك، ولا تنتظر ردك، لذلك فإن هذه الرسائل لاتقدم كلماتها كمواعظ تعليمية غير مباشرة، على غرار نصوص البنجاتانتنرا التي كتبها الحكيم بيدبا للملك دبشليم، ولا تقدم صاحبها كمقاول لتجسير الفجوة بين المثقف والأمير على غرار مشروع سعد الدين إبراهيم (ميكافيللي العصر الفاشل)، ولا تكتفي بصياغة وحدود الشهادة، فأنا لست شاهداً بل طرفا في صراع مع لصوص وقتلة وخارجين عن القانون. ولهذا فإن الرسائل تستهدف انتزاع مساحة في التدوين الرسمي لصوت المجني عليهم في مواجهة صوت وسوط الجناة. هذه الرسائل تستهدف بلورة رؤية جديدة للصراع مع السلطة لا تهتم باستبدال الأشخاص وجلوس غيرهم بنفس المفاهيم على كراسي الحكم، بل تهتم بصياغة خطاب جديد ينظم رؤية الناس للصراع على أساس حقهم الأصيل في حياة حرة عادلة كريمة، وليس باعتبارهم رعية تنتظر المنحة والمكرمة من أسيادها المتحكمين، لكي تتطور العلاقة الملعونة التي ورثناها لتصبح علاقة قانونية مؤقتة بين "أصحاب حق وموظفين عموم)" وليست علاقة إذعان بين "حاكم ومحكوم".

(2)
التمهيد السابق يعني أن الخطاب يشمل كل رئيس وكل متحكم يمس حياتنا كأفراد، كما يشمل كل فكرة وكل تشريع وكل ذريعة يستخدمها المتحكمون لإفساد حياتنا. ومن هذا المدخل لا فرق عندي بينك، وبين ترامب وبين أردوغان، وبين صاحب المسكن الذي أقيم فيه ورئيس التحرير الذي أكتب في صحيفته وسائق التاكسي الذي أركب معه. كل هذه العلاقات تقوم على قواعد، والهدف منها هو تسهيل حياة الناس وجعلها أفضل. وهذا يعني أن التاريخ والقداسة والانطباعات الشخصية والمعجزات والمهارات التي يتفاخر بها القادة لا مكان لها إذا تعارضت مع المهمة البسيطة التي هي حياتنا نفسها، إذ لا يمهني تاريخ وديانة وعظمة سائق التاكسي، بقدر ما يهمني قيامه بعمله بالمعايير المتعارف عليها، وانتهاء مهمته بانتهاء "التوصيلة". فليس من المقبول أن يفرض سائق التاكسي نفسه على حياتي لمجرد استخدامه في عمل مؤقت، فيجعل من نفسه فردا من العائلة ووصيا ووريثاً!!

(3)
السيد الرئيس/

لا شك أنك تتابع حالة التصعيد العسكري بين أمريكا وإيران، ولا شك أنك تتابع حملات التسخين الإعلامي والسياسي ضد تركيا، ولا شك أنك تهتم بمعرفة الموقف الأمريكي في الملف الليبي الشائك وتتحرك بعد التشاور مع الحلفاء الإقليميين قبل أن تغذي حفتر بالمهام المطلوبة.

أنا كمتابع شعبي أتفهم كل هذه التصرفات في السياسة والصراعات العسكرية. صحيح أنني تربيت على كراهية الأحلاف، لكنني دافعت كثيرا عن تدخل الرئيس في حرب اليمن، وبررت هذه السياسات بضرورات الوعي بالحدود الواسعة للأمن القومي، وحلمت بنواة مركزية عربية تواجه المد الاستعماري وفيروسات الرجعية الكامنة في المنطقة.

الآن صرت في مرحلة سيولة بين هزيمة المشروع المقاوم ومهانة الهيمنة التوسعية بكل أشكالها الدولية والإقليمية.. الآن أحترم الحدود الشخصية والدولية أكثر وأركز على الذات أكثر من العالم، ربما لذلك لا أحترم دوافع ترامب لتصفية سليماني بهذه الطريقة "البلطجية" السافرة الخارجة عن قوانين الصراع، وربما لذلك أيضا لم أعد أصدق الخطب العنترية من نوع تصريحات روحاني ومبالغاته في ردع أمريكا وقطع أرجلها، فقد سمعتها من جيفارا وعبد الناصر وابن لادن وحسن نصر الله، والمبشرين بما لا يملكون. وحزنت عليها لأنني صدقتها، ثم لم أشاهد بعدها خيراً للبلاد. فقد كانت بشائر أمل عظيم أفضت إلى حال محزن وأليم، لذلك فإن شيئا في عقلي يتخوف من هذه البلاغيات غير الواقعية، لكن شيئا في صدري يتمنى لو صدق روحاني في تأديب ترامب.

وبرغم مرارة الهزيمة التي أشعر بها في هذه المرحلة، أحاول أن أتفهم الدوافع والرسائل، وأتأمل الإشارات الرمزية العميقة عن أرقام من تاريخ الصراع، مثل "52" الذي يؤلم ذاكرة أمريكا بعد حصار سفارتها في طهران نهاية السبعينيات، و"290" الخاص بإسقاط الصواريخ الأمريكية الغبية طائرة ركاب مدنية إيرانية بكل ركابها.

وربما أتفهم رغبة أردوغان في مد يده إلى غاز المتوسط، فالكعكة الإقليمية صارت في متناول الذباب الغربي والإسرائيلي، والطريق إلى المغارة الأفريقية يغري بالبحث عن فرصة عمل، لكنني وبكل وضوح لا أحترم ترامب وسياسات الغطرسة التي عرت وجه وعورات أمريكا بأكثر ما يحتمل الأحرار في العالم، ولا أصدق طنطنات روحاني وحرسه الثوري التي تستهدف الخلخلة الإقليمية أكثر مما تستهدف مواجهة إسرائيل والنفوذ الغربي، ولا أتفق مع تدخلات أردوغان غير المدروسة، ولا أتقبل مبدأ التدخل العسكري في دول أخرى بغير مشاورات وترتيبات مباشرة مع دول الجوار، وبالتالي فإن التحرك التركي إلى حدود مصر غير مقبول إذا لم يسبقه تفاهم دبلوماسي وعسكري بين الطرفين.

هنا يبرز السؤال أيها الرؤساء:

كل هذا العك لصالح من؟

(4)
تبدو كلمة "العك" غير بروتوكولية، وقد عاتبتني عليها أيها الرئيس عندما استخدمتها في وصف سياساتك، لكنني لا أجد لفظة تعبر عن الحال الذي وصلنا إليه أكثر أدباً من ذلك، ويمكن تلخيص حالنا في هذا الوصف المبسط:

قال الرئيس: هيا نحارب إسرائيل ونحرر فلسطين، تنازع الرئيس مع الرئيس، تصالح الرئيس مع إسرائيل، تحول نزاع الرئيس مع الرئيس من السر إلى العلن، ضرب الرئيس إيران، خدعه من أخرجه، انتقم الرئيس بغزو الكويت، وقف الرئيس ضد الرئيس، دعا الرئيس أمريكا لتحرير الكويت فضاع العراق وعبرت إيران الحدود، سقط الرئيس في تونس فاستضافه الرئيس وفكر أن يسقط رئيسا آخر، فضاعت سوريا وعبرت إيران الحدود، ومنها إلى ليبيا واليمن والسودان، حيث يسقط رئيس ويعلو رئيس، وفي المجمل تكبر إسرائيل وتتوسع إيران وتتدخل تركيا وتتوحش أمريكا، ويدفع الرؤساء من أقواتنا قيمة ما تأكله النار في بيوتنا، فماذا يمكننا أن نسمي هذا الحال؟

(5)
السيد الرئيس/

بما أنكم جميعا ضدنا، فلتفعلوا ذلك بالأسلوب الأفضل.. اتفقوا معاً ضدنا، تفاهموا، نسقوا فيما بينكم، تعاونوا على الإثم لكي تربحوا من دمنا وترثوا بيوتنا وتستعبدوا أولادنا.. تصالحوا يا سيادة الرئيس، لا أستطيع أن أفهم أسباب صراعاتكم أو أتقبل تكلفة النزاع فيما بينكم. فنحن الذين ندفع أجرة ندابات الإعلام وتكلفة السلاح الذي تستخدمونه فيما بينكم، بينما أنتم تابعون أذلاء للغرب.. أنتم "بتوع أمريكا وإسرائيل" بشكل علني يا سيادة إسرائيل، فاتفقوا على قتلنا تربحوا أكثر.

سأكون أكثر فهما إذا صعدت على مشنقتي ورأيتكم تجلسون باسمين معاً على منصة واحدة: مصر إلى جوار السعودية وقطر وتونس وتركيا والسودان وإيران والجزائر وإثيوبيا، ولا تنسوا بشار الأسد وصدام حسين والملك حسين أيضاً، ولا تخجلوا من علاقتكم بأمريكا فلا حرج على ملك اليمين، ولا تقلقوا من أسرار علاقتكم الشاذة مع إسرائيل فالأمم المتححدة تشجع مجتمع الميم.. فقط التقوا، نسقوا، تشاوروا، تدربوا على التنسيق وابدأوا في بناء جسور الثقة، لكن لا تكونوا تابعين وخائنين وغوغاء وأغبياء ثم قتلة أيضاً.. نريدكم قتلة أذكياء كالأمريكان، أو سفاحين ديمقراطيين كالصهاينة، لكننا لم نعد نحتمل أن نعيش ضحايا لأفراد بهذه الضحالة والعمالة والجهل والغشم والتفكك.

(6)
السيد الرئيس/

أرجو أن تصلك رسالتي وأنت في أسوأ حال، والأوطان وناسها في أفضل حال.

والرسائل مستمرة..

tamahi@hotmail.com
التعليقات (6)
جمال الجمل - مقال بعنوان - بشرة خير يا فامة الرئيس -28-6-2014 - المصري اليوم
الأربعاء، 15-01-2020 05:33 م
بدأت ماكينة السابعة صباحاً تعمل، وظهرت بشائر الأداء الرئاسى واضحة خلال أسبوع مثمر، اكتمل بإعلان بيان مصرى إثيوبى يحدد ملامح خطة طريق لا تقتصر على حل أزمة سد النهضة، لكنه يكشف عن وجود رؤية شاملة للتعامل مع العمق الأفريقى، ويرسم ملامح توجهاتنا الدبلوماسية فى هذه الدائرة الاستراتيجية الخطيرة التى أهملناها طويلاً. من المعروف فى السياسة أن صورة مصافحة رئيسين، أو صدور بيان مشترك من دولتين، لا يتم نتيجة مصادفة، أو لقاء عابر على هامش مؤتمر دولى أو إقليمى، لكنه يكون ثمرة لجهود واتصالات دبلوماسية، وأوراق تفاوض وضغط، ولجان تنسيق وجمع معلومات وتقديم مقترحات، ووضع سيناريوهات متعددة لحلول رئيسية وحلول بديلة. هكذا يجب أن نقرأ دلالات صورة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع رئيس وزراء إثيوبيا، هيلى ماريام ديسالين، ونربطها بالتوجهات الرئيسية فى خطابه أمام القمة الأفريقية، وبالملفات التى طرحها فى لقائه مع العاهل السعودى، والرئيس الجزائرى، وكذلك بالرؤية التى تصنع بها الإدارة الجديدة سياسة مصر الخارجية. فى تقديرى أن الحديث الإعلامى الذى قوبل بسخرية من البعض عن «هدايا ومفاجآت السيسى للشعب» فى العيد الأول لثورة يونيو كان حديثاً جاداً ومسؤولاً، ويكشف عن التحضير الجيد للتعامل مع الأزمات، ومن المؤكد أن الجانب الإثيوبى لم يقع فى غرام القاهرة تحت تأثير «النحنحة» والضغط على اليد، واستخدام الكلمات الناعمة، لكنه تعامل مع وضع جديد تمثل فى رسائل قوية من الخارج أشارت إلى قدرة مصر على الضغط الاقتصادى والتمويلى على أديس أبابا من خلال سحب استثمارات شركاء إقليميين مثل السعودية والإمارات والكويت وغيرها، وكذلك طرح الموضوع لدى شركاء دوليين مثل روسيا، وبداية التحرك لدى الصين والولايات المتحدة نفسها، بالإضافة إلى تركيز النشاط الدبلوماسى فى أفريقيا، واستعادة القاهرة لمكانتها ودورها من خلال الإسهام فى مشاريع تنمية، وبناء جبهة لمواجهة مخاطر الإرهاب العابر للحدود، وهذا يفرض ضرورة التعاون والتنسيق فى ملفات مستدامة، ولا تقتصر على حديث الأزمات، والقضايا الساخنة. والأهم أن هذه التحركات الهادئة بعيداً عن التدخل المستهتر للإعلام تتيح توصيل الموقف الرسمى للقاهرة بوضوح من دون عنجهية كاذبة، أو تهور التهديد بالحرب، أو انفعالات المحدثين، أو حماس السذج، أو مؤامرات المغرضين، فقد بدا واضحاً للجانب الإثيوبى أن مصر تعترف بحقه فى المياه والتنمية، وبناء السد، بشرط عدم المساس بحصة مصر من المياه، والالتزام بسعة تخزينية يتم الاتفاق عليها، مع تحريك الملفات فى إطار من التعاون واحترام الاتفاقيات الأفريقية والقوانين الدولية، بل إن القاهرة لوحت بقبول اتفاقية عنتيبى حال مراجعتها وتدقيق بنودها بما يضمن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل. أما بالنسبة لزيارة الجزائر التى سبقت القمة، فهى توضح أن السيسى يتحرك برؤية خبير متمرس يرى أن حدود مصر الأمنية فى أفريقيا تمتد بين قوسين، الأول فى الجزائر والثانى فى القرن الأفريقى، ولهذا التقى خلال يومين فقط 11 زعيماً أفريقياً، واختتم جولته بزيارة مهمة للسودان. هذه بداية جيدة فى الغرب والجنوب، أثنى عليها، وأنتظر خطوات أكثر وضوحاً وإيجابية فى الشرق والشمال، وداخل مصر طبعاً. أحييك وأشكرك يا فخامة الرئيس، وكل رمضان ومصر بخير وأمان.
عبدالله محمد علي
الإثنين، 13-01-2020 02:56 م
مقالات هادفة لكن ارجو ان لا يصل اليأس الي نفسك حيث لمسنا ذلك اليوم في مقالك هذا لا تيأس الفرج اتي وقد جاء في التنزيل ان مع العسر يسرا وان مع العسر يسرا اكتب لهم سيصل صوتك لهم ويقض مضاجعهم ويصحون مذعورين علي صوت الشعوب تدق الباب بعنف
صبر الجمل
الجمعة، 10-01-2020 01:17 م
يا استاذ يحي انت عاوز صبر الجمل علشان بلحه يفهم مقاللك
الصعيدي المصري
الأربعاء، 08-01-2020 07:46 م
مصيبتنا فيمن يرتدون لباس ( النخبة) والذين يجيدون الانتقال والقفز .. بعض هؤلاء .. كان مع الديكتاتور المنقلب قلبا وقالبا .. ووصفه بأرق واعظم واجمل العبارات والمعاني .. والشكر موصول لمخزون الانترنت الذي يجعلنا نعرف كيف كانت مواقفهم وكيف اصبحت .. فلم يعد الباحث عن حقيقة هؤلاء يعاني من ضعف الذاكرة التي يراهن المتنوخبون ان القراء يتمتعون بذاكرة السمك فيجيدون التلون والقفز .. المدهش .. هو كيف من يدعي الحكمة .. ان يدعيها .. بينكا هو ذاته ساهم في في دعم الخراب والظلم والديكتاتورية .. كيدا في فصيل او فئة .. اختلف معها فكريا .. والان يجيء هؤلاء ليتحفونا بمقالات واطروحات فلسفية ترتدي ثوب الوعظ .. والارشاد
أمين دواجي
الأربعاء، 08-01-2020 06:09 م
رسائل أعمق من أن يفهمها ذلك الرئيس البليد. لكنها تبقى رسائل. شاهدة على زمن بائس

خبر عاجل