قضايا وآراء

مصر هبة النيل أم رهينة السد الإثيوبي؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي لم يتردد في مقابلة تلفزيونية عرضت يوم أمس الأربعاء 25 تموز (يوليو) في الإعلان عن شروع بلاده بملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق.

تصريحات الوزير بيكيلي جاءت بعد يوم واحد من نشر وكالات الأنباء صورا تظهر ارتفاع منسوب المياه في بحيرة السد؛ والتي أطلقت عاصفة من التكهنات حول الأسباب التي تقف خلف التغير في منسوب المياه؛ ما أرجعه بعض الخبراء إلى الأمطار الموسمية.

تفسيرات لم تصمد طويلا بعد تناقل وسائل إعلام سودانية عن مسؤول سوداني تراجع منسوب النيل الأزرق الذي يمر بالأرضي السودانية رغم انطلاق موسم الأمطار؛ ليسارع بيكيلي لإطلاق تصريحاته المتلفزة.

وزير المياه الإثيوبي قطع الشك باليقين بالقول: "إن بناء السد وتزويده بالمياه ينجزان في نفس الوقت" مؤكدا أن صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة الأسوشيتد برس دقيقة؛ الصور التي قارنت بين حال السد في 27 حزيران (يونيو) الماضي وحاله في 9 تموز (يوليو) الحالي مظهرة ارتفاع منسوب المياه في بحيرة السد بشكل ملحوظ وكبير فأديس أبابا نفذت تهديداتها.

 

مصر الرسمية أدارت ظهرها للنيل وانشغلت في دعم الجنرال الليبي حفتر الذي عجز عن تحقيق أي نصر في ليبيا .

 



التأكيدات الإثيوبية سبقتها بساعات سلسلة من الأحداث كان أبرزها الإعلان عن توقف المفاوضات التي رعاها الاتحاد الإفريقي دون التوصل إلى نتيجة وتصريحات المسؤول السوداني في الخرطوم حول انخفاض منسوب مياه النيل الأزرق؛ التي عادت وزارة الري السودانية فأكدتها بالقول إن التراجع بلغ 90 مليون متر مكعب في اليوم كمية كبيرة جدا لا تستطيع إثيوبيا إخفاءها طويلا خلف السد دون أن يلاحظ العالم بأجمعه الحقيقة .

ورغم ذلك لم يلاحظ المسؤولون في مصر الكنانة ما حدث لانشغالهم في ليبيا بمعركة دبلوماسية مع تركيا؛ فوزير الخارجية المصري سامح شكري انشغل بالكامل في معركة دبلوماسية استهدف فيها نظيره التركي تشاويش أوغلو إذ نفى شكري أي شكل من أشكال التفاوض أو اللقاءات بين دبلوماسيين أتراك ومصريين؛ منددا بالتحذيرات التركية المتكررة من اكتمال الاستعدادات لتحرير مدينة سرت والجفرة من قوات حفتر؛ ومتجاهلا تصريحات وزير المياه الإثيوبي.

الأمين العام للجامعة العربية المصري أحمد أبو الغيط اشتبك بدوره في المعركة الدبلوماسية مع تركيا مهاجما الحكومة التركية متهما إياها بالتدخل في الشؤون الليبية؛ فمصر الرسمية أدارت ظهرها للنيل وانشغلت في دعم الجنرال الليبي حفتر الذي عجز عن تحقيق أي نصر في ليبيا .

رغم التطورات المتسارعة والأنباء المتدفقة حول ملء السد بقيت القاهرة صامتة دون حراك أو رد فعل حول الإعلان الإثيوبي، في حين اكتفى سفيرها في أديس أبابا أسامة عبد الخالق بتغريدة يتيمة كتب فيها رسالة من كلمة واحدة هي "أون لاين"، في إشارة منه إلى انقطاع طويل للإنترنت في إثيوبيا مبررا غيابه عن الحدث على الأرجح وعدم قدرته على متابعة مفاوضات السد على الأرجح التي تمت عبر تقنية الفيديو كونفرنس.

الاشتباك الدبلوماسي والأمني المصري في ليبيا لم يعد منطقيا؛ فالنهر العظيم الذي أنجزه القذافي نهاية القرن الماضي لن يعوض مصر عن حصتها في مياه النيل؛ كما أن الجنرال حفتر لن يعزز أمن مصر القومي كما ستحققه حكومة الوفاق لو حاورتها مصر وقبلتها كقوة شرعية لتحقن بذلك الدماء وتوفر الجهود والطاقات المهدورة؛ فالدبلوماسية مع الوفاق وتركيا واعدة وأقل كلفة من الـ11 لقاء التي عقدتها القاهرة لعلاج أزمة السد عبر الإنترنت مع إثيوبيا.

ختاما: مصر غائبة ومغيبة عن أمنها القومي الذي بات مهددا في العمق مائيا وغذائيا وأمنيا؛ وعودة الإنترنت لإثيوبيا لن تعيد الـ 90 مليون متر مكعب إلى مجرى النيل أبدا؛ كما أنها لن تعالج مفاوضات الفيديو كونفرس مع إثيوبيا أزمة مصر المائية؛ فمصر باتت رهينة لسد النهضة ولرغبات إثيوبيا وإرادتها؛ لتتحول مصر من هبة النيل إلى رهينة السد الإثيوبي.

hazem ayyad
@hma36

التعليقات (0)