قضايا وآراء

جدل الإصلاح في الأردن إلى أين؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

يتجدد الجدل حول أهمية الإصلاح السياسي في الأردن بعد كل أزمة وحدث كبير سواء اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي؛ غير أن الجدل المتخلق من اندلاع أزمة ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين كان بنكهة مختلفة؛ فالإصلاح السياسي لم يعد مطلب المعارضة فقط بل ومؤسسات الدولة والعاملين فيها باعتباره ضرورة سياسية لتحقيق الاستقرار والتكيف مع إقليم وعالم متغير محفوف بالمخاطر والتحولات الكبرى.

الأزمة هددت المسلمات التقليدية التي حكمت مؤسسات الدولة الرسمية والمجتمع والمعارضة خلال العقود العشرة الماضية؛ مسلمات جعلت من العرش والدور الإقليمي وإنتاج الريع وتوزيعه بالطريقة المثلى للحفاظ على الاستقرار ومواجهة التحديات؛ فهل يتواصل الجدل الإصلاحي ليتحول إلى حوار ومشروع؛ أم أنه سيتلاشى ويتبخر أسوة بغيره؟

جدل الإصلاح المتجدد فرضته هذه المرة أزمة غير مسبوقة في الدائرة الضيقة للنخبة السياسية العليا والأسرة المالكة في الأردن؛ مربكة مؤسسات الدولة الرسمية والمجتمع التي دخلت في حالة من التشتت والشلل والترقب لمآلات (الفتنة) وتفاعلاتها واتجاهاتها المستقبلية التي لم تقتصر على الساحة الداخلية؛ بل الإقليم والعلاقة مع الجوار العربي؛ فالأزمة أكدت خطورة المراهنة على الدور في عالم متغير لا يتمتع بالاستقرار؛ كما أكدت فشل النظام شبه الريعي وعجز أدواته عن الولوج إلى المستقبل والتعامل مع الأزمات المعقدة.
 
الأزمة شقت طريقها داخل مؤسسات الدولة والمجتمع والمعارضة في حقبة اضطرب فيها النظام شبه الريعي وعانى من العطب والتعثر في ظل ارتفاع المديونية وعجز المنح والمساعدات الخارجية والموارد المحلية عن تمويله؛ فالنظام الريعي اتسع نطاقه خلال السنوات العشر الأخيرة للرد على تحدي الربيع العربي وتحدي الإصلاح السياسي ليتحول إلى حمولة يصعب تمويلها ودعمها في ظل جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية.
 
الريع حول برامج الحكومة وخططها الإصلاحية إلى مجرد حبر على ورق لا يصمد أمام الحقائق والتوازنات على الأرض؛ توازنات شكلت الحكومات ذات الحمولات الكبيرة والصلاحيات المحدودة والريع غير المسيطر عليه؛ وإعادة إنتاج القوانين الانتخابية لتكريس الريع كنظام اجتماعي واقتصادي وسياسي قادر على كبح جماح الربيع العربي والحركات الاحتجاجية والمعارضة التقليدية في آن واحد.

 

جدل الإصلاح السياسي الذي رافق الأزمة الأخيرة أعاد إلى الأذهان الدعوات لتعديل الدستور وقانون الانتخاب بما يعزز فصل السلطات وتأكيد ولاية الحكومة دون مساس بالنظام الملكي والعرش؛ جدل لا يزال يواجه الكثير من المعيقات والتعقيدات

 



الأخطر أن النظام شبه الريعي أنتج هياكل ومؤسسات غير فاعلة وخاصعة لتوازنات خفية تتصارع على الريع الآخذ في التآكل؛ فالبرامج الحكومية لضبط النفقات والحد من العجز وضبط المديونية تنتهي إلى الفشل لغياب الفاعلية والولاية العامة؛ وتعاظم وتنامي مراكز القوى وتناثرها خارج إطار المؤسسات التشريعية والتنفيذية المؤطرة بالقانون والدستور؛ ليتراجع الاعتماد على الذات إلى 15% فقط من الطاقة الإنتاجية الفعلية للبلاد.


حقائق دفعت إلى طرح الإصلاح الاقتصادي تارة والإداري تارة أخرى كمهرب من دعوات الإصلاح السياسي الجادة التي تنادي بقوانين انتخاب توسع المشاركة السياسية؛ وتعديلات دستورية تعزز من ولاية الحكومة ومسؤولياتها؛ وتحررها من النظام شبه الريعي المشوه الذي عزز الصراعات الاجتماعية والمؤسسية على الريع ومشتقاته الاقتصادية والسياسية؛ غير أن الأزمة ضيقت هامش المناورة وأعادت الألق لفكرة الإصلاح السياسي كأولوية من جديد.

جدل الإصلاح السياسي الذي رافق الأزمة الأخيرة أعاد إلى الأذهان الدعوات لتعديل الدستور وقانون الانتخاب بما يعزز فصل السلطات وتأكيد ولاية الحكومة دون مساس بالنظام الملكي والعرش؛ جدل لا يزال يواجه الكثير من المعيقات والتعقيدات؛ فالبعض يرى بأن الإصلاح ثقافة لا يمكن تحقيقه دون تحطيم أسس النظام شبه الريعي؛ في مقابل دعوات تعتبر الإصلاح مشروعا وبرنامجا تشترك فيه الحكومة والمعارضة والقوى المجتمعية ويستهدف القوانين والتشريعات الناظمة للحياة السياسية.

الإصلاح بات جدلا عقيما دفع بعض المشاركين فيه إلى تحميل المجتمع وثقافته مسؤولية إعاقة الإصلاح؛ ودفع آخرين إلى تحميل مؤسسات الدولة السيادية مسؤولية الفشل في طرق أبواب الإصلاح؛ جدلية تؤكد أن فرصة الإصلاح السياسي المتولدة عن الأزمة (الفتنة) الأخيرة بعيدة المنال في ظل غياب الحوار الحقيقي وغياب أطرافه التي لا زالت تعول على الدور والريع في حل الأزمات وتجاوزها في حين يبقى الإصلاح مناورة لكسب الوقت إلى حين توفر الريع الذي لن يأتي هذه المرة؛ أو لن يكون كافيا لحل أزمة الدولة والمجتمع.

ختاما: جدل الإصلاح لم يراوح مربعه الأول في الأردن، فتراجع زخم الأزمة يقود تلقائيا إلى تراجع الاهتمام بالإصلاح السياسي الذي يقف في لب الإصلاح الاقتصادي والإداري؛ فرغم القناعات القوية لدى النخبة السياسية التي تدير البلاد أو التي تقف في صف المعارضة بأهمية الإصلاح إلا أن القناعات المشتركة  المتولدة عن الأزمة الأخيرة لم تتحول إلى فعل على الأرض في الأردن حتى اللحظة خوفا من الاصطدام بنظام ريعي يصعب تحديه أو مواجهته دون كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية لا يرغب أحد بدفعها أو يملك خطة للتعامل معها. 

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الخميس، 15-04-2021 08:36 م
*** يقول الكاتب بأنها "أزمة غير مسبوقة في الدائرة الضيقة للنخبة السياسية العليا والأسرة المالكة في الأردن"، وهو قول يخالف حقيقة الصراع الدامي على كراسي الحكم عبر التاريخ الحديث والمعاصر سواء في الأردن، أو في الممالك والإمارات المحيطة بها، بل وفي الجمهوريات التي حكمتها عصابات العسكر الانقلابيين، فالصراع الظاهر والخفي بين أفراد غالبية الأسر الحاكمة حفل بالخسة والدناءة بين الأقارب والأصهار، وسعي كل طرف لتقديم تنازلات للأجانب لكسب تأييدهم. اعتقال بن سلمان لأبناء عمومته للاستيلاء على أموالهم،ولوأد منافستهم له، يقدم نموذج واضح، وتصفية السيسي لغالبية من ناصروه في انقلابه، عنان قائد أركانه، وشفيق رئيس وزراء المجلس العسكري، والبرادعي نائب الرئيس، أمثلة قليلة من قائمة تطول، بل أن أحداث التاريخ المعاصر للدول العربية برمته يمكن إعادة تفسيره من زاوية ذلك الصراع، كإلقاء ناصر لجيشه في سيناء في 1967 وتركهم دون حماية بين يدي الصهاينة، لتبرير اغتياله لعامر صهره وشريك عمره ومنافسه، ولا يجهل أحد أن ملك الأردن الحالي قد تولى ولاية العهد مكان عمه الذي تم تنحيته، ومن بعد تنصيبه قام بتنحية أخيه الأمير حمزة من ولاية العهد لصالح ابنه، ووقائع التاريخ لمن سبقهم على عرش الأردن أفدح، فما صحة القول بأن الأزمة الحالية غير مسبوقة!!!.