هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لنقاش قضايا كبرى، يدلي فيها بدلوه من له في الأمر علم، ومن ليس مؤهلا له، سواء كانت القضية دينية، أم اجتماعية، وهي ظاهرة يشكو منها المختصون في كل علم يتحدث فيه الناس بدون إلمام به، أو علم صحيح فيه، ومن هذه القضايا ما طُرح مؤخرا تحت عنوان: (الاغتصاب الزوجي)، وهو إقامة الزوج علاقة جنسية مع زوجته بغير رضاها، واحتدمت النقاشات بين مشايخ ونشطاء وغيرهم، وفي مثل هذه المعارك التي لا تستند لمنهجية صحيحة، تضيع فيها الحقائق، وتغيب الرؤى السديدة، ونقف مع الموضوع عدة وقفات.
أولا ـ من حيث الموقف من المصطلح، فهنا خطأ في تبني المصطلح، واشتهاره بيننا كعنوان لفعل، أيا كان الموقف من هذا الفعل، فلا بد من توصيفه وصفا صحيحا، لا خطأ، كما يثار في النقاشات، فالإسلام فرق بين أنواع من الزنا، فالزنى علاقة غير شرعية بين طرفين، أيا كان الطرفان، بين رجل وامرأة، أو رجل ورجل، أو امرأة وامرأة، كل هذه علاقات غير مشروعة في الإسلام.
فالزنا الذي يتم بالتراضي بين طرفين، أطلق عليه: الزنى، وله عقوبته كما نص عليه الشرع على الطرفين. وهناك الزنى بالإكراه، وهو ما يطلق عليه الآن: الاغتصاب، وهو ممارسة الزنا مقرونا بالإكراه واستخدام القوة، وهنا العقوبة على طرف واحد وهو المغتصب، وعقابه أشد من العقاب الطبيعي، فكل جريمة تمت بالإكراه تكون عقوبتها أشد من العقوبة الطبيعية عند رضا الطرفين.
أما القضية التي يتم نقاشها فهي علاقة مشروعة في أصلها، لأنها علاقة جنسية بين طرفين تحل لهما هذه العلاقة، وما يتم نقاشه هنا هو: إكراه طرف على هذه العلاقة الحلال، سواء كان الإكراه ممارسا من الرجل، أو المرأة، فتوصيف المسألة يجب ألا يخرج عن طبيعتها الحقيقية.
وللأسف هذه المصطلحات باتت تغزو ثقافتنا، ويتبناها الكثيرون، وهي تدخل في كثير من الأحيان من باب تغيير الحرام أو الحلال، مثل إطلاق الخيانة على تعدد الزوجات، الذي هو أمر مشروع في أصله، ويختلف حكمه بحسب حالة كل شخص يمارسه، وإطلاق كلمة: مشروبات روحية على الخمور، وتبني مصطلح: خيانة مشروعة، وهو عنوان فيلم، متجاهلين أن الخيانة لا تشرع، والمشروع مشروع، لا يمكن أن يتحول لخيانة، أو يلتقي مع الخيانة.
ثانيا ـ إن هذه القضية، وهي تدخل في باب: العنف الأسري، وهي قضية غربية، وليست قضية شرقية، ولا إسلامية، فهي تنتشر في المجتمعات الغربية، وتم تصديرها إلينا، وليست بنت مجتمعنا ولا ديننا، وهو خطأ يرتكبه كثيرون في النقاش في القضايا العامة، حيث يستوردون قضايا لتناقش في بلادنا ولا تمت لها بأي صلة من قريب أو بعيد، وهناك نماذج في ذلك لا حصر لها، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
لسنا ضد نقاش قضايانا، لكن المهم أن تكون معبرة عن قضايانا الحقيقية لا الموهومة، ولا المصطنعة، لدينا قضايا وإشكالات تتعلق بالمرأة والطفل والأسرة، لكنها يقينا مختلفة تماما عن قضايا غيرنا، بل في مجتمعاتنا، تختلف القضايا الاجتماعية في بلد عربي عن آخر، وفي بلد مسلم عن آخر، ولذا اعتبر الفقهاء تغير العرف في الفتوى، وذلك مراعاة لكل بلد، ولكل قضاياها وأعرافه وعاداته وتقاليده التي لا تصطدم بثابت من ثوابت الشرع.
ثالثا ـ يخطئ كثيرون في تصور هذه القضايا، وفي نقاشها، فيذهب لحلها ونقاشها عن طريق القوانين وكتب الفقه، وكنت قد كتبت من قبل مقالا أوضحت فيه هذا الخطأ، بعنوان: هل يعتبر الفقه الإسلامي المرأة سلعة؟! فمجال القضاء هو الحقوق المادية، ومعلوم أن قضايا المعاشرة الجنسية، والعلاقة العاطفية، هي في معظمها حق معنوي، إذ كيف نقيسها، وكيف نقيمها، وكيف نحكم من المصيب أو المخطئ فيها؟!
نعم هناك حالات يمكن قياسها، لكن هي حالات ترتبط بالجسد والفعل المادي، كالعجز الجنسي، أو أمراض بدنية يمكن للطبيب اكتشافها، والحكم عليها، ومن ثم يحكم القاضي بناء على تقرير طبي فيها.
أما معظم العلاقة الزوجية، والحقوق فيها، فهي متعلقة بأمور معنوية، ترتبط بقيم وأخلاق الطرفين، ولذا كانت نصيحة الشرع الإسلامي بقوله صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وقوله: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، ومن الخطأ هنا خلط المسائل المعنوية بالمادية، لأن حكمنا عليها سيكون مخطئا مهما تحرينا العدل فيها.
رابعا ـ وهو الأهم هنا، ما موقف الإسلام من إكراه أحد الزوجين للآخر على الجماع؟ الأصل في هذه العلاقة أنها تتم برغبة كاملة منهما، وأنها المسار الطبيعي لإفراغ ما لدى الطرفين من شهوة، في الموضع الذي أحله الله عز وجل لهما، وأن واجب كل منهما عندما يحتاج طرف أو الطرفان لذلك، أن يتعاونا في هذا الأمر، لأنه معاونة على تجنب الحرام، وفعل الحلال، وهما مأجوران في الإسلام على هذا الفعل كما قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بُضْع أحدكم صدقة".
وفي هذا السياق نفهم النصوص التي تحدثت عن إثم الزوجة أو الزوج الذي يرفض أداء ما عليه من واجب نحو الآخر، إذا لم يكن لديه عذر شرعي، والعذر هنا قد يكون بدنيا، أو نفسيا، ماديا أو معنويا، المهم أن يكون العذر هنا مقبولا شرعا.
والأصل كذلك في هذه العملية الجنسية لا تتم إلا برغبة من الطرفين، هذا هو التصرف السوي من الطرفين، وكل إنسان عاقل يعتبر عدم رضا الطرف الآخر عن العلاقة إهانة له، إذا لم يكن هناك تجاوب من أحد الطرفين، يشعر الطرف الآخر بإهانة شديدة، تصل في حالات عند التكرار والتعمد إلى الطلاق، لأن الاحترام لم يعد موجودا بينهما، فإذا ما كان بالإكراه من طرف للآخر، كان أكثر مهانة له.
أما موقف الإسلام من الإكراه في هذه العملية وغيرها، فقد نظر إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نظرة الاستغراب والاستنكار، عندما يقوم أحدهم بضرب امرأته ثم يحدث بينهما جماع فيما بعد، فقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس في النساء فقال: "يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ثم يعانقها من آخر النهار!"، ونفى الخيرية عمن يمارس الضرب، أو العنف مع امرأته، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولن يضرب خياركم"، وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم) البقرة: 223، بأنه مقدمات الجماع، وهي التي تهيئ كلا من الطرفين له، فهي ليست علاقة أوتوماتيكية، يعمل كل طرف فيها بالريموت كنترول، بل هي نتيجة لمشاعر وأحاسيس، وهو ما أمر به الإسلام الطرفين، من حسن العشرة، وتهيئة كل طرف للآخر عوامل السعادة والراحة، كما قال تعالى: (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم: 21.
Essamt74@hotmail.com