هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الدور الذي قام به عدد من الأزهريين في بناء وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين لا ينكره إلا جاهل بتاريخ الجماعة، وجاهل بتاريخ الأزهر أيضا، فالإخوان جماعة تدعو للإسلام، فهما وتطبيقا، والأزهر كبرى المؤسسات التي تعمل على ذلك أيضا، فالرسالة والمبدأ لا تعارض بينهما، ولذا لم يكن يجد الأزهري تعارضا بين أزهريته وانضمامه للإخوان، وأن يكون من دعاتها.
وقد أدرك الشيخ حسن البنا رحمه الله نعمة أن مصر فيها مؤسسة الأزهر، ولذا أحاط به في كل مراحل حياته الدعوية: الأزهريون، سواء كانوا من علمائه الكبار، الذين تتلمذ البنا على أيديهم، أو زملاء له في نفس السن، أو تلامذة له في جماعته من الأزهريين النابهين.
فالبنا حينما فكر في ما يقوم به التبشير والتنصير والتغريب في مصر، وكيف ينخر في عظام المجتمع نخر السوس، وقد ذكر أطرافا من ذلك في مذكراته: (مذكرات الدعوة والداعية)، وهو عنوان وضعه من جمعوا مقالات الكتاب، وقد كان عنوان البنا الذي جعله للمقالات: مذكرات عن الدعوة والداعية، وقد ذكر فيها لقاءه بالعلامة الشيخ يوسف الدجوي، وبعلماء آخرين من الأزهريين، وكيف كان يطرح في كل مجالسهم ما يعتمل في رأسه من أفكار، والقارئ لحديث البنا عن علماء الأزهر في مذكراته يجدها حديثا كله عاطفة وحب للأزهر وعلمائه بكل فئاتهم العلمية.
وحينما أسس البنا جماعة الإخوان المسلمين، وقد كانت جمعية ناشئة صغيرة في الإسماعيلية، ذكر في مذكراته أن من ساهم معه في نشر الفكرة: أزهريون من خريجيه، منهم: الشيخ محمد فرغلي، والشيخ حامد عسكرية، والشيخ أحمد شريت، وعندما بدأت مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية في الصدور في القاهرة، وقد أعلنت في أعدادها الأولى عن تكوين شعب للإخوان في عدد من المحافظات، أول عشرين شعبة للإخوان كانت نسبة المسؤولين والمؤسسين لها ما يقرب من ثمانين بالمائة منهم أزهريون، وهو ما لا يتسع المقام لذكر الأسماء والمنطقة والدرجة. وكان من بينهم القارئ الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي رحمه الله.
وعندما فكر البنا في التوسع لانتشار فكرته، وفتح فروع جديدة للإخوان المسلمين، كان الأزهر المكان الذي يمكنه تحقيق ذلك، فإليه يفد من كل دول العالم طلاب يطلبون العلم، ثم بعد انتهاء دراستهم يعودون إلى بلادهم علماء دعاة، بالتأكيد لم يخطط البنا بهذا الشكل، وإنما هي أمور طبيعية، فإن من يأتي لمصر الأزهر لطلب العلم، أول ما يجذبه فيها: دروس العلماء، وخطب الخطباء، وكان من أشهر الخطباء آنذاك في مصر: حسن البنا، ودروس المركز العام للإخوان المسلمين.
وقد كان يحضر درس الثلاثاء للبنا، عدد من الأزهريين من جميع الجنسيات، كما كان هناك قسم الطلاب في الجماعة، في الأزهر، وفي جامعة القاهرة (جامعة فؤاد آنذاك)، لكن جامعة القاهرة لا يأتيها طلاب من خارج مصر، بل أغلبهم مصريون، أما الأزهر فلديه أروقة، أو ما تحول فيما بعد إلى: مدينة البعوث الإسلامية، وأسس البنا بعد ذلك: قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وعن طريقه كان التواصل.
وبالفعل تأثر عدد من طلاب الأزهر الذين درسوا فيه، ثم عادوا إلى بلدانهم، يحملون علم الأزهر، وفكرة الإخوان المسلمين، ولذا كان الفضل في تأسيس معظم مقرات للإخوان داخل مصر وخارجها للأزهريين، فالإخوان المسلمون في سوريا حمل إليهم الفكرة: الشيخ مصطفى السباعي عندما كان يدرس في الأزهر في مصر، وعاد إلى سوريا، وانضم معهم آخرون منهم: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ معروف الدواليبي، وكانت تربط البنا بالشيخ محمد الحامد صلة عميقة، وقد كان بينهما مناقشات في حديث الثلاثاء، ومقالات يكتبها الحامد في مجلة الإخوان، يعقب فيها على البنا وغيره، وأصبح السباعي أول مراقب عام للإخوان في سوريا.
قائمة علماء الأزهر الذين انضموا للإخوان المسلمين، وكانوا سببا في نقل فكرة الإخوان لبلاد أخرى، أو داخل مصر، قائمة طويلة، لا يستطيع دارس حصرها، لكنها دليل على صحة الحدث التاريخي، وهو أن جماعة الإخوان انتشرت في بادئ أمرها، وفيما بعد في فترات أخرى، بسبب جهود علماء أزهر ممن انتسبوا للجماعة
وكذلك في العراق، فقد كان تأسيس جمعية للإخوان المسلمين في العراق على يد الشيخ محمد محمود الصواف، وهو عالم عراقي أزهري، جاء مصر لطلب العلم، ثم عاد في عام 1946م، والتقى كثيرا بالبنا، وحمل فكرة الإخوان، وكان أول مراقب لها في العراق، ووجدنا بعد ذلك من مراقبي العراق علماء أزهريين مثل: الدكتور عبد الكريم زيدان، وقد حصل على الدكتوراه من الأزهر، في موضوع: أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام.
وفي فلسطين وقد تأسس مقر للإخوان المسلمين فيها على يد الشيخ مشهور الضامن، وهو أزهري، التقى حسن البنا واقتنع بفكرته، وفكرة الإخوان المسلمين، وعاد إلى فلسطين، وأصبح أول مراقب لها عن الإخوان، وقد أنشأ أول شعبة للإخوان في فلسطين سنة 1946 في نابلس.
وفي دول الخليج، الذي حمل فكرة الإخوان لها، كانوا علماء الأزهر الذين ابتعثوا إليها معلمين في معاهد، أو علماء شريعة في كليات شرعية، مثل: الشيخ عبد المعز عبد الستار الذي ذهب أولا إلى السعودية، ثم بعدها إلى قطر، والشيخ: مناع القطان الذي ذهب إليها في مطلع خمسينات القرن العشرين، إلى أن توفي بها رحمه الله وحمل جنسيتها، ومثل: الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ أحمد العسال، وآخرون كثر، ملأوا بلاد الخليج علما وخلقا، وكانوا بين أبنائها بأخلاقهم وعلمهم دعاة للأزهر، وللإخوان، في آن واحد دون تعارض.
قائمة علماء الأزهر الذين انضموا للإخوان المسلمين، وكانوا سببا في نقل فكرة الإخوان لبلاد أخرى، أو داخل مصر، قائمة طويلة، لا يستطيع دارس حصرها، لكنها دليل على صحة الحدث التاريخي، وهو أن جماعة الإخوان انتشرت في بادئ أمرها، وفيما بعد في فترات أخرى، بسبب جهود علماء أزهر ممن انتسبوا للجماعة، سواء ظلوا بها، أم استقالوا منها، أم أقيلوا، سواء استمر تعاونهم مع التنظيم والجماعة من باب التعاون على البر والتقوى دون علاقة تنظيمية، وهو ما نراه في حالات كثيرة جدا، أم انقطع التواصل، ولكن بقيت الصلة طيبة، تحمل الود بين الطرفين.
هذا عن دور الأزهريين في بناء وتكوين جماعة الإخوان، من حيث التكوين والانتشار الدعوي أو التنظيمي، فضلا عن دور آخر مهم يحتاج لمقال يفرد به، وهو دور الأزهريين في البناء الفكري والعلمي في جماعة الإخوان المسلمين، وهو حديث مقالنا القادم إن شاء الله.
Essamt74@hotmail.com