هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المتتبع لتاريخ الحكم العسكري لمصر، والدوائر القريبة منه، سيجد أخلاقهم وطباعهم واحدة، منها: ادعاء البطولة بالباطل، وتلفيق التهم بالمخالف، وجعل نفسه من دائرة المناضلين المضحين لأجل الوطن، ومن هذه الأكاذيب الزائفة في ادعاء البطولة، ما تحدث عنه مسلسل الاختيار3 من محاولة اغتيال الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق، والدكتور ياسر برهامي القيادي في حزب النور، ونسبة هذا الفعل للإخوان.
المتأمل في الحادثتين، سيجد دلائل الفبركة تنضح منهما بشكل واضح، فكلاهما بلا شك يبغض الإخوان، الأول لأن الرئيس الشهيد مرسي لم يجدد له عند انتهاء مدته في الإفتاء، وهو من رجال السلطة المحسوبين عليها قبل توليه الإفتاء، رغم تاريخه السابق المقرب من الإخوان والجماعات، في تفاصيل لو تتبعها باحث مجد، سيجد تناقضات هائلة في حياة علي جمعة، وتقلبات وتناقضات لا تحولات نابعة عن مراجعة وفكر، فقد سبق له أن حقق كتاب: شهيد المحراب من تأليف مرشد الإخوان الثالث عمر التلمساني.
أما ياسر برهامي، فهو رجل ينضح قلبه بغضا للإخوان، فطموحه منذ سنين عددا، أن يكون لديه تنظيم كتنظيم الإخوان، يجد فيه الولاء والسمع والطاعة مثلما يجد، وبنفس القوة والتواجد والترابط، يحكي هذا كل من كان قريبا منه، وقد كان يود أن يكون بديلا عنهم بعد الانقلاب عليهم، وقد رأينا مواقفه وحزبه منذ ثورة يناير، وجلها مواقف تنطلق من البراجماتية البحتة، التي لا تمت للتدين بصلة.
أما عن الحادثتين، فلنتناولهما بتجرد، أما عن علي جمعة، فقد أراد تصوير الأمر على أنه كرامة من الله، لولي من أوليائه، فقال في برنامج تلفزيوني بعد مسلسل الاختيار3: لقد حققوا مع من أرادوا قتلي، وقالوا لهم: لقد كان بينكم وبينه أربعة مترات، ومعكم السلاح، فكيف لم تتمكنوا من قتله؟ فأجابوا: لقد اختفى فجأة من أمامنا ولم نعد نراه! يوحي بذلك علي جمعة بأن الله قد أخفاه عنهم، ويكأننا أمام حادثة الهجرة وغار ثور مرة أخرى، أو أمام مسيح آخر لكنه لم يشبه لمن أرادوا قتله، بل رفع عنهم.
علما بأن جمعة نفسه اعترف أنه لم يكن خطيب هذه الجمعة، بل كان الخطيب الدكتور مجدي عاشور كما قال في برنامج تلفزيوني، أي: أنه لم يكن معلوما أنه سيخطب، بل كان مجرد مصل، فلماذا لم يرصده القتلة في مسجده الذي يصلي فيه دوما، إلا أنها تمثيلية كعادة علي، فتارة يمثل شخصية: نور الدين علي جمعة، وتارة شخصيات أخرى، فهو شخصية تهوى الأضواء، بأي شكل كان، المهم أن يظل في دائرة الضوء.
لو كان للإخوان تنظيم عسكري يصفي الخصوم، فهناك خصوم أكبر وأهم يسبقون هؤلاء المجاهيل الآن، فهي أكذوبة من أكاذيب العسكر في قضايا التلفيق، وليس مستبعدا، حتى لو جاءوا بأشخاص تم تعذيبهم واعترفوا، فكم من أشخاص تمت إدانتهم بالاعتراف بالتعذيب.
أما عن برهامي، فقال: إن الأمن أخبره أن هناك مؤامرة من الإخوان لقتله، وعليه أن يختفي عدة أيام، وقد فعل، ثم طمأنوه فعاد، وأنهم أخبروه بالمؤامرة!! وقد يكون برهامي صادقا في إخبار الأمن له، لكن هل هناك فعلا مؤامرة عليه؟ إنها حيلة ولعبة يمارسها الأمن، فإذا كان العسكر قد مارسها مع عبد الناصر، بإيهامه أنه مطلوب للقتل، وأنهم يحمونه، أو ربما فعلت ذلك السلطة معه، من باب: عدم مطالبته باستحقاق وقوفه مع الانقلاب، وخاصة أن الانقلاب رماه رميا مهينا، وفي آخر دورة برلمانية رسب معظم مرشحي حزب النور بشكل مهين متعمد من الأجهزة الأمنية.
أما عن التأمل الحقيقي في الحادثتين، فلنتخيل أن هناك تنظيما له جناح مسلح عسكري، وله من يوجهه، لماذا في هذه الفترة يتم التفكير من تنظيم مسلح لقتل رجل لم يعد له صفة إفتائية، أو أي دور فعال أو فعلي في الواقع، فعلي جمعة واحد ضمن عشرات المشايخ الذين هم رجال السلطة وألسنتها، فلماذا علي جمعة تحديدا؟ الحقيقة لا نجد أي مبرر علمي أو منطقي أو دموي حتى، فكلمته: اضرب في المليان، قد قالها غيره كثيرون، وقال مثلها مفتي سابق وهو الدكتور نصر فريد واصل، حين قال عن الإخوان: خوارج، فلماذا لم يتم استهداف إلا علي جمعة؟!
ثم إذا كان هناك تنظيم مسلح يريد الانتقام، فكان الأولى التفكير في المفتي الحالي، فهو الذي يوقع على حالات إعدام كثيرة وتطبق، ونحن ضد استهداف أي مفتي أو أي أحد، وأن حساب هؤلاء يكون بالجهات القضائية المنصفة، لا الأفراد أيا كان دافعهم، لكني هنا أناقش فرية وكذبة كبرى يريد أن يعيشها علي جمعة وبرهامي، لماذا لم يتجه التفكير إلى شيخ الأزهر وقد شارك في الثالث من يوليو رسميا، لو كانت المسألة الموقف من الانقلاب.
وعلى نفس الأمر، لو كان برهامي مستهدفا لموقفه من الانقلاب على الإخوان، فلماذا لم تستهدف جلال مرة وهو الذي شارك في الثالث من يوليو أيضا، ولم يستهدف رئيس المجلس الأعلى الصوفي، ولا المجلس الأعلى للقضاء، لو كانت المسألة مسألة الانقلاب على الشرعية هي الدافع لذلك، ولو كان الدافع فض رابعة، أو الاعتصامات، والإعدامات، فلماذا لم يتم استهداف المفتي الرسمي، أو قيادات حزب النور السياسية التي شاركت في العملية السياسية بعد الانقلاب؟!
هي كلها أسئلة المقصود منها نفي هذه الفرية التي يقتات عليها علي جمعة وياسر برهامي، إذ لو كان للإخوان تنظيم عسكري يصفي الخصوم، فهناك خصوم أكبر وأهم يسبقون هؤلاء المجاهيل الآن، فهي أكذوبة من أكاذيب العسكر في قضايا التلفيق، وليس مستبعدا، حتى لو جاءوا بأشخاص تم تعذيبهم واعترفوا، فكم من أشخاص تمت إدانتهم بالاعتراف بالتعذيب.
عندنا مثال الفنانة المصرية التي تزوجت قطريا، وقتل زوجها، واتهموها بالجريمة وعذبوها حتى اعترفت، ثم حكموا عليها بالسجن، وبعد سنوات اكتشفوا القاتل، وعندنا شباب أعدموا بالفعل في قضية عرب شركس، وبعد إعدامهم تمت تبرئتهم في مرحلة النقض، وليس تخفيض الأحكام، بل برأتهم المحكمة، أو برأت معظمهم.
Essamt74@hotmail.com