جاب الله: وظيفة الإسلاميين التمكين للدين والدفاع عن الأمة

يواصل الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في هذه السلسلة من المقالات الفكرية، التي كتبها للنشر المتزامن بين "عربي21" وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رصد ما يسميه بعوامل الضعف الذي أصاب حياة المسلمين الدعوية والسياسية، وهي آراء تمزج بين الوصف والمراجعة، بالنظر إلى التجربة التي خاضها الشيخ عبد الله جاب الله كداعية وناشط سياسي في الجزائر.

غلبة لغة الحقوق والمصالح الشخصية على لغة العطاء والتعاون على أداء الواجب على معظم القيادات والمناضلين في الأحزاب المختلفة

إنّ من أخطر ما انتشر بين كثير من أبناء التيّار الإسلاميّ من المعوقات، وكان سببا في الكثير مما حلّ بهم من وهن وضعف وفتن وتنازع وتمزق وانقسام وفشل وسوء سمعة لدى معظم أبناء الأمة، هو شيوع منطق الأخذ والاستفادة والانتصار للمصالح الشخصية وتقديمها على المصالح العامة، تحت فهم خاطئ للعمل السياسي الذي تصوروه أداة لتحقيق المصالح وجلب المنافع ودفع المضار، دون النظر إلى أنواعها وضوابطها، وأن على المناضل عبر هذا الخيار عندهم هو الاجتهاد في الاستفادة، مما قد يتوفر له من فرص الترشح للمجالس المنتخبة، أو ما قد يعرض عليه من المشاركة في الحكم، لتحسين مركزه السياسي ووضعه الاقتصادي والاجتماعي، فأضحى همّ معظم أبناء هذا التيار خدمة مصالحهم، فإذا ترشحوا للعضوية في مؤسسات الحزب أو المجالس المنتخبة، استباحوا لأنفسهم استعمال كل الوسائل والطرق للفوز، بغض النظر عن أحكام الشرع والتوجيهات الترشيدية القائمة على مرجعية التيار وادبياته المعروفة، وإذا ذُكّروا بالشروط التي ينبغي أن تتوفر والآليات التي ينبغي أن تعتمد والأخلاق التي ينبغي أن يتقيدوا بها، تصرفوا وكأنهم لم يسمعوا شيئا، وطبقوا ما ظنوه محققا لمصالحهم؟!

لقد تضخمت الأنا في نفوس أصحاب الفهم الخاطئ لمعنى العمل السياسي من هذا التيار حتّى ملك عليهم كل تفكيرهم، وبات معظم الأفراد في حالة بطالة لا يقومون بأي عمل ولا يلتزمون بأي توجيه، ولا ينفذون أي تكليف خارج المواسم الانتخابية.

فإذا حلّت المواسم الانتخابية، واصل كل من له طمع في الترشح في مراتب النجاح العمل والتضحية، وأكثر من الاتصال بالأفراد ليس مبشرا ببرنامج الحزب ومقنعا به وداعيا لدعمه، إنما معرفا بنفسه وطالبا دعمه والتصويت عليه.

وقد يقدم بعضهم وعودا سرعان ما يتنكرون لها بعد أن يحققوا مرادهم ويفوزوا في الانتخابات!!
 
فإذا لم يكونوا من أصحاب الحظوة في الترشح، أحجم بعضهم عن العطاء والتضحية، وسحب بعضهم ملف ترشحه والملفات التي يكون قد أحضرها وسعى في إلحاق الأذى بحزبه، وحمل بعضهم ملفه وبحث عن تزكية أي حزب آخر له، وإن كان من الأحزاب العلمانية الموغلة في محاربة الإسلام ودعاته؟!

لقد تضخمت الأنا في نفوس أصحاب الفهم الخاطئ لمعنى العمل السياسي من هذا التيار، حتّى ملك عليهم كل تفكيرهم، وبات معظم الأفراد في حالة بطالة لا يقومون بأي عمل، ولا يلتزمون بأي توجيه ولا ينفذون أي تكليف خارج المواسم الانتخابية.

إنّ الانتماء إلى هذا التيار والعمل السياسي في إطاره بهذا الفهم الخاطئ للسياسة المنفلتة من القيود والضوابط والسياقات الشرعية، أضحى يعني ـ بكلمة مختصرة ـ منحصرا في الاهتمام بالنفس والسعي في تحقيق المصالح وتوجيه الجهود للأخذ والاستفادة، وقد انجر عن هذا الفهم الخاطئ داخل التيار لمعنى العمل السياسي والانتماء للحزب، سلسلة من المفاهيم الخاطئة مثل:

قصر العمل السياسي على علاقة الحزب بالسلطة والأحزاب، وإعلان المواقف، مما يصدر عنها من سياسات أو قرارات أو تصريحات، وإذكاء روح التنافس بكل الوسائل حول تحقيق المنافع الحزبية والسلطوية، وضمان النجاح في كسب رضا أصحاب القرار، ودعوة الناس للوقوف بجانب حزبهم في الحق والباطل، ونصرة مواقفه وكسب ثقة زعيمه بكل الوسائل!؟

وإشاعة الاعتقاد بأن السياسة لا تعرف الأخلاق؟! وأن الموجه الوحيد للمواقف والعلاقات هي المصالح!! 

وما دامت المصالح مرتبطة بإرادة السلطة، فلا مناص من السعي في كسب رضاها والنـزول عند إرادتها!! وأن المجدي للنجاح ومن ثمة الواجب، هو أن ينحصر عمل الحزب في هذه الدائرة!؟

لا سبيل للنجاة من هذه الأمراض إلا بتبني الفهم الصحيح للعمل السياسي، واليقين بأنه مصالح يحميها ويحكمها الحق والعدل، والقناعة بأنّ وظيفة أبناء التيار الإسلاميّ على الجملة هي تعلم دينهم، والالتزام به وضبط جميع أقوالهم وأفعالهم بأحكامه، والتضحية من أجل تبليغه والدفاع عنه، وتوفير أسباب التمكين له، ثم الاهتمام بالدفاع عن حقوق الأمة.

لقد شاع النظر إلى العمل السياسي على أنّه بمنزلة شركة ذات أسهم موزعة على القائمين على إدارة الحزب، فتحوّل العمل السياسي إلى مجرد أداة من أدوات الحصول على شهوات الدنيا ولذائذها، من مال ومنصب وجاه وشهرة وثناء، ووضع العراقيل أمام من يقف عقبة في طريق تحقيق تلك المنافع، واستباحة كل وسيلة تسمح بالتغلب عليهم، ومنها الكذب والغيبة وشهادة الزور والرشوة والمحسوبية والاستقواء برجال السلطة، والعزوف عن البحث وطلب العلم والتثقف؛ لأنه في نظرهم يعيقهم عن تحقيق مصالحهم.

لقد سيطرت الرؤية التي تجعل السياسة مصالح تفرضها وتحميها وتحكمها القوة! فضعف فهم الإسلام وساء، واضطربت مفاهيم القوة وحدود المصلحة وضوابطهما، ونوعية الوسائل المطلوبة والعلاقة بينها وبين الغايات، وماع مفهوم الولاء والنصرة والحب في الله والبغض في الله، ومفهوم الثابت والمتغير في أهداف السير وقواعده، وفي المواقف والعلاقات، واختلط التكتيك بالإستراتيجية والوسيلة بالمنهج، وغلبت عقلية المنافع المادية الشخصية أو الحزبية أو الفئوية على منطق المبادئ والقيم، وتقدمت المصالح الخاصة على العامة والجزئية على الكلية والظنية على اليقينية، وغلبت فكرة الإصلاح الجزئي على الإصلاح الشامل، إلى غير ذلك من الأمراض التي انجرت على الفهم الخاطئ لمعنى العمل السياسي والانتماء الحزبي.

ولا سبيل للنجاة من هذه الأمراض إلا بتبني الفهم الصحيح للعمل السياسي، واليقين بأنه مصالح يحميها ويحكمها الحق والعدل، والقناعة بأنّ وظيفة أبناء التيار الإسلاميّ على الجملة هي تعلم دينهم والالتزام به، وضبط جميع أقوالهم وأفعالهم بأحكامه، والتضحية من أجل تبليغه والدفاع عنه وتوفير أسباب التمكين له، ثم الاهتمام بالدفاع عن حقوق الأمة والسعي في رفع الظلم الواقع عليها.