نصرت فضة وحنا ناصر.. عالمان رسخا الهوية الفلسطينية

ساهم المئات من العلماء الفلسطينيين في الكفاح الوطني الفلسطيني، جنباً إلى جنب مع المناضلين الفلسطينيين بكافة المجالات، عبر المقاومة المباشرة للمحتل الصهيوني ومن خلال نتاجات مختلفة تشكل بمجملها إحدى ركائز الهوية الوطنية الفلسطينية المتجذرة رغم سياسات المحتل الصهيوني لتغييبها، بهدف تعميم الروايات الصهيونية الزائفة حول احتلال فلسطين وطرد شعبها، وفي هذا السياق نستحضر سيرة أيقونتين من العلماء الفلسطينيين، هما العالم الراحل نصرت رشيد فضة رحمه الله وطيب ثراه والعالم حنا ناصر أمد الله بعمره ورعاه.   

نصرت رشيد فضة
 
رغم أهمية العالم الفلسطيني نصرت رشيد فضة وسيرته المفعمة بالعلم والمعرفة والإنجازات، لم ينصفه الإعلاميون والباحثون الفلسطينيون والعرب في التطرق إلى هذه القامة الوطنية الفلسطينية. 

ولد العالم نصرت فضة في مدينته عكا 1923؛ وهجر وعائلته عنها إلى لبنان إثر نكبة عام 1948؛ وتوزعت عائلته الكبيرة في مناطق اللجوء المختلفة؛ وتوفي في ألمانيا يوم الخميس الخامس من آب/ أغسطس من عام 2022.

عمل قبل عام 1948 كمدير عام المشروع الإنشائي ـ أريحا ـ فلسطين، والهدف يكمن في تثبيت الفلسطينيين في وطنهم عبر تنشيط الزراعة. ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العالمية للأبحاث الزراعية في المناطق الجافة إيكاردا قرب مدينة حلب شمال سوريا، كما أنه عمل كمدير عام لصندوق التنمية الكويتي.

                                    نصرت فضة

وشغل منصب مدير الأبحاث الزراعية في السودان، إثيوبيا، زامبيا وعموم إفريقيا، وقد عمل الكثير من المبادرات الكبيرة في دعم مجال التعليم الجامعي للطلاب الفلسطينيين في لبنان عبر صندوق الطلبة الفلسطيني وساعد عشرات الطلاب الفلسطينيين في لبنان بشكل مباشر، بغرض استكمال تحصيلهم الجامعي؛ وهو بذلك يعي بشكل لا لبس فيه أهمية العلم والمعرفة في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن مساهماته في المجال الاجتماعي خلال كافة الأزمات التي واجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وساهم إلى حد كبير في إنشاء مقبرة مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت. 

حصل على درجة البكالوريوس في البيولوجيا من الجامعة الأمريكية في بيروت، ودرس المحاماة بداية في لندن وعمل في الإذاعة البريطانية لفترة لسداد بعض الديون بسبب آثار النكبة، وعاد ليستكمل في هندسة الزراعة (المناطق الجافة) من جامعات لندن. 

وكان صديق رجل الأعمال الفلسطيني سعيد خوري والشاعر كمال ناصر في الجامعة الأمريكية في بيروت. وكان له دور جوهري وبارز في إرسال مساعدات لعائلات فلسطينية إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كما أنه كان مساهما في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من سوريا إلى لبنان بعد عام 2012. 

رحم الله العالم نصرت رشيد فضة وأسكنه الجنة، وسيبقى منارة وأيقونة علمية فلسطينية رسخت الهوية الوطنية الفلسطينية.

حنا ناصر 

ولد العالم حنا موسى ناصر في مدينة يافا أرض البرتقال الحزين عام 1935، ورغم أنه يعد من أهم علماء الفيزياء النووية إلا أنه عرف في السنوات الأخيرة من خلال دوره في الإشراف على الانتخابات الفلسطينية بأنواعها وتطوير جامعة بيرزيت. 

درس ناصر في كلية بيرزيت وحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في علم الفيزياء من الجامعة الأمريكية في بيروت. ولاحقا، حصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية عام 1967 من "جامعة بيردو" في الولايات المتحدة الأمريكية. 

وفي عام 1972، ترأس ناصر فريقا ضم كلا من جابي برامكي ورمزي ريحان لتطوير "كلية بيرزيت" إلى جامعة، ليصبح فيما بعد أول رئيس للجامعة حتى تقاعده عام 2004.

                                  حنا ناصر

أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1974، إلى لبنان دون توجيه أي تهم له، رغم ما أعلن عن قيامه بعملية تحريض ضد الاحتلال. وخلال فترة المنفى، بقي رئيسا لجامعة بيرزيت وتولى إدارة مهامه من مكتب في الأردن أُنشئ بشكل خاص لهذا الغرض وكانت الإدارة تذهب لزيارته بانتظام في عمان لبحث القرارات الكبرى.

عمل ناصر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين عامي 1981 و1984 وشغل منصب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني بين عامي 1982 و1984.

وفي الفترة ما بين عامي 1977 و1984، انتخب ناصر عضوا مستقلا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1993 وفي أعقاب "اتفاقيات أوسلو"، سمح له بالعودة إلى فلسطين مع غيره من المبعدين. وكلفه الرئيس الفلسطيني الراحل عام 2002، برئاسة لجنة الانتخابات الفلسطينية؛ وهي هيئة مستقلة تأسست من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، وقام بالإشراف على انتخابات الرئاسة الفلسطينية عام 2005، وانتخابات المجلس التشريعي عام 2006، إلى جانب الانتخابات المحلية في عامي 2012 و2017. أمدّ الله في عمر العالم حنا ناصر ورعاه، وهو أيقونة فلسطينية لخدمة قضية عادلة.

ويبقى القول بأن هناك المئات من العلماء الفلسطينيين ساهموا إلى حد كبير في سيرورة وصيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية العصية على الطمس والتغييب والذوبان، ولهذا أرى أن الهوية ليست بخطر مع استمرار نتاجات الشعب الفلسطيني وتطورها، وفي المقدمة منها العلم والمعرفة.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا