قضايا وآراء

هل يتم إحياء فكرة الناتو العربي؟

غازي دحمان
"التأكيد أن العرب موافقين على ما تقوم به إسرائيل، ومن ثم لا يحق للأمريكيين ولا الإسرائيليين أن يكونوا ملكيين أكثر من العرب"- جيتي
"التأكيد أن العرب موافقين على ما تقوم به إسرائيل، ومن ثم لا يحق للأمريكيين ولا الإسرائيليين أن يكونوا ملكيين أكثر من العرب"- جيتي
في سياق المخاض الذي تعيشه المنطقة، في ظل الحرب على غزة واحتمالات توسعها إلى لبنان، تتسلّل من الكواليس أنباء عن محاولات لإحياء فكرة "ناتو عربي"، سبق أن طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجرى دفنها في المهد، حينما بدت أنها فكرة خبيثة المراد منها اللعب على خريطة الصراعات في منطقتنا ودمج إسرائيل بوصفها فاعلا طبيعيا ورشيدا، ووضع الملف الفلسطيني في طي النسيان، وفي أحسن الأحوال تحويله إلى قضية إسرائيلية داخلية.

في هذا السياق، نشر موقع أكسيوس الأمريكي، القريب من مصادر استخبارات إسرائيلية وأمريكية، خبرا عن اجتماع في المنامة ضم مسؤولين عسكريين من خمس دول عربية بنظرائهم الإسرائيليين برعاية أمريكية، للتباحث بشأن التنسيق بين هذه الأطراف لمواجهة التطورات والتداعيات التي قد ترتبها الحرب في غزة على مسارات المنطقة، والتوصل إلى تفاهمات جامعة لمواجهة ما يطرأ من تطورات، فيما يبدو أنه بعث لفكرة "ناتو إقليمي"، بوصفها الإطار الذي يمكن أن يجمع هذه الأطراف المختلفة.

 ربما يبدو الأمر محاولة من الأمريكيين والإسرائيليين لبعث رسائل معينة للداخلين الإسرائيلي والأمريكي بوجود تأييد للحرب الإسرائيلية في غزة، في سياق طمأنتهما بأن الأمور تسير على ما يرام، أو تخفيض حدة الرفض لاستمرار هذه الحرب ومخاطر تداعياتها المستقبلية، وقد يكون الهدف محاولة لترميم صورة الولايات المتحدة الامريكية التي حطمتها الحرب، بتأييدها المطلق لحكومة نتنياهو التي ارتكبت جرائم حرب غير مسبوقة.

ماذا ستكون مهمة هذا التجمع، إذا كان اجتماع المنامة قد توصل لمخرجات معينة؟ وهل في الأصل تم التوصل خلال الاجتماع إلى تفاهمات حول قضايا محدّدة؟ ربما يبدو الأمر محاولة من الأمريكيين والإسرائيليين لبعث رسائل معينة للداخلين الإسرائيلي والأمريكي بوجود تأييد للحرب الإسرائيلية في غزة، في سياق طمأنتهما بأن الأمور تسير على ما يرام، أو تخفيض حدة الرفض لاستمرار هذه الحرب ومخاطر تداعياتها المستقبلية، وقد يكون الهدف محاولة لترميم صورة الولايات المتحدة الامريكية التي حطمتها الحرب، بتأييدها المطلق لحكومة نتنياهو التي ارتكبت جرائم حرب غير مسبوقة، إذ تستفيد واشنطن من نشر مثل هذه الأخبار من التأكيد أن العرب موافقين على ما تقوم به إسرائيل، ومن ثم لا يحق للأمريكيين ولا الإسرائيليين أن يكونوا ملكيين أكثر من العرب.

من المؤكد أن واشنطن وتل أبيب تبحثان عن مخرج للحرب في غزة، عبر ترتيبات تجريانها مع دول المنطقة، وليس سرا أنه يتم طرح فكرة مشاركة جيوش عربية في إدارة الأوضاع في غزة في مرحلة ما بعد نهاية الحرب، الفكرة لم تلق قبولا عربيا على جميع المستويات، وكان الرأي السائد أن الهدف من ذلك توريط العرب في مواجهة مع حماس، التي لن تقبل خطة إلغائها من خريطة القوى الفلسطينية الفاعلة في المرحلة المقبلة، وهي لم تستسلم حتى تقرّر إسرائيل مصيرها، وما زالت تقاوم إسرائيل تحت الأرض وفوقها.

هذه الفكرة أصبحت من الماضي، ومن الصعب تصوّر أن العرب قد تمر عليهم الخدع الأمريكية والإسرائيلية ببساطة، حتى وإن كان هناك ميل لدى العديد من الأطراف العربية للتطبيع مع إسرائيل، ورغم كل ما حصل، لا يوجد ما يوحي بأن الأطراف المطبعة قد تذهب إلى إلغاء التطبيع أو تجميده،
من المؤكد، أن العديد من الدول العربية تتمنى لو أن الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين تتلقى هزيمة ساحقة، وتبتعد نهائيا عن مضمار السياسة، خاصة أنها في التقديرات العربية الخصم الأساسي للأنظمة الرسمية ومصدر التهديد الأكثر خطورة والبديل المحتمل لتولي السلطة، وهذا الأمر ينطبق على الموقف من حماس وغيرها من الفصائل الإسلامية، لكن بالمقابل، فإن الخطط الأمريكية والإسرائيلية تذهب بعيدا إلى حد الطلب من هذه الدول التشمير عن سواعدها.
لكن هذه مسألة تحسبها بعض الأطراف العربية في سياق مساعيها لتشكيل نظام إقليمي جديد يؤمّن الاستقرار للمنطقة؛ بما يضمن نجاح مشاريعها الاقتصادية وتعزيز استقرار أنظمتها في مواجهة ديناميكيات صاعدة في المنطقة، قد تؤثر بالفعل على مخططاتها وحساباتها السياسية والأمنية.

ولم تعد الفكرة لتشكيل تحالف عسكري في المنطقة لمواجهة إيران، إذ عدا عن أن الدول العربية تحاول تفكيك حالة العداء مع طهران وإقامة علاقات طبيعية، وخاصة بعد الاتفاق السعودي- الإيراني؛ فإن الثقة العربية بالأمريكيين تراجعت إلى حد بعيد، بالإضافة إلى التوجهات السياسية الجديدة لدى العديد من الدول العربية التي تركز بالدرجة الأولى على إدارة الأوضاع الداخلية، والتطلع إلى تحقيق أدوار إقليمية، من خلال توسيع بيكار علاقاتها الخارجية وزيادة مساحات تأثيرها؛ عبر استثمار ما تملكه من رؤوس أموال يحتاجها الاقتصاد العالمي في هذه المرحلة.

ربما، بل من المؤكد، أن العديد من الدول العربية تتمنى لو أن الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين تتلقى هزيمة ساحقة، وتبتعد نهائيا عن مضمار السياسة، خاصة أنها في التقديرات العربية الخصم الأساسي للأنظمة الرسمية ومصدر التهديد الأكثر خطورة والبديل المحتمل لتولي السلطة، وهذا الأمر ينطبق على الموقف من حماس وغيرها من الفصائل الإسلامية، لكن بالمقابل، فإن الخطط الأمريكية والإسرائيلية تذهب بعيدا إلى حد الطلب من هذه الدول التشمير عن سواعدها والانخراط في الحرب الإسلاميين في فلسطين، وهو أمر ترى فيه الأنظمة العربية بمنزلة خطر لما سيولده من ديناميكيات، قد تؤدي بالفعل إلى هز الاستقرار في المنطقة، لذا لا ناتو ولا غيره من الأطر الشبيهة في المرحلة المقبلة.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)