كتب

محددات الموقف القطري من معركة طوفان الأقصى.. دراسة جديدة

لعب الإعلام القطري دورًا محوريًا مؤثرًا خلال المعركة، ونجح في نقل التفاصيل الميدانية وتغطية الحراك السياسي والشعبي داخل فلسطين وخارجها..
لعب الإعلام القطري دورًا محوريًا مؤثرًا خلال المعركة، ونجح في نقل التفاصيل الميدانية وتغطية الحراك السياسي والشعبي داخل فلسطين وخارجها..
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت مؤخرا الجزء الحادي عشر من سلسلة "إضاءات سياسية"  بعنوان "محددات الموقف القطري من معركة  طوفان الأقصى"، وهو من إعداد الأستاذ عاطف الجولاني.

ويلقي عاطف الجولاني، وهو كاتب وإعلامي فلسطيني - في هذا الجزء من "إضاءات سياسية" هي سلسلة دورية مختصة بتقديم تحليلات وتقديرات ومواقف سياسية مختصرة ومكثفة - الأضواء على الموقف القطري من معركة طوفان الأقصى، ليس فقط لجهة جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، وإنما في التعاطي مع الملف برمته والإسهام في صياغته وتقديمه للعالم.

أظهرت النجاحات القطرية المتعددة في مجال الوساطات السياسية أهمية استراتيجيتها التي تقوم على بناء علاقات طويلة الأمد مع مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة في العالم، حيث وفّرت لها أوراق قوة مهمة نجحت في استثمارها للقيام بوساطات ناجحة في العديد من الملفات المهمة.
برزت قطر كفاعل رئيس في مجريات معركة طوفان الأقصى، ونجحت في تكريس دورها وحضورها السياسي كأبرز وسيط في أزمات المنطقة وصراعاتها. ومع أن عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كان يمكن أن تشكّل تحدّيًا مهمًا لقطر بحكم استضافتها للجزء الأكبر من قيادة حركة حماس، إلا أنها نجحت في تحويل التحدي إلى فرصة وعامل قوة يسهم في تعزيز فاعلية قطر وحضورها السياسي على المستوى الإقليمي والدولي.

أولًا ـ محددات الموقف القطري

تأثر الموقف القطري من معركة طوفان الأقصى بمجموعة محددات من أبرزها:

1 ـ ارتباط قطر القوي بالقضية الفلسطينية، ودعمها المتواصل للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفضلًا عن الدعم المهم الذي أسهمت به في ميزانية السلطة الفلسطينية، شكّلت المنحة القطرية التي استمرت منذ سنة 2018 أحد المصادر المالية المهمة لتعزيز صمود سكان قطاع غزة في مواجهة الحصار الخانق المفروض عليهم منذ سنة 2007.

2 ـ السياسة القطرية المبادرة، والرغبة المتواصلة بتعزيز الحضور والتأثير السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، عبر اعتماد استراتيجية لعب دور الوسيط في الصراعات الإقليمية والدولية. وهو ما نجحت به خلال السنوات الماضية وجعلها وسيطًا موثوقًأ ومفضّلًا لدى الولايات المتحدة، كما حصل خلال السنوات الماضية في الوساطة بين الولايات المتحدة وكل من حركة طالبان وإيران وفنزويلا. وتأتي جهودها الأخيرة في الوساطة بين حركات المقاومة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي لتتوّج مسارًا طويلًا حافلًا بالنجاحات الدبلوماسية.

3 ـ انفتاح قطر على مختلف الأطراف الفلسطينية الفاعلة وإدارتها علاقات إيجابية ومتوازنة، واحتضانها للمكتب السياسي لحركة حماس منذ سنة 2012، وهو ما أسهم في بناء علاقات قوية مع الحركة كان لها دور مهم في تعزيز دور قطر وتأثيرها في الملف الفلسطيني، وعززت حضورها كوسيط مفضل أيضًا لدى حماس التي أبدت ارتياحًا معلنًا لجهود قطر في دعم الشعب الفلسطيني وفي إدارة وساطات بناءة ومحايدة في العديد من المحطات المهمة.

4 ـ علاقات قطر الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أتاحت لها لعب أدوار مهمة في القضية الفلسطينية واستضافة قيادة حماس ضمن تفاهمات قطرية أمريكية. وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن سنة 2022 قطر حليفًا رئيسيًا من خارج حلف شمال الأطلسي.

5 ـ امتلاك قطر للعديد من عناصر وأدوات التأثير والقوة الناعمة في المجالات الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية، ونجاحها في توظيف قوتها الناعمة بصورة كفؤة أسهمت في تحقيق العديد من الإنجازات السياسية.

ثانيًا ـ ملامح الموقف القطري من معركة طوفان الأقصى

على الرغم من أن قطر فوجئت كغيرها من الأطراف السياسية بعملية السابع من أكتوبر، إلا أنها نجحت بالخروج سريعًا من حالة المفاجأة وتكيّفت بصورة إيجابية مع المتغيّرات المستجدة.

ومن أبرز الملامح في إدارة قطر لموقفها من معركة طوفان الأقصى:

1 ـ أدانت قطر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحمّلت السياسات الإسرائيلية مسؤولية التصعيد وتهديد الاستقرار في المنطقة، وشجبت المجازر وجرائم الإبادة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.

2 ـ واصلت قطر طوال معركة طوفان الأقصى توجيه الدعوات لوقف إطلاق النار وإنهاء التصعيد واستعادة الهدوء في المنطقة، وشاركت بصورة نشطة في الحراك السياسي والدبلوماسي لوقف العدوان على القطاع، ولعبت دورًا فاعلًا في القمة العربية والإسلامية التي انعقدت في الرياض في 11/11/2023 وسعت لاتخاذ إجراءات عملية مؤثرة لوقف الجرائم الإسرائيلية. وقال أمير قطر في خطابه أمام القمة إن "جريمة الحرب المتواصلة في غزة تستدعي من دولنا الإسلامية اتخاذ موقف حازم وخطوات رادعة بما يتناسب مع ثقل ووزن دولنا وينسجم مع موقف شعوبنا ومشاعرها مما يجري".

3 ـ واجهت قطر، بهدوء وصلابة، الحملات السياسية والإعلامية التي سعت للتحرض ضدها وحاولت تحميلها مسؤولية عن تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر على خلفية استضافتها لقيادة حركة حماس والدعم المالي الذي تقدمه لسكان قطاع غزة. وهو ما دفع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 13/10/2023 للتأكيد أن "التزام دولة قطر بدورها كشريك في صناعة السلام ووسيط في فض النزاعات لا يجب أن يتم استغلاله للإساءة لسمعتها عبر كيل الاتهامات والتي أثبتت التجارب زيفها وسوء نية المتاجرين بها". كما أكد توضيح صدر عن وزارة الخارجية القطرية في 9/10/2023 أن "قطر ليست داعماً مالياً لحماس، إنها تقدّم المساعدات إلى غزة، ووجهة المال واضحة تماماً". وأضاف أن "المساعدات القطرية منسّقة تماماً مع إسرائيل ومع الأمم المتّحدة والولايات المتحدة".

4 ـ وكان الدور الرسمي الأبرز الذي لعبته قطر خلال الأزمة، جهودها الدبلوماسية النشطة وقيادتها لجهود الوساطة لوقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاقات لتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، بإشراف ورعاية أمريكية مباشرة.

يُرجّح أن تواصل قطر خلال الفترة القادمة استراتيجيتها وجهودها النشطة في الوساطة من أجل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم ما يعترض ذلك من عقبات ناتجة عن تعنّت نتنياهو وإصراره على مواصلة عدوانه.
5 ـ لعب الإعلام القطري دورًا محوريًا مؤثرًا خلال المعركة، ونجح في نقل التفاصيل الميدانية وتغطية الحراك السياسي والشعبي داخل فلسطين وخارجها، ومثّل علامة فارقة في الأداء الإعلامي المتابع لتطورات المعركة، وهو ما دفع حكومة الاحتلال لإصدار قرار بالإجماع في 5/5/2024 يحظر عمل قناة الجزيرة في الأراضي المحتلة ويصادر معداتها التلفزيونية بتهمة التحريض والإضرار بأمن البلاد.

ثالثًا ـ التوقعات

أظهرت النجاحات القطرية المتعددة في مجال الوساطات السياسية أهمية استراتيجيتها التي تقوم على بناء علاقات طويلة الأمد مع مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة في العالم، حيث وفّرت لها أوراق قوة مهمة نجحت في استثمارها للقيام بوساطات ناجحة في العديد من الملفات المهمة. ويُرجّح أن تواصل قطر خلال الفترة القادمة استراتيجيتها وجهودها النشطة في الوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم ما يعترض ذلك من عقبات ناتجة عن تعنّت نتنياهو وإصراره على مواصلة عدوانه.

ومن غير الواضح حتى اللحظة مدى تأثر جهود الوساطة القطرية بأي انفجار محتمل للأوضاع الإقليمية في حال تصاعدت المواجهة بين الكيان الصهيوني وكل من إيران وحزب الله على خلفية الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والمسؤول العسكري في حزب الله فؤاد شكر. كما يكتنف الغموض حجم التأثير المحتمل لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم على دبلوماسية قطر ووساطتها وأدوارها النشطة في الملف الفلسطيني.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل