كتب

قصة الحركة الإسلامية في جنوب اليمن.. قراءة في كتاب

هذا الكتاب لا يحاكم أحدا لا النظام الحاكم ولا ظروف تلك المرحلة، إنما يحاول أن يجلي غبار التجاهل أو الافتراءات ضد الحركة الإسلامية بجنوب البلاد في تلك الفترة التاريخية.
هذا الكتاب لا يحاكم أحدا لا النظام الحاكم ولا ظروف تلك المرحلة، إنما يحاول أن يجلي غبار التجاهل أو الافتراءات ضد الحركة الإسلامية بجنوب البلاد في تلك الفترة التاريخية.
الكتاب: المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي في جنوب اليمن
المؤلف: سعيد ثابت
الناشر: دار الأسرة ـ 2024


هذا هو الكتاب الثاني من سلسلة ثلاثية نشأة وتأسيس الحركة الإسلامية اليمنية في فترة الدولة الشطرية، وميدانه جنوب اليمن، وساحته عدن؛ باعتبارها كانت مركز المستعمر البريطانية ثم كانت عاصمة الدولة الشطرية. وعدن هي المدينة الأكثر تطورا وازدهارا ورقيّا في الجزيرة والخليج، خلال الفترة الزمنية الممتدة من أربعينيات حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، وفيها انتعشت حركة التجارة جراء أنشطة الميناء البحري والجوي، وازدهرت النوادي الأدبية والثقافية والرياضة، وافتتحت المدارس والكليات للبنين والبنات، وشهدت صدور العشرات من الصحف والمجلات والمطبوعات، ونهضت النقابات العمالية مع إنشاء مصافي تكرير النفط، ومن رحم الحركة النقابية ونضالاتها، وعرفت عدن عشرات الأحزاب السياسية ذات الاتجاهات المختلفة.

كانت عدن جوهرة المنطقة، وزهرة الجزيرة المتفتحة دوما، احتضنت معارضين وثوارا من مختلف مناطق اليمن، ومرّ عليها عدد من المصلحين والزعماء في الوطن العربي، واتسمت بطبيعة بيئتها المنفتحة على البحر، فاستقبلت جنسيات وأعراقا وأديانا، وتعايش الجميع بسلام وتسامح. ولموقعها الاستراتيجي فقد دفعت أثمانا باهظة طوال تاريخها من عمرانها وأبنائها، وتعرضت لمحاولات مستمرة لمحو هويتها العربية الإسلامية من قوى الاستعمار الغربي.

هذا الكتاب يشتمل على مدخل تمهيدي وأربعة فصول، ففي المدخل نرى عدن وهي تحتضن طوال تاريخها حركات التحرر والاستقلال، وتلازم الحركتين النقابية والحزبية فيها ضمن علاقة تبادلية بينهما، ومقدمات الثورة وتكويناتها السياسية، ودور القوى الإقليمية والدولية بأذرعها المخابراتية لتشكيل جبهات مسلحة؛ بهدف توجيه المسار واقتناص الفرص التي تمنح تلك القوى هيمنة ونفوذا في مرحلة ما بعد الاستقلال، ووسط هذا الخضم من القوى والجبهات، نتطرق إلى بواكير اتصال الإخوان المسلمين بعدن من خلال المدرسين العرب.

ويخصص الفصل الأول صفحاته للتعليم وموقعه في خارطة اهتمام علماء المسلمين ودعاته وأبناء الحركة الإصلاحية اليمنية، وتصارع ثلاثة تيارات فكرية مختلفة ظهرت للاستحواذ على الأجيال، في ظل هيمنة الاحتلال البريطاني، وتشجيعه للتيار التغريبي ذي الارتباط العضوي بمصالحه وتوجهاته، ويتناول علاقات هذه التيارات اتفاقا وافتراقا، وتفاعلاتها مع محيطها الاجتماعي، ويناقش الدور المهم الذي قام به التيار الوطني التحرري، ومركزية علماء الدين ورعايته وتعهده.

ونتناول في هذا الفصل أيضا الحملات الصحفية التي شنها عدد من قيادات الماركسيين ضد عدد من علماء الإسلام ،على رأسهم الشيخ محمد سالم البيحاني الذي كان يماثل الزبيري شمالا في جماهيريته وحضوره وتأثيره ونقائه، وذلك على خلفية إنشاء المعهد العلمي الإسلامي في عدن، وما سببه من قلق وانزعاج للماركسيين، الذين يحسبون كل عمل عليهم، ويستهدف وجودهم ما دام لا يخرج من غير حاويتهم الحزبية، ويعتقدون أن منح شهادات الوطنية والتقدمية والثورية، حق حصري لهم يمنحونه لمن يريدون ويمنعونه عمن لا يريدون! وتتطرق إلى الحاجة المجتمعية يومئذ إلى وجود المعهد العلمي الإسلامي الذي كان مشروع الشيخ البيحاني في المقام الأول، وإخوانه العلماء في جنوب اليمن، إبان خضوعه للاحتلال البريطاني وارتهانه للثقافة الاستعمارية، التي تكرس الاستلاب والتبعية للمستعمر وقيمه وأنماط معيشته. 

يخصص الفصل الأول صفحاته للتعليم وموقعه في خارطة اهتمام علماء المسلمين ودعاته وأبناء الحركة الإصلاحية اليمنية، وتصارع ثلاثة تيارات فكرية مختلفة ظهرت للاستحواذ على الأجيال، في ظل هيمنة الاحتلال البريطاني، وتشجيعه للتيار التغريبي ذي الارتباط العضوي بمصالحه وتوجهاته، ويتناول علاقات هذه التيارات اتفاقا وافتراقا، وتفاعلاتها مع محيطها الاجتماعي، ويناقش الدور المهم الذي قام به التيار الوطني التحرري، ومركزية علماء الدين ورعايته وتعهده.
يتطرق الفصل الثاني إلى المركز الثقافي الاجتماعي واجهة حركة الإخوان المسلمين في عدن والظروف السياسية التي سبقت عملية التأسيس، ودور أحد أبرز شباب حركة الطليعة العربية الإسلامية القادمين من القاهرة مع الأستاذ عمر سالم طرموم، العقل الحركي الإسلامي، في تأسيسه ووضع برامجه. ولأول مرة ننشر نص نظامه الأساسي الذي اعتمده المؤسسون، وتقدموا به إلى السلطات لمنحهم ترخيص مزاولة أنشطته، واستعرضنا شهادات بعض رواد المركز حول طبيعة المنهج التربوي والنشاط الاجتماعي. في هذا الفصل، بسطنا الحديث عن مسعى قيادة المركز لنشر أشرعة العمل الإسلامي تربية وتنظيما وحركة، ومجاهدات قيادة المركز في تكوين النواة التنظيمية الأولى، والموقف من العمل العسكري ضد الاحتلال.

يبحث الكتاب في الفصل الثالث في دولة الاستقلال، التي قامت بالتزامن مع انطلاق عمل ونشاط المركز الإسلامي، ومباركته بتحقيق الجلاء وقيام الدولة وتقديم مبادرة وطنية إسلامية للخروج من حالة التيه التي فرضها الاستعمار، بتعزيز الاستقلال والتحرر من التبعية بتكريس الهوية الوطنية العربية الإسلامية، وإنجاز مشروع وطني إسلامي للدولة الوليدة، يقوم على القطيعة التبعية والاستلاب الغربي والاستقلال عن أي ارتباطات أو استقطابات مع المعسكرين المتصارعين يومها الرأسمالي والشيوعي، بتعزيز الانتماء العروبي الإسلامي والانفتاح على المحيط الإقليمي، وتشجيع التعليم الإسلامي، ومحاربة مظاهر الانفلات الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي، ورغم تلك المبادرة، لكن قادة دولة الاستقلال، وكانوا في مقتبل العمر، تتحكم بهم نوازع متضاربة، وانبهارهم ببهرجة الشعارات الوافدة يومها كان موقفهم سلبيًا، وتجاهلوا الرد على المبادرة تلك، لتدخل البلاد في نفق المراهقة الأيدلوجية، ثم تبرز معطيات ومؤشرات في وسط التنظيم السياسي الحاكم في التحول إلى تبني الماركسية اللينينية؛ نهجا ودليلا للحكم، باعتماد استراتيجية التقويض من داخل التنظيم السياسي للجبهة القومية الحاكم، وهو ما أفضى إلى متوالية الصراعات داخل النخبة الحاكم، بدأت بعد أقل من أربعة أشهر من الاستقلال، ثم نتطرق إلى ملابسات تلك الصراعات الأولى، وموقف شباب المركز الإسلامي منها، ونستعرض بعض اللقاءات التي جرت بين قيادة الحركة الإسلامية شمالا وجنوبا في هذه الفترة، إذ سبق أن لجأ عدد من شباب الطليعة العربية الإسلامية مثل عبد المجيد الزنداني وعبد السلام خالد كرمان ومشرف عبد الكريم إلى عدن مطاردين، وعملوا لفترة في معاهدها الإسلامية، ثم تزامن الاستقلال في جنوب البلاد مع الانقلاب الأبيض في صنعاء بقيادة القاضي عبد الرحمن الإرياني، وهو ما منح الإسلاميين النازحين بالعودة إلى شمال البلاد ليستأنفوا نشاطهم، ويعززوا تواصلهم مع أشقائهم في جنوب البلاد، من خلال زيارات ميدانية لتبادل الخبرات والتعاون في تقوية الوجود الحركي الإسلامي.

يتطرق الفصل الرابع إلى نضال أبناء الحركة الإسلامية في نسخته التأسيسية العاملة، من خلال واجهة المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي في عدن، وصمودها في وجه محاولات الأقلية الماركسية الرامية لاجتثاث الحركة. ونبسط الحديث عن المقدمات التي سبقت تلك المحاولات بأنشطة المركز الجماهيرية، وعلاقة قياداته بعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية في الدولة الجديدة، المؤمن بنظرية التوفيق والاستيعاب للقوى الوطنية غير المنتمية للجبهة القومية، وهو ما أقلق الأقلية الماركسية المتربصة داخل التنظيم السياسي الحاكم، المؤمنة بإقصاء المخالفين ورفض تعدد الألوان داخل النسيج الحاكم، وفرض الرأي الواحد بالقوة، وافتعال معارك مع التيار الإسلامي والقومي غير الماركسي، من خلال الحرب بالوكالة عن قوى دولية أجنبية تتصارع في سياق ما كان يعرف بالحرب الباردة التي اتسمت بها تلك الفترة.

ونستعرض الخطوات التي قام بها الماركسيون الذين سيطروا على منابر الإعلام ومؤسسات التعليم بعد الاستقلال، باستجلاب تهم جاهزة من خارج البلاد ضد حركة الإخوان المسلمين في جنوب البلاد، وتكييفها محليا ثم إنزالها تدريجيا على الصحف الرئيسية؛ تمهيدا لاعتقال شباب المركز الإسلامي وتبرير تلك الإجراءات، من خلال إغراق الرأي العام بسلسلة من الأكاذيب التي لا تصمد لثوان أمام كل ذي عقل يعرف واقع جنوب البلاد، وخاصة عدن، وحجم الإخوان المسلمين المتواضع وظروفهم الاستثنائية التي عانوا منها في تلك الفترة.

وهنا، نحاول أن نتحدث عن خطورة غياب الفقه الأمني لدى أي مجموعة تعمل في الشأن العام، وتتحرك وسط بيئة تعمل فيها تيارات مختلفة لدى معظمها مواقف عدائية لهذه المجموعة. وفي هذا الموضوع تطرقنا لكيفية اعتقال النواة الأولى للحركة الإسلامية، وقد كانت تلك الاعتقالات والإجراءات وحملات التشهير والتسفيه التي رافقتها، كفيلة أن تلحق أضرارا بالحركة التي كانت في طور النشوء والتكوين، ولم تصل يومها إلى مرحلة البناء وإكمال هياكلها ومؤسساتها، وتدخل حالة بيات اضطراري ريثما تنقشع عاصفة الاجتثاث، رغم أن المحاولة الماركسية التي نفذها التيار الماركسي داخل النظام الحاكم، فشلت في اجتثاث النواة الصلبة، واستأنفت بعد بضعة سنوات عملها الدعوي والتربوي ثم لاحقا الحركي، فيما تورط التنظيم الحاكم بتياراته وأجنحته المتباينة في دوامة الصراعات الجغرافية والقبلية الضيقة، دفع الشعب ثمنها باهظا، بينما هو آل مصيره إلى الضعف والهزال، ثم الاندحار من المشهد.

نستعرض الخطوات التي قام بها الماركسيون الذين سيطروا على منابر الإعلام ومؤسسات التعليم بعد الاستقلال، باستجلاب تهم جاهزة من خارج البلاد ضد حركة الإخوان المسلمين في جنوب البلاد، وتكييفها محليا ثم إنزالها تدريجيا على الصحف الرئيسية؛ تمهيدا لاعتقال شباب المركز الإسلامي وتبرير تلك الإجراءات، من خلال إغراق الرأي العام بسلسلة من الأكاذيب التي لا تصمد لثوان أمام كل ذي عقل يعرف واقع جنوب البلاد، وخاصة عدن، وحجم الإخوان المسلمين المتواضع وظروفهم الاستثنائية التي عانوا منها في تلك الفترة.
من المفارقات العجيبة التي تبعث على الضحك والبكاء في آن واحد، أن التنظيم الحاكم بعد أن اعتقل قيادة المركز الإسلامي، وحظر أنشطته وقام بإغلاقه وتأميم ممتلكاته، واتهمهم بالإرهاب والعمالة لأمريكا و(الرجعية العربية)، وهذه (إكليشة) اعتمدها اليسار العربي في تلك الفترة للإشارة للسعودية وحلفائها من أنظمة الخليج العربي والإقليم، بل واتهمهم بالارتباط بالعدو الإسرائيلي، في ظل كل هذه الاتهامات، كانت قيادته تستقبل في الفترة الزمنية نفسها جثمان أحد أبناء حركة الإخوان المسلمين، الذي استشهد على ثرى فلسطين في مواجهة مفتوحة خاضها مع إخوانه مع قوات العدو.

أجد نفسي ملزما بتوضيح بعض النقاط:

1 ـ هذا الكتاب لا يحاكم أحدا؛ لا النظام الحاكم ولا ظروف تلك المرحلة، إنما يحاول أن يجلي غبار التجاهل أو الافتراءات ضد الحركة الإسلامية بجنوب البلاد في تلك الفترة التاريخية.

2 ـ إعادة الاعتبار لرموز وشخصيات أسست وقادت العمل الإسلامي الحركي في جنوب البلاد، كان لها أدوار ناصعة في الدفاع عن هذه البلاد، والمشاركة في بناء الشخصية الوطنية المعتزة بهويتها الإسلامية وانتمائها الوطني والعروبي.

3 ـ التأكيد أن الحركة الإسلامية في جنوب البلاد لم تكن غربية الوجه واللسان، ولا طارئة على مجتمعها، لكنها كانت هي الحركة الأصيلة بمختلف لافتاتها وعناوينها وشعارتها، التي يجمعها الإسلام والعروبة واليمن.

4 ـ معظم، إن لم يكن كل جيل التأسيس لحركة الإخوان المسلمين في اليمن شمالا وجنوبا، تعرفوا على فكر الحركة وقرؤوا منهجها مبكرا في مدينة عدن، من خلال المجلات والصحف والمطبوعات التي كانت تصل إلى المدينة دونا عن بقية المدن اليمنية، قبل قيام النظام الجمهوري في صنعاء، إلى جانب وجود المدرسين العرب المرتبطين تنظيميا بالحركة الإخوانية، الذي فتحوا نافذة وعي في عقول ووجدان ذلك الجيل.
التعليقات (0)