مدونات

"فاستخف قومه فأطاعوه"

موسى زايد
لا يعترف الاحتلال بخسائره- جيتي
لا يعترف الاحتلال بخسائره- جيتي
لفظ استخف في اللغة العربية يدور في فلك الاستهانة أو الإهانة أو التوجيه نحو الطيش والخفة والسطحية وعدم إدراك العواقب، والآية تشير إلى ما يفعله الطاغية بجمهوره عن طريق الإعلام، إنه يُجري عمليات غسيل للعقول والأدمغة حتى تستهين بالخطير وتخشى البطش وتقنع بالذل وتعيش على الفتات، ويجعلها ترى الأمور بمنظاره هو ولا تستطيع التفرقة بين العدو والصديق لا بين من هو عدو في مرحلة ومن هو عدو في كل المراحل، أو من هو العدو الأخطر ومن هو العدو الذي يمكن أن يتعامل معه بل ويجعلها تفرق بين الأعداء على أسس فاسدة لا يجوز البناء عليها.

للأسف هذا ما يعيشه عدد كبير من المسلمين الآن. ولنزيد الأمور توضيحا:

- نظام السلم والحرب في الإسلام يقوم على رد العدوان وإرهاب العدو وعدم الاعتداء على الغير أيا كان دينه وأيا كانت عقيدته، فطالما كان مسالما غير محارب ولا يساعد في حرب المسلمين فليس لأحد عليه سبيل، فلا نحارب اليهود ليهوديتهم ولا النصارى لنصرانيتهم وإنما يحارَبون لعدوانهم، ومن باب أولى الشيعة في إيران وغيرها ينطبق عليهم نفس الشيء.

تخيلوا أن يقوم البعض باستدعاء الخلافات بين السنة والشيعة وينبش الكتب في هذا الوقت الذي يباد فيه أهلنا في غزة ويجوعون ويعطشون ويقتلون ويهجرون، فهناك 2.5 مليون مسلم سني في غزة قتل منهم حتى الآن في عام واحد نحو 50 ألفا وأصيب أضعافهم وأكثر من 3.5 مليون مسلم سني في الضفة يقتلون ويشردون ويفرض عليهم الحصار من الشقيق قبل العدو، وعندما يمد لهم الشيعة في إيران المساعدة تجد البعض يهاجم الشيعة ولا يهاجم المحاصرين لإخوانهم، وعندما يقتل الصهاينة أمين عام حزب الله يضج البعض بالتهليل.

- في طوفان الأقصى بدأت حماس المعركة بسرية كبيرة ولم تنسق مع أحد (وكان هذا من ضرورات المعركة وأهم أسباب نجاحها) وكان حزب الله وغيره يستطيعون أن يقولوا: هذه ليست معركتنا ولم تتم مشورتنا ولا التنسيق معنا ونحن غير جاهزين الآن، كانوا يستطيعون هذا وكان العدو يمنّي نفسه بهذا، ولكنهم دخلوا في اليوم الثاني للمعركة وأعلنوا حدود دعمهم. قالوا لن ندع العدو يستفرد بأهلنا في غزة ولن نجعله يحقق عليهم نصرا وسنستنزف قواه في الشمال، وهذا ما فعلوه بل وحاصروا موانئ العدو في البحرين الأحمر والمتوسط، ولولا الجسر البري الذي يمد العدو باحتياجاته من الغذاء عن طريق المتعاونين العرب لجاع العدو.

- معركة الطوفان بقدر ما هي وجودية على الكيان يراها (وكذلك داعموه) خطرا حقيقيا على وجوده، قد تؤدي إلى انهيار هذا المشروع بكامله، هي خطر ماحق على كل دول المنطقة إذا استطاع العدو أن يحقق نصرا، عندها لن تسلم منه القاهرة ولا بغداد ولا دمشق ولا حتى إسطنبول وطهران، فالموضوع يتردد بين نصر مبين أو خسارة مذلة وخضوع للسيطرة الغربية الأمريكية.

- بعد أن اغتال الصهاينة الشهيد أبو العبد في طهران كان من المثير للشفقة اتهام البعض لإيران بالتآمر على قتله، وبعد هجومهم على جنوب لبنان ثم اغتيال حسن نصر الله ضجت المواقع إما بالسخرية من الحزب أو الشماتة في أمينه العام، ولم يفطن هؤلاء إلى اغتيال قائد حماس في لبنان ولا اغتيال ثلاثة من قادة الجبهة الشعبية ولا الهجوم على مخيمات الفلسطينيين في جنوب لبنان في اليوم التالي مباشرة لاغتيال نصر الله.

كان من الخفة أن لا يدرك البعض أن حسابات الدول والاستعداد للتبعات والتجهيز للاحتمالات تختلف عن حسابات الأفراد، فكانت السخرية من إيران واتهامها بأنها لم تبع الفلسطينيين فقط وإنما باعت أذرعها الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان. ولكن الأعجب أن البعض بعد الهجوم الصاروخي من إيران ما زال يسخر من الرد ويردد مقولات العدو بأن لا خسائر، وهو ينسى أن العدو لم يعترف إلا بأقل من 350 قتيلا من جيشه منذ بدء حربه على غزة، وأن بايدن احتاج للتقليل من الخسائر حتى يبث الطمأنينة في نفوس المستوطنين المرعوبين.

أخطر ما يواجه الأمة أن تقعد في أماكن المتفرجين تنتظر مصيرها بعد أن ينتهي الصراع، وأخطر من هذا أن تكون مقاعدها داعمة للعدو مقللة من فعل الصديق أو حتى الذي هو أقل عداوة، إنها نتاج عقود من الاستخفاف الذي قاد إليه الخضوع للفاسدين والطغاة من الحكام.
التعليقات (0)