مدونات

إيران والمقاومة.. ودولة سيد قطب التي تمناها

عمر الحداد
يقل ل
يقل ل
(بمناسبة ذكرى ميلاد سيد قطب- 9 تشرين الأول/ أكتوبر 1906)

هناك سؤال لا يلتفت له كثيرون في اللحظة الراهنة: هل تمثل إيران بسياستها المعادية للكيان الصهيوني وضرباتها العسكرية ضده استمرارا للمسار الفكري للشهيد سيد قطب رحمه الله؟

عام 1965 قام النظام الناصري بإعدام المفكر الإسلامي سيد قطب، بعد إدانته في عدد من القضايا؛ منها التخطيط لأعمال نسف وتخريب في بعض مناطق مصر.

بعدها بسنة أصدر علي بن جواد الخامنئي الترجمة الفارسية لكتاب "المستقبل لهذا الدين" الذي ألفه سيد قطب. اعتقل الخامنئي بعد إصداره لترجمة الكتاب، وأغلقت المطبعة التي أصدرت الترجمة في خراسان بأمر حكومي.

يقول الأستاذ محمد سيد رصاص في كتابه "الإخوان المسلمون وإيران الخميني- الخامنئي"؛ إن فكر سيد قطب كان أداة أساسية ساعدت الخميني في ثورته. لكن الأمر ليس محصورا بفكر الخميني والخامنئي وحدهما، فكتابات سيد قطب شكلت المحور الذي دار حوله كتاب "الحكومة الإسلامية" لآية الله الخميني، وبعض جمل الكتاب تكاد تكون نُقلت من كتابات سيد قطب.

سيد قطب الذي كانت له في بدايته الفكرية ميول اشتراكية، كانت له آراء ناقدة لعثمان رضي الله عنه والأمويين، لكنه كان شديد المحبة لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويمكن هنا نقل قول الأستاذ محمد رصاص: "إذا حذفنا رأي سيد قطب في الخليفتين أبي بكر وعمر، وهو ما يخالفه به الشيعة، لكان رأيه مطابقا لرأي الشيعة في عثمان وبني أمية، كما أنّ رأيه في علي بن أبي طالب يتطابق معهم أيضا، ولكن ينقصه لكي يكون التطابق كاملا أن يضاف إليه قولهم في الإمامة بمعناها الشيعي".

الواضح إذن أن فكر إيران وسياساتها تمثل النجاح الأبرز للأفكار السياسية لسيد قطب، صحيح أن عددا كبيرا من التيارات الفكرية والجهادية السنية، كجماعة الجهاد المصرية وتنظيم القاعدة وحركة طالبان، اعتنقت أفكار سيد قطب، إلا أن نظام الحكم الإسلامي كما تخيله سيد قطب جرى تطبيقه في إيران تحديدا. ففكرة مجلس تشخيص مصلحة النظام، ووجود مجموعة من المشايخ والعلماء تراقب مدى مطابقة قوانين الدولة للشريعة الإسلامية، هذه الفكرة تمثل تنفيذا لنظام حكم إسلامي تخيله سيد قطب في كتابه الأشد تأثيرا "معالم في الطريق".

ولعل بعضنا يذكر الحوار الشهير بين وزير خارجية العراق الأسبق إبراهيم الجعفري مع وزير أوقاف مصر مختار جمعة عام 2015، حيث انحاز الجعفري بشدة لأفكار سيد قطب وضرورة التحاكم للشريعة، ورد على وزير الأوقاف المصري بصورة قوية جعلته عاجزا عن الرد.

لكن ما علاقة هذا كله بالكيان؟

"إنّ الإيمان قد ارتفع بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة؛ فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها وهي تُحرق بالنار حتى تموت. فلقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعا، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها".. استخدم سيد قطب هذا التعبير في معالمه كي يشير لانتصار الإيمان رغم الهزيمة الظاهرية للمؤمنين كما في قصة سورة البروج. ألا تنطبق هذه الكلمات على أهل غزة حين هاجموا قوة أضخم منهم بكثير، بغرض إعلان رفضهم للطاغوت الصهيوني ورغبتهم في أن تتحرر بلادهم ويعود المسجد الأقصى للمسلمين؟

إن هذا الموقف، الذي دعمته إيران بقوة بلغت حد التهور الذي يكاد أن يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الموقف الذي رأيناه ونحن نرى آية الله الخامنئي يخطب الجمعة في جموع المصلين ممسكا رشاشه بيده، هذا الموقف هو خلاصة فكر وقناعة سيد قطب، الذي آمن ودفع حياته ثمنا لفكرة أن يثور المؤمن القوي على الظالم الأشد قوة.

إن هجوم إيران الصاروخي على الكيان في عملية الوعد الصادق 2، وقبلها في عملية الوعد الصادق، ونصرة أهل غزة ولبنان في مواجهة الطاغية نتنياهو، ووضع إيران جيشها وقواتها عرضة لهجمات أمريكية أو صهيونية كبيرة، هذا كله يمثل خلاصة أفكار سيد قطب، من أن المؤمن إنما ينحاز للضعيف والمظلوم والمضطهد، وأن من واجب الدولة الإسلامية التي تتبع هذا الدين أن تقف موقف المناصر والمعين لكل من يجاهد في سبيل الله عز وجل. هذا الموقف تجده غير مفهوم في عالم السياسة بقيمها الغربية المكيافيلية، فمن هذا الذي يستطيع مواجهة الولايات المتحدة وهي لا زالت أقوى قوة عسكرية في العالم؟

هذه هي أيديولوجيا سيد قطب، انتقدها كثيرون وهاجمها كثيرون، واتهمها كثيرون بأنها تسببت في أزمات وكوارث، لكن هذه الأيديولوجيا، مهما كان عليها من مآخذ، هي التي وفرت للمقاومة الفلسطينية واللبنانية حليفا قويا مستعدا لنصرة المقاومة ونصرة فلسطين ولبنان.
التعليقات (0)