مقالات مختارة

العرب وسوريا بعد سقوط النظام: الآن أو لا

عمر عليمات
جيتي
جيتي
ليس المهم اليوم الحديث عن سقوط النظام السوري، بل الأهم هو كيف سيكون الوضع بعد السقوط؟ فأسوأ ما يمكن تصوره طول أمد حالة عدم الاستقرار، وتحول سوريا إلى ساحة صراع نفوذ؛ سواء بين السوريين أنفسهم، أو بين القوى الإقليمية والدولية.

ما حدث أمس في دمشق نقطة تحول تاريخية، وتأثيراتها ستمتد خارج الجغرافية السورية، وهذا ما يتطلب استجابة عربية حازمة ومبادرة استراتيجية تُعيد رسم مستقبل سوريا ،ضمن إطار عربي يحفظ وحدتها ويمنع انزلاقها نحو الفوضى.

تعودنا في الأزمات السابقة، أن العرب ينتظرون ويراقبون التطورات، وعندما يقررون التحرك تكون الأمور قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، العرب تأخروا في 2011 والنتيجة كانت عدم استقرار سوريا وتحولها إلى ساحة نفوذ إقليمي ودولي، وتشريد السوريين وأزمة لجوء أثقلت المنطقة كلها، وكل هذا ما لا نتمنى أن نراه اليوم.

اللحظة التي تمر فيها سوريا مفصلية، وعلى العرب أن يدركوا أن مستقبل سوريا يقع في صميم أمنهم القومي ومصالحهم الاستراتيجية، ولا يمكن لأي دولة عربية أن تتغافل عن أهمية الحفاظ على وحدة سوريا، جغرافيا وديموغرافيا، وأي سيناريوهات أخرى ستُهدد بانفجار أزمات أخرى، تنتقل شرارتها إلى خارج سوريا، كونها مترابطة عضويا وجغرافيا مع المحيط العربي، وفيها من التداخلات الإقليمية والتشعبات الداخلية والانقسامات الفصائلية، ما يجعل من التدخل العربي الفوري أمرا لا يمكن تأجيله، أو انتظار ما ستسفر عنه الأمور.

ما حدث في سوريا خلال الأعوام الأربعة عشرة الماضية، نموذج لإهدار الفرص العربية، فقد كان بإمكان النظام العربي أن يتدخل بفاعلية، لينقذ سوريا من كل ما مرت به خلال العقد الفائت، واليوم الفرصة قائمة، ولكنها ليست ممتدة، فإما أن يكون للعرب رؤيتهم واستراتيجيتهم، وإما سنُعيد تجاربنا السابقة في العراق وليبيا، التي أكدت أن سقوط النظام دون وجود خطة متماسكة لإدارة المرحلة الانتقالية، يؤدي إلى فراغ أمني يُستغل من قبل قوى عديدة.

ومن هنا، فإن الدور العربي يجب أن يتجاوز البيانات الدبلوماسية، ليشمل تقديم الدعم اللوجستي، والسياسي، وحتى الأمني، لضمان استقرار الوضع الداخلي. يجب بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية لا تُخضع الولاءات لأي طرف خارجي.

لا يزال هناك وقت لتصحيح المسار، لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية للانفتاح على الخيارات العربية، والابتعاد عن الرهانات الخاسرة التي أضرّت بموقع سوريا الاستراتيجي. الفرص لا تبقى متاحة للأبد، والنظام السوري مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ قرارات جريئة تنقذ بلاده من الضياع الكامل.

اللحظة الراهنة فرصة تاريخية للعرب لاستعادة زمام المبادرة في سوريا، وتأخير التدخل العربي سيُضعف أي فرصة للتأثير مستقبلا، وسيترك الساحة خالية أمام قوى أخرى ترسم مصير سوريا وفق مصالحها. لذلك، فإن التحرك اليوم يجب أن يكون قائما على رؤية استراتيجية واضحة تتجاوز الحسابات الضيقة، وتضع مصلحة سوريا والمنطقة فوق أي اعتبار.

في المحصلة، فإن سوريا ليست مجرد دولة أخرى تشهد تغيرا في نظام الحكم؛ بل هي حجر زاوية في الأمن القومي العربي. وغياب الدور العربي سيجعل منها فريسة جديدة لصراعات النفوذ الإقليمي والدولي، وهو ما سيدفع ثمنه الجميع. الوقت الآن للعمل وليس التردد.

الدستور الأردني
التعليقات (0)

خبر عاجل