عند مناقشة القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية، غالبا ما تركز وسائل الإعلام الدولية على "محورين" بشكل منفصل، الأول هو المحور الأوراسي الذي يضم
الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، ومحور
المقاومة في الشرق الأوسط بقيادة
إيران، ويشمل "حزب الله" في لبنان، ونظام الأسد في سوريا قبل سقوطه، والجماعات في في سوريا والعراق، وحركتي "حماس" والجهاد الإسلامي في فلسطين.
واعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تحليل له، أن محور المقاومة يعمل في الشرق الأوسط، والمحور الأوراسي يعمل على تحدي النظامين العالمي والإقليمي بشكل متزايد، مضيفا أن ذلك يبرز "الحاجة إلى المزيد من الشراكات واستراتيجية مضادة شاملة للتصدي، مع التركيز بشكل خاص على طهران".
وقال المعهد: "أدى سقوط نظام الأسد في أعقاب الإنجازات العسكرية
الإسرائيلية ضد حماس وحزب الله وضرباتها على إيران، إلى تراجع محور المقاومة إلى أدنى مستوياته التاريخية، ودفع
روسيا إلى سحب بعض أصولها على الأقل من سوريا، ومع ذلك، فمن الحكمة الافتراض أن وجود روسيا وإيران في سوريا، ومحور المقاومة نفسه، قد تراجعا لكنهما لم ينتهيا بعد".
وأضاف، أن "كلا المحورين معادٍ بشدة للولايات المتحدة، وبينما يختلف أعضاؤهما في الوسائل والدوافع، إلّا أنهم يشتركون في الأيديولوجيات الرجعية التي ترفض الغرب والنظام العالمي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة"، على حد وصفه.
وذكر أن "محور المقاومة يسعى أيضا إلى إنشاء نظام جديد في الشرق الأوسط، يتمحور حول فرض الهيمنة الإيرانية الشيعية، وإخراج الولايات المتحدة من المنطقة، والقضاء على إسرائيل، وتُعد إيران شريكا رئيسيا في كلا المحورين، حيث تتخطى طموحاتها الشرق الأوسط وتشمل الأسلحة النووية".
وأشار إلى أن صادرات النفط إلى الصين، ساعدت روسيا وإيران على تحمل العقوبات الغربية، مما سمح لطهران بجني أكثر من 50 مليار دولار سنويا، قائلا؛ إن نصفها تقريبا يذهب لتمويل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
وقال المعهد: "يتقاطع المحوران بشكل واضح في الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، فالحروب هي منافسات في الفعالية العسكرية، والتعلم التكنولوجي والعملياتي، والتكيف، ولكن الحروب الطويلة تختبر القدرة على التحمل والموارد، وفي ساحات القتال، تدافع أوكرانيا عن نفسها ضد روسيا، بينما تحارب إسرائيل محور المقاومة على سبع جبهات، ولوجستيا، المواجهة هي بين الغرب وكلا المحورين".
وأكد المعهد الأمريكي، أن "منافسة التحمل في أوروبا تضع أوكرانيا، المدعومة من الغرب بقيادة الولايات المتحدة، في مواجهة سكان روسيا ومواردها وصناعاتها العسكرية، التي يدعمها المحور الأوراسي بالأسلحة والذخائر والقوى البشرية".
وتفيد التقارير أن إيران تزود روسيا بطائرات مسيرة قتالية، وصواريخ باليستية، وقذائف مدفعية، وذخائر أسلحة خفيفة، وصواريخ مضادة للدبابات، وقذائف هاون، وقنابل انزلاقية، كما ساعدت في بناء مصنع للطائرات المسيرة في روسيا.
إظهار أخبار متعلقة
وتوفر كوريا الشمالية قطع مدفعية، وقذائف باليستية، وصواريخ، وملايين القذائف، وأرسلت مؤخرا حوالي أحد عشر ألف جندي، وفي المقابل، تتلقى دعما روسيا، على الأقل في مجال الدفاعات الجوية، وربما في مجال التكنولوجيا النووية والصاروخية.
وبينما يبدو أن الصين لا تزود أسلحة لروسيا بشكل مباشر، إلّا أن التقارير تفيد أنها تصنع طائرات مسيّرة هجومية روسية بعيدة المدى من طراز "غاربيا 3" في الصين، ومؤخرا فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على كيانات وأفراد صينيين لدعمهم الجهود الحربية الروسية.
وبين المعهد أنه "منذ بداية الحرب، بذلت روسيا كل جهد ممكن للحد من الدعم الغربي لأوكرانيا، بما في ذلك حملة تخريب ضد مصانع الدفاع في الغرب، ربما بما في ذلك الولايات المتحدة، وحتى التهديد بمهاجمة دول أوروبية".
وأضاف أن "روسيا قامت بتجنيد المئات من المرتزقة السوريين واليمنيين، ووفقاً للتقارير، تدرس كوريا الجنوبية إرسال أسلحة وخبراء إلى أوكرانيا ردا على تعزيز بيونغ يانغ لقوات موسكو، في حين ساعدت أوكرانيا المتمردين السوريين في هجومهم على نظام الأسد المدعوم من روسيا".
ولفت إلى تزويد روسيا إيران بأنظمة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز "إس 300"، وأن "إسرائيل" دمرتها في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وأنها منحتها أيضا طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي سو 35"، وتطلق أقمارا صناعية إيرانية، ومن المحتمل أن تشارك التقنيات العسكرية المتقدمة مع إيران، بما في ذلك التكنولوجيا النووية.
وأوضح المعهد، أن "روسيا منذ عام 2015 شاركت بنشاط في الحرب الأهلية في سوريا إلى جانب نظام الأسد وإيران وحزب الله، ومعظم الأسلحة التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي مؤخرا من حزب الله في لبنان، هي روسية الصنع، وهو الأمر الذي يتعلق ببطاريات صواريخ سام التابعة للحزب، التي دُمرت في سوريا ولبنان، وترسانة الأسلحة السورية التي دمرتها إسرائيل بعد سقوط بشار الأسد".
وأضاف أنه "وفقا لبعض التقارير، زودت روسيا، بوساطة إيرانية، الحوثيين أيضا ببيانات استهداف لشن هجمات على الشحن في البحر الأحمر، حتى إنها فكرت في تزويدهم بصواريخ "ياخونت" و"باستيون" الفرط صوتية المضادة للسفن، بينما عمل مستشارون عسكريون من المديرية العامة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي في اليمن لعدة أشهر؛ لمساعدة الحوثيين في تعطيل الأصول البحرية الأمريكية، واستنزاف مخزون الولايات المتحدة من الصواريخ الاعتراضية".
وقال المعهد؛ إن صواريخ "سي 802" المضادة للسفن، المصممة في الصين، التي تم تصنيعها في إيران، أُطلقت من قبل حزب الله في عام 2006 والحوثيين في عام 2016 على سفن إسرائيلية وأمريكية وإماراتية".
وتضمنت "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين الصين وإيران لعام 2021 التعاون في القضايا العسكرية والأمنية والاستخباراتية والفضاء الإلكتروني، بينما تقوم القوات البحرية للبلدين، إلى جانب روسيا، بإجراء تدريبات دورية قبالة سواحل إيران.
وقامت كوريا الشمالية بتصدير صواريخ باليستية وتقنيات حفر الأنفاق إلى الشرق الأوسط، التي لقيت ترحيبا كبيرا من إيران وشركائها في المحور، بالإضافة إلى التكنولوجيا النووية، مثل مفاعل إنتاج البلوتونيوم الذي دمرته "إسرائيل" في سوريا عام 2007، بحسب ما ذكر المعهد.
وقال: "تُعدّ مناطق الحرب في أوكرانيا وحول إسرائيل ساحات اختبار لأنظمة الأسلحة المتقدمة والممارسات العسكرية، ويتم استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية بأعداد كبيرة في كلتا الساحتين، وقد اكتسبت الأطراف المتحاربة خبرة كبيرة في استخدامها والتصدي لها".
وتتابع جميع الأطراف "مختبرات المعارك الحقيقية" هذه عن كثب، وتركز أعينها على أوكرانيا وروسيا و"إسرائيل" وإيران، ولكن مع وضع الصين وتايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في الاعتبار.
وأضاف أن "تدمير صواريخ إس 300 الروسية في إيران من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، يقدم دروسا مهمة لحلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة وشركائها الآخرين حول تحديات مماثلة، وأدت الضربة الإسرائيلية على صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى خفض إمدادات الأسلحة، ليس فقط لشركاء طهران في الشرق الأوسط، ولكن أيضا لروسيا وعملاء آخرين".
إظهار أخبار متعلقة
وتتابع الصين وروسيا عن كثب الجهود الأمريكية والإسرائيلية للتصدي لحملة الصواريخ الحوثية، و"تتعلمان دروسا مهمة لنزاعاتهما القادمة في أوراسيا".
واعتبر أن "إيران نقطة محورية حيوية عند تقاطع المحورين، ولا تعمل على تسهيل الوصول إلى الشرق الأوسط من قبل منافسي الغرب، وتهدد الشحن الدولي والقوات الأمريكية وشركاءها وحلفاءها في المنطقة فحسب، بل تؤدي أيضا دورا نشطا في تعزيز التكنولوجيا العسكرية، والتعلم العملياتي، والخبرة القتالية لمحور أوراسيا، مما يعرّض الشركاء والمصالح الغربية في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ للخطر".
وأشار إلى "ضرورة معالجة التحدي العالمي المزدوج المتمثل في المحورين؛ باعتبارهما نظاما استراتيجيا شاملا، وليس كمجموعتين من المشاكل المنفصلة المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا، والشرق الأوسط، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، يجب أن تشمل الجهود المبذولة للتصدي لتهديدات المحور إجراءات دبلوماسية وإعلامية وعسكرية واقتصادية".
وعلى مستوى الاستراتيجية الكبرى، أكد المعهد أنه "يتطلب موقف المحورين الإقليمي والعالمي بنية غربية موازية، وشراكة إقليمية - عالمية بقيادة الولايات المتحدة ودعم حيوي منها، لتعزيز التكامل وقابلية التشغيل البيني بين المناطق على مستوى العالم. وستؤثر النتائج في منطقة واحدة، مثل أوكرانيا، بالتأكيد، على المناطق الأخرى، مثل آسيا. وينبغي النظر إليها باعتبارها وحدة استراتيجية بدلا من اعتبارها قضايا منفصلة".
ومن الناحية العملياتية، من الضروري "الاستفادة من دروس الحروب الحالية للتحضير للصراعات المستقبلية. وتُعد ساحات المعارك في أوكرانيا وإسرائيل مصادر مهمة للتعلم العملياتي، ومن المهم أن تساعد خبراتها الشركاء الغربيين على الاستعداد للمستقبل، وتتعلم إيران والصين من روسيا، ومن المرجح أن تتبادل طهران وبكين المعلومات حول مواجهاتهما مع الأسطولين الأمريكيين الخامس والسابع على التوالي، فيما يتعلق بمنع الوصول/ رفض المنطقة (حظر الدخول)، ولكن أيضا حول الهجمات الباليستية والمضادة للسفن وردود الغرب عليها. وقد يكون الحوار العملياتي بين "القيادة المركزية الأمريكية"، و"القيادة الأوروبية الأمريكية"، و"القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ"، بمشاركة إسرائيل وأوكرانيا وشركاء من الشرق الأوسط وأوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، خطوة حيوية في هذا الصدد".
ومن الناحية التكنولوجية، يجب على الغرب "تسريع وتوسيع الجهود المشتركة لتطوير استجابات متقدمة وميسورة التكلفة للتحديات النوعية والكمية من جانب الخصوم، مع التركيز على تكنولوجيا الدفاع الصاروخي، والطائرات بدون طيار، والحرب الإلكترونية، والفضاء السيبراني، بالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والأسلحة الموجهة بالطاقة، وأكثر من ذلك. ويُعد استغلال العتاد العسكري للخصوم بشكل مشترك أمرا حيويا أيضا".
إظهار أخبار متعلقة
ومن الناحية اللوجستية، يجب على الغرب أن "يعمل على تسريع جهود الإنتاج الدفاعي الجماعي، مع تقاسم الأعباء من خلال المخزونات المشتركة، ولكن أيضا السماح بالاستجابة في مناطق أخرى. على سبيل المثال، يمكن لدول الخليج تمويل مخزون إقليمي من الذخيرة لشركاء "القيادة المركزية الأمريكية"، الذي يمكن استخدامه أيضاً كاحتياطيات لتطورات عالمية محتملة في مناطق أخرى، بينما يمكن نقل الأسلحة التابعة للمحور التي تم الاستيلاء عليها في ساحات المعارك إلى الشركاء الغربيين الذين يحتاجون إليها. وفي الوقت نفسه، يجب تعطيل قاعدة الإنتاج وسلاسل التوريد الخاصة بالمحورين، من خلال تعزيز وتسريع قيود التصدير، والعقوبات، والجهود السيبرانية، وعند الضرورة، العمليات التخريبية والسرية".
وختم المعهد بالقول؛ إنه "لتحييد مساهمة طهران الضارة في كلا المحورين عبر الساحات المختلفة، يجب أن تكون إيران محور الجهود المشتركة التي منعها من امتلاك أسلحة نووية على الإطلاق - وهو سيناريو من شأنه أن يُمكّنها من الانضمام إلى الأعضاء النوويين الآخرين في المحور الأوراسي، مما يؤدي على الأرجح إلى انهيار النظام العالمي لمنع الانتشار النووي، ويجب أن تسعى الجهود الأخرى إلى تقويض ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية وقدرتها على الإنتاج العسكري، وتعطيل خطوط إمدادها، والاستمرار في تقويض محور المقاومة، وتقليص الموارد المتاحة لطهران لدعم كلا المحورين، أولا من خلال فرض الحظر والعقوبات على صادراتها النفطية كجزء من حملة الضغط الأقصى، وستكون الفوائد محسوسة خارج الشرق الأوسط، من أوروبا إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ".