مقابلات فكرية

كيف وظّف متصوفة السينغال التّمويل التشاركي في ريادة الحركة الاجتماعية؟

التّمويل التّشاركيّ هو آلية تمويلية يمكن اعتبارها بديلا تمويليّا مهمّا لفائدة كثير من جهات المجتمع كالمنظّمات الاجتماعيّة الخيريّة، والمؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة..
التّمويل التّشاركيّ هو آلية تمويلية يمكن اعتبارها بديلا تمويليّا مهمّا لفائدة كثير من جهات المجتمع كالمنظّمات الاجتماعيّة الخيريّة، والمؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة..
على عكس واقع الحركات الصوفيّة في المغرب الإسلامي التي انزاح نشاط سوادها الأعظم إلى مربّع الطرقيّة الفلكلورية، المنفصمة عن واقعها الاجتماعي والسياسي منذ النصف الثاني من القرن العشرين، نجحت الحركة الصوفيّة المُريديّة بغرب أفريقيا، في تمثّل الحالة الثّقافيّة الدّينيّة والاجتماعيّة السّياسيّة للإنسان الأفريقي ـ جنوب الصّحراء، السّنغالي على وجه الخصوص، منذ نهاية القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين. تمثّلُ بوّأها ريادة مشروع إصلاحيّ وطني يراعي قيم الإسلام وخصوصيّات المجتمع المحلّيّ في السّنغال، ويرسم خارطة طريق المتصوف الأفريقي العضوي الذي لا يفِرّ من الخلق ويعتزل الحياة، بل يشارك الخلق في تحمّل أعباء الحياة مع التّعلّق في الآن ذاته بالقيم الرّوحيّة الّتي دعا إليها الخالق الرّحيم.

ولأنّ التمويل التشاركي بات يُعدّ "واقعا مشهودا واستقبالا منشودا في السّنغال، باعتباره بديلا تمويليّا مُهما لفائدة العديد من الجهات كالشّركات الصّغرى والمتوسّطة، وروّاد المشروعات الصّغيرة، والكثير من الجهات الخيريّة" التي وسّعت من مجال عملها بغرب أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء على مدى العقدين الأخيرين، فإنّ الاهتمام به وبمجالات تطبيقه عند المريديّة بالسنغال على المستويين البحثي والأكاديمي، أضحى أولوية بالغة لمن رَامَ دراسة النُّقلة النَّوعية لحركات التصوّف، في اتجاه تَبيِئَة منظومات اقتصاديّة إسلامية وتوظيفها لخدمة مشاريعها الاجتماعية. ومن أوائل البحوث المتناولة لآليّة التمويل التشاركي وانتمائها إلى طريقة صوفيّة معيّنة، الكتاب المعنون بـ "التّمويل التّشاركي عند المريديّة بالسنغال"، لمؤلفه إمبي سونغ، الذي نُوقِش كرسالة ماجستير بحث في الاقتصاد والماليّة الإسلاميّة بالمعهد العالي لأصول الدّين، جامعة الزيتونة التونسية، قبل سنة من الآن.

في الحوار التالي الذي أجراه خِصِّيصا لـ "عربي21"، الكاتب والصحفي الحسين بن عمر، يناقش إمبي سونغ، الباحث السينغالي المتخصّص بالاقتصاد والمالية الإسلاميّة في جامعة الزيتونة التونسيّة، جهود الحركة المريديّة في السّنغال في المِعراج بالحركة الصوفيّة السنيّة، من واقع الانعزال وعدم الاهتمام بمشاكل النّاس وقضايا معيشتهم إلى مستوى حركة اجتماعيّة إيجابيّة وفاعلة في عمليات التّنمية الاقتصاديّة المحلّيّة، بوّأتها منازل الرّيادة والنّفوذ الاقتصاديّ في السّنغال، ويسائله إلى أيّ مدى يمكن للتّمويل التّشاركيّ المريديّ تحقيق ديمومته في ظلّ توجّهاته الفكريّة؟

س ـ هل من تعريف مبسّط للتمويل التشاركي وللحركة المريديّة في السينغال؟

 ـ التّمويل التّشاركيّ هو آلية تمويلية يمكن اعتبارها بديلا تمويليّا مهمّا لفائدة كثير من جهات المجتمع؛ كالمنظّمات الاجتماعيّة الخيريّة، والمؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة الّتي تمثّل نسبة كبيرة من النّسيج الاقتصاديّ للعديد من البلدان النّامية بما فيها السّنغال، وقد عرفت هذه الآلية التّمويليّة تجارب ناجحة في غير ما دولة على الصّعيد العالميّ، وحقّقت تطوّرا تصاعديّا ملحوظا خاصّة في السّنوات الأخيرة. وقد خصّصنا مبحثا من الكتاب لتأصيل المفاهيم الواردة في العنوان وضبطها، مثل التمويل التشاركي والمريدية والسنغال، ومختلف المسائل التي لها صلة مباشرة به مثل النشأة والأنواع والخصائص، والأهداف والمزايا والمخاطر.

س ـ لماذا تمّ الاختيار على آلية التمويل التشاركي دون غيره من آليات التمويل الأخرى؟

 ـ سؤال وجيه، ذلك أنّ اختيارنا آلية منصّات التّمويل الجماعيّ على نموذج التّمويل التّشاركيّ الّذي تزاوله المريديّة بالسّنغال، مردّه أنّ هذا النّموذج التمويلي مستلهمُ من صميم المجتمع السّنغاليّ، ووجد تجاوبا وقبولا كبيرا خاصّة من الجماعة المريديّة، ولذلك جاء عنوان كتابي موسوما بـ: "التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة في السّنغال". كما أنّ المبتغى كان ولا يزال العمل على استثمار هذا الموروث الاقتصاديّ المريديّ؛ بوصفه آلية في التّنمية السّنغاليّة، باعتباره نابعا من صميم المجتمع السّنغاليّ عموما والجماعة المريديّة بصفة خاصّة، وإمكانية توفيرها آفاقا مستقبليّة في الدّولة السّنغاليّة.

س ـ طيّب، عودا على المّريديّة، ربّما يحتاج القارئ تذكيره بهذه الحركة وظروف نشأتها ومؤسسها.

 ـ  إنّ كلمة المريديّة مشتقّة من الإرادة، التي تعني المشيئة، ولقد شاعت كلمة "الإرادة أو المريد" في الفكر الصّوفيّ عموما؛ إذ إنّها تعني التّوجه إلى الله تعالى، والانقطاع إليه سبحانه بالإرادة الصّادقة لبلوغ مرضاته تعالى. كما أنّ (الإرادة) هي أوّل مقام المتصوّف عندهم، وإلى ذلك أشار الإمام القُشيريُّ، إلا أنّها أصبحت عَلَما خاصّا بالطّريقة المريديّة في السّنغال، بحيث ينصرف الذّهن حين إطلاقها في المحيط السّنغاليّ إلى المنتمين إلى هذه الطّريقة. وعليه؛ فإنّ المريديّة بوصفها طريقة صوفيّة: "حركة إصلاحيّة، تجديديّة، صوفيّة إسلاميّة، سنّيّة، أسّسها الشّيخ (أحمد بمبا) عام ( 1301 هـ/1883م) في السّنغال، وقد تميّزت بموقفها الباسل في مناهضة الاحتلال الفرنسيّ الغاشم ثقافيّا، وقيامها على أنقاض النّظم الأرستقراطيّة المحلّيّة الجائرة، وحفاظها على العادات والتّقاليد الّتي لا تتناقض مع الرّوح الإسلاميّة وتعاليمه" .

وللطريقة المريديّة أسس، ومبادئ، من أهمّها: العلم النّافع، والعبادة، والأدب المرضيّ، والعمل (الكسب الحلال)، والخدمة بكفّ الضّرّ عن الخلق، ومجانبة كسر خواطرهم، مع الحرص على إيصال النّفع إليهم لوجه الله تعالى. وتعدّ من أكبر الطّرق الصّوفيّة في السّنغال، وأكثرها نفوذا، ولها خدمات جليلة في ميادين مختلفة، كالميدان العلميّ، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ. كما أنّ له امتدادا واسعا في دول الغرب الأفريقي. ولها أيضا نظام تمويليّ تشاركيّ، يهدف هذا البحث إلى إبرازه في المباحث القادمة.

س ـ نأتي الآن إلى مجال تخصصكم الأكاديمي، ما هو مفهوم التمويل التشاركي؟

 ـ يمكن تعريف التّمويل التّشاركيّ على أنّه: "آلية تمويل مستحدَثة لا تعتمد على الوساطة الماليّة المعروفة، والممارَسة من قِبل المصارف والمؤسّسات الماليّة الأخرى، بل تعتمد على الإنترنت، وتهدف إلى تعبئة الأموال، وتمويل المشاريع، الّتي يبادر بها أشخاص، أو مؤسّسات تجاريّة، أو منظّمات خيريّة، ويتمّ تمويل المشروع عبر مساهمات صغيرة من قبل عدد كبير من الأشخاص المتحمّسين للمشروع، والمساهمة إمّا أن تكون بالمال، أو بالمعرفة، أو بالخبرة، ويكون في شكل تبرّع، أو إقراض، أو استثمار. وقد شهدت سوق التمويل التشاركي طفرة تصاعدية ملحوظة على الصعيد العالمي، حتّى إنّ هناك توقّعات أن يشهد نموّا كبيرا مع حلول عام 2025م؛ حيث يقدّر وصول الاستثمارات في هذا المجال إلى أكثر من ثلاثمائة مليار دولار أمريكيّ عالميّا.

وقد اختلف في تحديد تاريخ نشأته؛ حيث يرى البعض أنّ البدايات الأولى للتّمويل التّشاركيّ تعود إلى عام (1875م)، وبالتّحديد إلى حملة تدشين تمثال الحريّة في نيويورك بأمريكا، في حين يذهب رأي آخر إلى أنّ فكرة التّمويل التّشاركيّ أو الجماعيّ تعود إلى التّسعينيات من القرن العشرين، إلى سنة (1997م) تحديدا، بينما يرى آخرون أنّ أوّل ظهور للتّمويل التّشاركيّ يعود إلى عام (2006م). ويمكن تصنيف أنواع التمويل التشاركيّ حسب النّماذج التّالية، وهي: التّمويل التّشاركيّ القائم على نظام التبرّعات، والقائم على المكافآت، والقائم على الإقراض، والاستثمار، أو على العملات المشفّرة الذي ظهر حديثا في سنة (2021م).

س ـ هذا مفهوم التمويل التشاركي بصفة عامّة، فماذا عن التمويل التشاركي المُريدي؟

 ـ في الحقيقة، إنّ أكبر حدث ملموس يمكن التأصيل به لنشأة التمويل التشاركي المريدي، هو مرحلة إطلاق مشروع بناء الجامع الكبير بمدينة طوبى، حين حدّد الشّيخ أحمد بمبا مبلغا قدره ثمانية وعشرون (28) درهما ، يتبرّع به الأتباع جميعهم، وذلك في عام ( 1342 هـ-  1922 م).

س ـ إلى أيّ مدى يمكن الحديث عن تمويل تشاركيّ مريديّ؟ ما طبيعته؟ وما هي خصائصه؟

 ـ يعني التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة في السّنغال، تعبئة الأموال والموارد؛ قصد تمويل المشاريع الّتي تبادر بها المشيخة العامّة أو فروعها، عبر مساهمات صغيرة وكبيرة من قبل عدد كبير من الأشخاص أو الجماعات المنتمين إلى الطّريقة، والمتحمّسين لمشاريعها، وتكون المساهمات بالمال، وهو الأغلب، أو بالمعرفة، أو بالخبرة، أو بالثّلاثة معا، وبشكل تطوّعيّ غير ربحيّ، تستند إلى مرجعيّة أيديولوجيّة دينيّة، ممّا يعني أنّ التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة ذو طبيعة تطوّعيّة خالصة؛ إذن هو تمويل قائم على نظام التّبرّع الذي لا يُنتظر منه مردود مادّيّ نقديّ. وللتمويل المريدي خصائص نجملها فيما يلي: خاصية المرجعيّة الدّينيّة وخاصّية الرّبحيّة الصفريّة. ونعني بالأولى أنّ من أهمّ ما يميّز التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة عن غيره، استنادُه إلى مرجعيّة فكريّة دينيّة صوفيّة (روحيّة) بالأساس، تمّ استفادتها من كتابات الشّيخ أحمد بمبا إمباكي المؤسّس. أمّا خاصّية الرّبحيّة الصّفريّة، فالمقصود بها هو: أنّ التّمويل التّشاركيّ المريديّ يتميّز بكونه عملا تطوّعيا صرفا، لا ينتظر منه المريدُ المموِّل مردودا مادّيّا؛ إيمانا منه بالرّوح الجماعيّة داخل الطريقة، وأنّ كلّ فرد جزء من المشروع، ونجاحه يعود بالنّفع على الجميع، فهو استثمار أخرويّ يرجو فيه المريد ثواب الله وحسن أجره تعالى.

س ـ ما الخلفيّة الفكريّة والمرجعيّة الدّينيّة للتّمويل التّشاركيّ عند المريديّة؟

 ـ يستند التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة إلى مرجعيّة فكريّة دينية، تمثّل المحرّك الأساس، والمخزون العاطفيّ الدّينيّ الذي يحفّز هذا التّمويل التّشاركيّ عند المريدين أفرادِ هذه الحركة، وحسب ما توصّلت إليه، فإنّها ترتكز على رباعيّة الخدمة، والهديّة، فالاكتفاء الذّاتيّ، ثمّ المجتمع الفوزينيّ، هذه الرّباعيّة الّتي بعضها (الخدمة والهديّة) وسائل للأخرى (الاكتفاء الذّاتيّ)؛ سعيا في النّهاية إلى بناء المجتمع الفوزيني.

أما الخدمة، فهي إحدى أهم الركائز أو المبادئ الأساسيّة للمريديّة، وبها كسبت شهرة كبرى، وحقّقت وزنا اجتماعيّا واقتصاديّا على الصّعيد السّنغاليّ. وهي كما يعرّفها بعض باحثي المريدية: "منظومة معرفيّة توائم بين متطلّبات الجسد والرّوح في بِنْية أحاديّة المصبّ، ألا وهي إصلاح العالم وفق نظريّة الخلافة الإسلاميّة في بُعديها المعرفيّ والاجتماعيّ"؛ أي إنّها "تحتوي انشطارا في آن واحد إلى ما هو روحانيّ نفسانيّ، وإلى ما هو واقعي اجتماعيّ"، في ازدواجية يلتقي فيها الفرديّ بالاجتماعيّ، على غرار تلك المقولة المشهورة: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا"، وهي العبادة بمفهومها الأشمل؛ ما يجعلها-بوصفها مرجعية- يستوعب التمويل التشاركي المريدي.

وأما مبدأ الهديّة، فله مكانة خاصّة في الطّريقة المريديّة، وتمثّل جزءا من المرجعيّة الفكريّة الدّينيّة للتّمويل التّشاركيّ المريديّ. وترجع مكانتها بالأساس إلى أهمّية الفلسفة الكامنة وراءها في الاعتقاد المريديّ؛ ما يجعلها تتمتّع بخصوصيّة تجعلها تتجاوز مفهومها اللغويّ والفقهيّ، وحتّى مطلق الإنفاق الإسلاميّ المعروف من حيث فلسفة الثّواب الكامنة وراءها، من حيث إنّ "الهديّة الواحدة يجزى باثني عشر ألفا، وهو الأقلُّ فيها، والأكثر من ذلك لا يعلمه إلا الله مالك الملوك عزّ وجلّ"، كما أوردها الشيخ أحمد بمبا في إحدى رسائله. وكلّ التبرّعات التي يقدّمها المريدون، وإن أسميتُها مساهمات، فإنّ مسمّاها الحقيقيّ هو الهديّة بالاصطلاح المريديّ الدّقيق.

ويتمثّل المبدأ الثالث في الاكتفاء الذّاتيّ، وهو: اعتماد المريدين على أنفسهم في تمويل مشاريعهم، وعدم التّعويل على دعم مالي خارجيّ، ويأتي هذا المبدأ من مقال الشيخ أحمد بمبا أيامَ إطلاق مشروع بناء الجامع الكبير في طوبى، بعد أن جمع المريدون الأقساط الأولى: "إنّي لا أقصد من هذا جمع المال وصرفه، وإنّما أريد إعطاءكم درسا عمليّا مفيدا في الاعتماد على الذّات، وبذل أقصى جهد ممكن في قضاء حوائجكم بأنفسكم دون الاعتماد على غيركم؛ لأنّ من يضمن لكم عيشكم يسلبكم حرّيّتكم إذا شاء"، وقد أصبحت هذه المقولة بوصفها جزءا أساسيا من المرجعية الفكرية لدى المريديّة.

ليأتي تحقيق المجتمع الفوزينيّ الذي هو عبارة عن خطّة تنمويّة شاملة ذات جوانب متعدّدة، أرفقها الشّيخ المؤسّس مدينته طوبى-عاصمة المريديّة- أوان تأسيسها، وضمّنها في قصيدة أسماها "مطلب الفوزين"، وقد جاءت كاملة في شكل دعاء وابتهال إلى المولى عزّ وجل، كما هو معهود في كثير من كتاباته.

وقد كانت هذه الخطّة في تلك الآونة بأبعادها المتعددة، أشبه ما تكون بأحلام الفلاسفة القدامى في تنظيرهم للمدينة الفاضلة، إلا أنّها الآن انتقلت إلى حدّ كبير -بفضل جهود المريدين بزعامة المشيخة العامّة-، من عالم الفكر والتّنظير إلى عالم التّفعيل والتّطبيق. وقد ركزت على مواضيع متعددة منها العبادة والتربية والرخاء والأمان وغيرها. وتمثّل أهمّ مرجع فكري لمنظمة طوبى تياكنم.

س ـ ما أهمّ الهياكل والجهات المجسّدة للتّمويل التّشاركيّ عند المريديّة؟ وفيم تتجلّى آليات استدامتها؟ 

  ـ يمكن تلخيص الهياكل أو الجهات التي تجسد التّمويل التّشاركيّ عند المريديّة، في ثلاث جهات كالآتي: صندوق المشيخة؛ باعتباره الهيكل الأعلى من الهرم التّسلسليّ للمريديّة والنّظام التّمويليّ المريديّ. ومنظمة "طوبى تيَاكَنَمْ"؛ باعتبارها منظّمة رسميّة غير ربحيّة داخل النّظام التّمويليّ في المريديّة. أمّا الثّالثة، فصندوق الزّكاة؛ باعتباره أحد هياكل التّمويل التّشاركيّ المريديّ، وتشرف عليه المنظّمة، ولكل من هذه الجهات مصادر تمويلية معيّنة تناولها الكتاب بالتفصيل، كما عرض عيّنة مشاريع تمّ تمويلها من قبل صندوق المشيخة ومنظمة "طوبى تيَاكَنَمْ"، مما يصوّر معا واقع التمويل التشاركي المريديّ في السنغال.

س ـ إلى أيّ مدى يمكن الحديث عن آفاق مستقبليّة للتّمويل التّشاركيّ عند المريدية، باستخدام منصّات التّمويل التّشاركيّ في السّنغال؟ وما علاقتها بمدى ديمومة هذا التّمويل المريديّ واستمراريّته؟

 ـ هنا تكمن الإشكالية والتحدّي الأكبر المتمثل في طرق استدامة التمويل التشاركي المريدي؛ ذلك أن أكبر مشاكل التمويلات التبرّعية تتمثل في مدى إمكانية استمراريتها وديمومتها؛ وتعني في عمومها ضمان وجود مصدر ماليّ دائم للاستمرار في مزاولة النّشاطات، وكذلك كفاءة استخدام الموارد الماليّة المتاحة لضمان الاستقرار الماليّ وتزايد التّدفّقات الدّاخلة (الإيرادات)، لتمكين الاستثمار في الأنشطة الحاليّة والمستقبليّة للوحدة. والحقيقة أنّ المرجعيّة الدّينيّة تمثّل الخيط النّاظم والقاسم المشترك لاستدامة مختلف الجهات، وكذلك التحوّل من الصرف المباشر إلى إيجاد مصادر تنمويّة دائمة، مما أفضى في النّهاية إلى القول؛ إنّه لكي يضمن هذا التّمويل التّشاركيّ المريديّ ديمومته، فلا بدّ له من التّوجّه نحو الاستثمار الرّشيد المنتج والدّائم، وذلك بعد استناده إلى المرجعيّة الدّينيّة المبيّنة.

كما يمكن للتمويل التشاركي المريدي الاستفادة من الثورة الرقمية، منطلقا من فرضية مفادها إمكانية أن يصبح هذا التّمويل المريديّ رائدا في قطاع التّمويل التشاركي في السّنغال، إذا استطاعت المريديّة إقامة منصّات كفؤة في الغرض، كما أنّها ممّا يساهم في تحقيق ديمومتها، الأمر الذي سيؤثر إيجابا على الاقتصاد الوطني.
التعليقات (0)