مقالات مختارة

2024 عام التحولات… وانكشاف الأمن القومي العربي!

عبد الله الشايجي
الأناضول
الأناضول
ذكرتني زحمة وتسارع الأحداث والتحولات الكبيرة التي نشهدها في منطقتنا وحتى على مستوى العالم في عام 2024 ـ بمقولة كان يرددها الزعيم الشيوعي السوفييتي الديكتاتور لينين: «تمر عقود ولا تحدث فيها أشياء مهمة، بينما تمر أسابيع وتحدث فيها أحداث تحتاج لعقود لحدوثها»!!

هذا كان حال أحداث وإرهاصات مشهد المنطقة وما عشناه في العام الماضي، وتأسيس تحولات بإعادة ترتيبات التحالفات وسقوط مسلمات، بواقع جديد لم يكن يتوقعه الكثيرون، وخاصة السوريين. ووسّع العدو الإسرائيلي احتلاله لغزة وفي لبنان وسوريا ودمر القدرات العسكرية السورية.

مجددا، تمنع الصراعات والحروب التي تشنها إسرائيل _حليف أمريكا الأول_ في المنطقة من الإفلات من الانغماس في الشرق الأوسط، لتتفرغ لعرقلة صعود الصين واحتواء تهديدات روسيا للأمن الأوروبي والعبث الدولي.

لكن أكثر ما يؤلم استراتيجيا في عام 2024، هو انكشاف محدودية دور العرب دولا ونظاما، وعجز العرب ردع عربدة واعتداء وقتل وتدمير إسرائيل، ونحن نتابع بلا حول ولا قوة العدوان على غزة والقدس والضفة ولبنان وسوريا واليمن، وبدعم وشراكة أمريكية ـ غربية.

شهدنا في عام 2024 سقوط القيم والأخلاق والمنطق والعقل، وخواء دعاة الحريات وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، والاتفاقيات حوّلها الصهاينة لمهزلة العصر بالاستهزاء من قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، حتى بعد اتهام نتنياهو وحكومته بارتكاب ما يرقى لحرب إبادة وإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه المقال، وبرغم ذلك، استمر نتنياهو وزمرته المتطرفة بارتكاب حرب الإبادة بآلة القتل الصهيونية على غزة، التي لم تشبع وترتوي من دماء الأبرياء الفلسطينيين في غزة، بل تمددت آلة القتل والتدمير واستباحة حرمة وسيادة الدول لتشمل الضفة الغربية والقدس المحتلة، وازدادت العربدة الصهيونية لتجتاح لبنان وتشن حربا أخرى على لبنان، وتوسعت لتعتدي على سوريا واليمن وإيران بمهاجمتها مرتين في شهري نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.

كما صعّدت إسرائيل بتفجيرات البيجر واغتيال قيادات «حزب الله»، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصرالله وقيادات النخبة في فرقة الرضوان، وقيادات حماس السياسية والعسكرية بقيادة إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في غزة، وإبادة 50 ألف فلسطيني وأكثر من 100 ألف مصاب في 14 شهرا من حرب الإبادة المستمرة في غزة!

وانتهى العام بسقوط الأسد ونظامه وزبانيته، ما ينهي حكم أسرة وزمرة طاغية جثمت على صدور السوريين لأكثر من خمسة عقود دموية، فضحتها سجون المسالخ البشرية، وخاصة صيدنايا والمزة وتدمر، وعشرات السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية التي لا تزال تتكشف بشكل يومي من أقصى سوريا إلى أقصاها.

رافق ذلك عتق السوريين وفرحة انتصارهم التي يخطط البعض لسرقتها، وإغراق سوريا من جديد بثورة مضادة وافتعال احتراب وحرب داخلية، ووضع شروط على حكم الفصائل المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» -وقائدها أحمد الشرع-، الذي كان يعرف بـ «محمد الجولاني»، وهو منشق عن تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، والمطلوب أمريكيا بفدية 10 ملايين دولار، والمصنف «إرهابي عالمي»، وتنظيمه هيئة تحرير الشام  منظمة إرهابية أجنبية.

لكن ذلك كله، لم يمنع تعويمه وإلغاء الفدية الأمريكية ولقاء باربرا ليف نائبة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون منطقتنا مع الشرع وقيادة الهيئة، حتى قبل لقاء ممثلين من وزراء ومسؤولين عرب وغربيين، آخرهم وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا مع الشرع في دمشق.

والمفارقة، لا تزال جبهة النصرة مصنفة حتى من دول عربية منظمة إرهابية، ولا يزال أحمد الشرع أو الجولاني مصنفا إرهابيا، ولا تزال العقوبات القاسية مفروضة على سوريا برغم أن معظمها فُرض على الأسد ونظامه البائد. وجدّد الرئيس بايدن المودع نهاية ديسمبر الماضي عقوبات «قانون قيصر» لخمسة أعوام أخرى!! فيما يبقى تصنيف سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ رئاسة بوش الابن قبل ربع قرن، وسط مطالبات من الولايات المتحدة ومراكز دراسات ومقالات رأي، آخرها مقال ملفت في دورية «فورين أفريز» المرموقة قبل أيام بعنوان: «لا تكرروا أخطاء أفغانستان في سوريا»، في رسالة واضحة للولايات المتحدة والغرب والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، برفع العقوبات عن سوريا، وإدخال المساعدات، والسماح للشركات الأجنبية بالمشاركة بإعادة الإعمار والاستثمار في سوريا، مقابل إظهار مواقف واتخاذ خطوات وإجراءات وإصلاحات وضمانات الحكومة القادمة بمشاركة الأقليات والنساء.

كان عام 2024 عاما ثقيلا على محور إيران وأذرعها «محور المقاومة والممانعة»، وإعادة الترتيبات والتحالفات في المنطقة. صعود دور «الحوثيين» في اليمن بعد 10 أعوام من انقلابهم على الشرعية وحرب عاصفة الحزم بقيادة السعودية لإعادة الحكم الشرعي في اليمن.

حتى وصلت صواريخ الحوثيين الفرط صوتية إلى تل أبيب والقدس، وأدخلت ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ وأغلقت ميناء إيلات ومرات عديدة مطار بن غوريون الدولي للكيان، الذي يقدم نفسه الأقوى وجيشه الذي لا يُقهر في المنطقة! في انقلاب للمعايير وإثبات أن تنظيمات عسكرية مسلحة لا تملك سلاح طيران ولا سلاح مشاة مثل «حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحماس في غزة، يمكن أن تلحق خسائر بأفراد وعتاد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حرب غير متناظرة، لم ينتصر فيها أي جيش نظامي في العالم، بما فيه القوات المسلحة الأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان!!

ستسجل كتب التاريخ كان عام 2024 عاما فارقا في التاريخ، بما شهدناه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية من أحداث وتطورات وإنجازات ونجاحات وانتكاسات… ويبدو أننا نشهد في كل عام زيادة حالات الانكسار وندرة الإنجازات والانتصارات.

نأمل أن تحفز أحداث ونتائج صراعات ومواجهات وتحولات عام 2024، النظام العربي على بلورة مشروع عربي جماعي ينهي عجزنا وانكشافنا!

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل