قضايا وآراء

حركة "فتح" بين الأمس واليوم في الذكرى الـ60 لانطلاقتها

أحمد عويدات
يتساءل الكاتب: "هل يليق هذا بحركة فتح ذات الأمجاد والتاريخ النضالي العريق والإنجازات التي يفخر بها كل ثائر، بل كل فرد من أفراد شعبنا؟"- جيتي
يتساءل الكاتب: "هل يليق هذا بحركة فتح ذات الأمجاد والتاريخ النضالي العريق والإنجازات التي يفخر بها كل ثائر، بل كل فرد من أفراد شعبنا؟"- جيتي
في أحراش يعبد ونفق عيلبون في الأول من كانون الثاني/ يناير عام 1965؛ أُعلن عن انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني" فتح"، وأعلن عن استشهاد شهيد الثورة الأول "أحمد موسى"، لتبدأ مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني، شكلت له الجماهير الفلسطينية والعربية حاضنة قوية، لما جسد لها من طموحاتٍ وآمال لتحرير فلسطين وهزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة، وأصبحت هذه الانطلاقة تأريخا لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. وكان شعار "فتح ديمومة الثورة والعاصفة شعلة الكفاح المسلح"، ملهما لأطياف الشعب الفلسطيني وحركات وفصائل العمل الوطني كافة، في تصعيد النضال وتعزيزه ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية، مما أكسبه الدعم الواسع من أحرار العالم والقوى الثورية فيه، فحاز الكفاح الفلسطيني ممثلا بقائده الرمز أبو عمار على راية الثورة العالمية؛ تقديرا لنضال شعبنا في مسيرة الثورة العالمية، وفي مناهضة الصهيونية والإمبريالية والاستعمار.

ومع تلاحق التطورات والأحداث العالمية، وتراجع موازين القوى لصالح القوى المضادة والعالم الغربي، وزيادة الهيمنة الأمريكية في العالم، وبروز سياسة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، وانكشاف ظهر الثورة بخسارة داعميها وحلفائها؛ تفشى الفساد والتجاوزات داخل صفوفها، وذلك من خلال دور العملاء والمنتفعين وتدخلات الأنظمة الرجعية منها والتقدمية، وتكالب مؤامرات التصفية للوجود الفلسطيني المسلح في دول الطوق، وبدأ الحديث عن التسوية والتراجع عن مبادئ النضال الفلسطيني وأهدافه.

 لم يكن متوقعا أن تصل الروح الانهزامية لدى المقاوم الفتحاوي إلى هذه الدرجة من التنازل والمساومة، بل إلى الاصطفاف في خندق الأعداء، وكأننا أصبحنا أمام ثورة مضادة، من خلال ما تقوم به السلطة الوطنية في رام الله؛ ممثلة بأجهزتها الأمنية القمعية، التي تقوم بحصار المقاومين وملاحقتهم واعتقالهم أو قتلهم، والمطالبة أيضا بتسليم السلاح تحت ذرائع واهية، واعتبارهم خارجين عن القانون.

وبرغم كل هذا الاختلال في موازين القوى وضعف الدعم العربي وحصار الثورة، لم يكن متوقعا أن تصل الروح الانهزامية لدى المقاوم الفتحاوي إلى هذه الدرجة من التنازل والمساومة، بل إلى الاصطفاف في خندق الأعداء، وكأننا أصبحنا أمام ثورة مضادة، من خلال ما تقوم به السلطة الوطنية في رام الله؛ ممثلة بأجهزتها الأمنية القمعية، التي تقوم بحصار المقاومين وملاحقتهم واعتقالهم أو قتلهم، والمطالبة أيضا بتسليم السلاح تحت ذرائع واهية، واعتبارهم خارجين عن القانون، وأنهم ينفذون أجندات خارجية، ذلك في الوقت الذي تُشن فيه أبشع حرب نازية على شعبنا في قطاع غزة، وارتكاب مختلف أشكال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

والأكثر غرابة، أن تصدر تصريحات من أعلى المستويات في السلطة وحركة فتح، أمثال محمود الهباش المتأرجح دينيا، والجاغوب وأنور رجب وحسين الشيخ، والسفير الفلسطيني في الأردن، وأحمد المجدلاني المصطاف على شواطئ هرتزيليا، ولعل أبلغها وآخرها، ما صرح به الفريق رجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة بقوله؛ بأن "لا وحدة وطنية مع هؤلاء"، و"أن مهمة الأمن الفلسطيني ليست مقاومة الاحتلال أو الاشتباك معه". إذن، ما هي مهمته وما هو دوره؟ ألا يتماهى هذا مع أهداف الاحتلال بقتل المقاومين ونزع أسلحتهم، وتدمير المخيم الرمز والأيقونة جنين؟ ألا يستهدف هذا ما يرمز إليه هذا المخيم لحق العودة وقضية اللاجئين؟ وهل أصبح تسليم المناضلين بل عشرات المناضلين منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى يومنا هذا، وممارسة القمع من قبل الأجهزة الأمنية بحق شعبنا وحصار المخيم، هي المهام الحقيقية لهذه الأجهزة؟ هل هذه التصريحات وهذه الممارسات تتناسب مع الوحدة الوطنية المنشودة؟ وهل يليق هذا بحركة فتح ذات الأمجاد والتاريخ النضالي العريق والإنجازات التي يفخر بها كل ثائر، بل كل فرد من أفراد شعبنا؟ هل يمثلها هذا الخطاب؟ أليس هذا تنكرا لدماء الشهداء والشهداء القادة الذين سقطوا دفاعا عن البندقية والقضية؟ ألا يشكل هذا طعنا للمواجهة الأخيرة التي أبداها القائد الرمز أبو عمار ضد قوات الاحتلال قبل استشهاده؟

أية قراءة موضوعية لكل هذه الممارسات، ليس لها إلا تفسير واحد؛ وهو تقديم أوراق اعتماد جديدة للإدارة الأمريكية القادمة إلى البيت الأبيض ولقادة "إسرائيل"؛ تمهيدا لليوم التالي للحرب في غزة، وتمهيدا لاستحقاق "خلافة فخامة الرئيس"، واستعراضا للقوة، ووفاء لتعليمات دايتون، ولإقناع قادة الاحتلال والأمريكان بقدرة الأجهزة الأمنية والسلطة الوطنية على الإمساك بزمام الأمور.

إن أية قراءة موضوعية لكل هذه الممارسات، ليس لها إلا تفسير واحد؛ وهو تقديم أوراق اعتماد جديدة للإدارة الأمريكية القادمة إلى البيت الأبيض ولقادة "إسرائيل"؛ تمهيدا لليوم التالي للحرب في غزة، وتمهيدا لاستحقاق "خلافة فخامة الرئيس"، واستعراضا للقوة، ووفاء لتعليمات دايتون، ولإقناع قادة الاحتلال والأمريكان بقدرة الأجهزة الأمنية والسلطة الوطنية على الإمساك بزمام الأمور، متناسين مشاريع الضم والتهويد التي عبر عنها قادة الاحتلال وأركان الإدارة الأمريكية القادمة، ومتناسين فكر الصهاينة وعقيدتهم التي نبع منها مشروع نتنياهو للشرق الأوسط الجديد، في الاستيلاء على الأرض وتهجير أبناء شعبنا إلى مناف جديدة، وتصفية القضية الفلسطينية عبر القضاء على المقاومة.

أليس من العار أيها المقاوم الفتحاوي الأصيل الملتزم، أن تخلع ثوبك وترتدي ثوب الرجل القمعي السلطوي الدايتوني ضد شعبك ومقاوميه؟ وأنتم يا سيادة الفريق رجوب، كم كنا مزهوين وفخورين بحديثكم مع الشهيد صالح العاروي، في المقابلة التي جمعتكما وأنتما تتحدثان عن الوحدة الوطنية ووأد الانقسام! وكم كنا نفخر برؤيتكم تحملون راية فلسطين وأنتم تتقدمون وفدها الرياضي في المحافل الدولية! وكم ترك في نفوسنا أثرا طيبا ذاك الاعتقال والاحتجاز الأخير لسيادتكم من قبل الصهاينة، متجاوزين حصانتكم! وقلنا حينذاك؛ إنه لشرف كبير لكم وبراءة تامة من اتهامات السوء التي سبق أن قيلت عنكم. ليس من الجائز يا سيادة الفريق، أن تُلقي بتاريخك النضالي المشرف، وسنوات اعتقالك الـ17 إلى مهاوي التراجع والتماهي مع أجندة المحتلين، ولا يليق بك أن تتخلى عن دور المقاوم الفتحاوي الأصيل الملتزم، الذي مارس الكفاح المسلح قولا وفعلا، ولم يأبه آنذاك لموازين القوى واختلالها، وكنت ترى في الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيكا، كما نصت عليه مبادئ الحركة.

نأمل يا سيادة الفريق، أنت وإخوتك الآخرون في الحركة، العودة معا؛ لنتمثل مبادئ وأهداف حركتنا فتح التي انطلقت من أجلها قبل 60 عاما، ونأمل أن نوقد شعلة الثورة مع كل فصائل العمل الوطني، ونلقي باتفاقات أوسلو وملاحقها إلى مزابل التاريخ، التي قال عنها ذات يوم القائد الرمز أبو عمار؛ إن "أوسلو فخ، وقد وقعنا فيه".

نأمل يا سيادة الفريق أن تتقدم صفوفنا، ونحمل راية فلسطين معك ووراءك؛ لكي تبقى فتح ديمومة الثورة وشعله الكفاح المسلح.

ahmadoweidat2@gmail.com
التعليقات (0)

خبر عاجل