مقالات مختارة

شيطان خراب إسرائيل!

رشاد أبو داود
تايمز أوف إسرائيل
تايمز أوف إسرائيل
بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، جاء إلى حارتنا في جناعة عجوز وزوجته، يرتدي قبعة مدورة «برنيطة». قميص الرجل كان كحديقة مشجرا مائلا إلى الاخضرار، فوق سروال قصير كاكي بلون الأرض. أما زوجته المسنة، فكان فستانها أزرق قصير الأكمام، موشحا بالبياض كطيور مهاجرة.

كلاهما كان وجهاهما أحمرين كحبتي مشمش لفحتهما الشمس. عرفنا من شكلهما أنهما أجنبيان. تجمع أولاد الحارة حولهما. من كان يافعا استعرض ما حفظه في المدرسة من كلمات إنجليزية ليجيب على أسئلة الرجل. فهمنا أنه كان يسأل عن رجل وذكره بالاسم الرباعي. مشينا معهما إلى دكان أبو خليل، وقلنا له: هذا هو.
كان أبو خليل في أوائل السبعينيات، منتصب القامة، حاجبان كثيفان يكاد شعرهما يحجب الرؤية عن عينيه الموغلتين في الحزن، ووجهه كان أبيض لوحته شمس الغربة عن قريته «سلمة»، إحدى قرى يافا التي احتلها اليهود مع ما احتلوه العام 1948 وهجروا أهلها.

ما إن رأى الرجلان بعضهما بعضا، ودون كلام، تعانقا عناقا طويلا مبللا بدموعهما، فيما نحن الأولاد ننظر بدهشة إليهما. كانت زوجة الرجل هي الأخرى تنظر، لكن بفرح أعادها ثلاثين سنة إلى الوراء. «يللا يا أولاد، روحوا لبيوتكم»؛ صاح بنا أبو خليل، واستفرد هو وعائلته بالرجل الأجنبي الأحمر وزوجته المسنة.
في المساء، تداول أهل الحارة الحكاية:

الرجل يهودي ألماني، هرب وأهله من النازية إلى فلسطين، وأبو خليل فلسطيني ذو جذور ضاربة في تاريخ البلد، عاشا جيرانا متحابين في فلسطين قبل قيام الكيان الإسرائيلي، لكن الرجل لم يكن صهيونيا، فهاجر مع عائلته إلى أستراليا.

تذكرت تلك الحادثة التي سبق أن كتبت عنها وأنا أقرأ ما يقوله رؤوفلين ريفلين، الرئيس العاشر لإسرائيل 2014 – 2021 عن أن حل الصراع الدامي يكمن في إقامة « كونفيدرالية إسرائيلية فلسطينية «من النهر إلى البحر»، فلا أي منا يستطيع إلغاء الآخر.

يتحدث ريفلين المولود في القدس 1939 عن الحياة التي كانت في فلسطين قبل إنشاء إسرائيل بحميمية دافئة: «لقد هاجرت عائلتي للبلاد عام 1890، وطالما تعاملت مع العرب كأبناء البلاد أبناء الوطن. وهكذا تعاملنا مع أنفسنا في القدس».

ويكشف في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن فزع اليهود في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية، حينما كان الجيش النازي بقيادة رومل يتقدم في شمال أفريقيا نحو مصر والبلاد: بالنسبة لليهود، كانت تلك الأيام مرعبة. كانت علاقة عائلتي بعائلة نسيبة وفريج والحسيني متينة، وكنا نتحدث بالعربية. فوالدي يوسيف يوئيل ترجم القرآن للعبرية.

وأذكر في طفولتي قمنا بزيارة لعائلة فريج في بيت لحم عام 1942، حيث جلس الجميع على شرفة البيت وتحدثوا عن الحرب عشية معركة العلمين. وكان أصدقاؤنا العرب في تلك المحادثة في بيت لحم يقولون لوالدي: الألمان سينتصرون في الحرب، ولكن لا تقلقوا فعندما يصلون للبلاد، سنقوم نحن بحراسة عائلتكم، فكان والدي يبتسم ويقول: لا، سينتصر مونتيغومري في الحرب، وسيعمق الإنجليز انتدابهم في البلاد. وسيمكوننا من إقامة دولة يهودية بناء على قرار مؤتمر سان ريمو عام 1920، وفي دولة إسرائيل لن أحتاج لحراستكم؛ لأن القوانين فيها ستحميكم وتحمي حقوقكم.

حديث ريفلين للصحيفة جاء بمناسبة إصدار كتابه الجديد «رئيس فوق مياه هائجة»، ومع أنه يعد ليكوديا متشددا قبل أن يظهر على الساحة من هم أكثر تشددا منه، أعني بن غفير وسموتشريتش، فإنه يعني بالعنوان بنيامين نتنياهو، حيث يقول:

قال لي شامير رئيس الوزراء الليكودي آنذاك: لا تخطئ يا ريفلين، فأنا أعلم أنك معني بنتنياهو؛ لأنك تريد لليكود أن يقوى وينجح، ونتنياهو يتمتع بقدرات بيانية كبيرة. أنا عيّنته نائبا لوزير الخارجية، وأنا أيضا تعاملت معه كشخص يدفع الليكود للأمام، لكنه حالة شريرة مرضية، وهو لا يرى سوى نفسه، وهو ملاك الخراب من شأنه أن يهدم كل شيء. أعلم أن الدولة مهمة لك، ولذا كن حذرا من دفعه للأمام، وهو لن يفي بأي وعد يقطعه.

ها هو نتنياهو يريد احتلال أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا، لتحقيق المخطط الصهيوني المتطرف جدّا باقامة «إسرائيل الكبرى» من الفرات إلى النيل. إنه يندفع ليس إلى الأمام فقط، بل إلى النهاية؛ نهاية «إسرائيل»!!

الدستور الأردني
التعليقات (0)

خبر عاجل