بورتريه

بوتفليقة.. رئيسا على كرسي متحرك (بورتريه)

عبد العزيز بوتفليقة- عربي21
عبد العزيز بوتفليقة- عربي21
هو الرئيس العاشر للجزائر، تجاوز المدة القياسية في الحكم والتي سجلت في السابق لصالح  الرئيس هواري بومدين ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً بحوالي 15 سنة بينما كانت مدة حكم  بومدين 13 سنة.

بقي في الحكم في سنوات الجمر والرماد، سنوات ما يسمى "الحرب الأهلية" ومثل استثناء كبيرا جدا لقاعدة سياسية ذهبية تكررت لحوالي عقد من الزمن وهي أن الجزائر لم تعرف رئيسا أكمل فترته الرئاسية.

شهدت الجزائر منذ الأزمة السياسية الدموية التي عصفت بها على إثر إيقاف الدور الثاني للانتخابات التشريعية عام 1991 والتي فاز فيها الإسلاميون، أربعة رؤساء وهم على التوالي: الشاذلي بن جديد الذي تم إجباره على الاستقالة من قبل 180 ضابطا عسكريا يقودهم اللواء خالد نزار، ثم محمد بوضياف الذي تم اغتياله بعد بضعة أشهر من ترؤسه للدولة، ثم علي الكافي الذي لم يعمر طويلا، فالرئيس اليمين زروال الذي انسحب مبكرا وقبل إنهاء عهدته. فقط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قدم استثناء.

لابد من فهم سوسيولوجي تاريخي لطبيعة الصراع في الجزائر الذي يتكون من مؤسسات أكثر منه صراع أيديولوجيات أو حتى أفراد، فهو صراع موضوعي وليس صراعا ذاتيا، مستقلا عن إرادة الأفراد ومتكررا عبر التاريخ. انحصر هذا الصراع أساسا بين مؤسستين: المؤسسة العسكرية من جهة ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى.

وقد نجح الجيش في السابق في فرض إرادته على كل الرؤساء الذين حكموا الجزائر منذ تقديم بن جديد استقالته إلى حد وصول بوتفليقة إلى الرئاسة عام  1999 بعد انتخابات انسحب منها منافسوه في آخر لحظة ليتركوه ينتصر وحيدا.

نجح بوتفليقة في تعديل الدستور وشق المؤسسة العسكرية وإخراج ضباط كبار من الجيش، وحشد حوله أحزاب كثيرة، ساعده في ذلك أموالا طائلة تدفقت على البلاد بعد عائدات نفطية هائلة لم تكن متوقعة وصل فيها سعر برميل النفط إلى 147 دولار. وبينما دعمت السلطة الاشتراكية قبلا، جاء دور النفط ليدعم السلطة. 

ورغم أن كثيرين يعتبرونه مهندس المصالحة الوطنية التي وضعت حدا لحرب أهلية أسفرت عن سقوط 200 ألف قتيل على الأقل، فقد وصف وزير سابق عمل في حكومة بوتفليقة من 1999 إلى 2002 الرجل بأنه "مزاجي" وبدون أي مشروع سياسي، حتى أن "رؤساء الحكومات كانوا لا يجرؤون على الحديث خلال اجتماع مجلس الوزراء نظرا لاحتقاره لهم".

ويتذكر الوزير السابق في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية نشر في شباط الماضي أن بوتفليقة دافع مرة بقوة عن عودة التدريس باللغتين العربية والفرنسية كما كان الحال حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، "ثم تراجع وحذّر بشدة من المساس بالمكانة المقدسة للغة العربية".

ولد بوتفليقة الذي يستعد لخوض انتخابات نيسان(إبريل) المقبل، بمدينة وجدة المغربية وهو من أصول امازيغية، ودخل مبكراً الخضم النضالي من أجل تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي  حين التحق بعد نهاية دراسته الثانوية بصفوف جيش التحرير الوطني الجزائري وهو في 19 من عمره وكان ذلك في عام  1956.

وغداة الاستقلال في تموز(يوليو) 1962 أصبح عضوا في أول مجلس تأسيسي وطني وعين وزيرا  للشباب والرياضة والسياحة في أول حكومة للرئيس أحمد بن بلة.

ولم يمنع سنه الصغير (26 عاما) وقامته القصيرة وجسمه النحيف من تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً لمحمد خميستي الذي اغتيل أمام المجلس الوطني (البرلمان) في نيسان(ابريل) 1963، وبقي في هذا المنصب 16 عاما إلى ما بعد وفاة هواري بومدين.

  شارك بصفة فعالة في انقلاب 19 حزيران (يونيو) على الرئيس أحمد بن بلة، وصار لاحقا عضواً لمجلس الثورة تحت رئاسة بومدين.

و عندما تقلد منصب وزير الخارجية جعل المنصب منبراً للدفاع عن المصالح المشروعة للجزائر ومناصرة القضايا العادلة بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.و عمل على الاعتراف الدولي بالحدود الجزائرية وتنمية علاقة حسن الجوار مع البلدان المجاورة.كما دعا للوحدة العربية بمناسبة قمة الخرطوم عام 1967 ثم تزامنا مع حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973.

وطوال الفترة التي قضاها في الحكومة شارك في تحديد الاتجاهات الكبرى للسياسة الجزائرية في جميع المجالات منادياً داخل الهيئات السياسية بنظام أكثر مرونة.

وبعد وفاة بومدين، وبحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تربطه به ألقى كلمه الوداع مما جعله هدفا لسياسة محو آثار الرئيس بومدين (البومدينية)، ولفت بوتفليقة منذ توليه وزارة الخارجية أنظار المجتمع الدولي، قبل أن يتعرض للتهميش والاتهام بالفساد بعد وفاة بومدين في كانون الأول(ديسمبر) 1978، بعد أن كان من أقرب مقربيه ومرشحا لخلافته، فقرر الابتعاد عن الحياة السياسية في 1981 والإقامة في دبي وسويسرا.

بعد نحو أربع سنوات عاد إلى الجزائر عام 1987 لينظم إلى الموقعين على وثيقة الـ 18 التي تلت أحداث تشرين الأول ( أكتوبر) 1988، وشارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في عام 1989 وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب، ويقال أنه عاد إلى البلاد بطلب من دوائر السلطة تمهيدا للانتخابات الرئاسية.

لكنه تريث قليلا ليعلن بعد سنوات قليلة عن نيته دخول المنافسة الرئاسية في كانون الأول ( ديسمبر) 1998 كمرشح حر، وقبل يوم من إجراء الانتخابات أنسحب جميع المرشحين المنافسين الآخرين (حسين آيت أحمد، مولود حمروش، مقداد سيفي، أحمد طالب الإبراهيمي، عبد الله جاب الله، يوسف الخطيب) بسبب دعم الجيش له ونية التزوير الواضحة، ليبقى هو المرشح الوحيد للانتخابات. 

نجاحه بالانتخابات في نيسان ( أبريل) 1999 لم يكن مدويا لدى الجزائريين فقد وصفته الأوساط السياسية ب"الرئيس المستورد مثله مثل الرئيس بوضياف" كاشفاً الخلل العميق في السلطة، ولم تكن شعبيته عالية وسط جيل الشباب الذي لم يعرفه من قبل وبعضهم لم يسمع به.

ونتيجة لذلك شهدت فترة رئاسته الأولى مشاكل سياسية وقانونية ومشاكل مع الصحافة وخرق الحريات، وفضائح المال العام مع بنك الخليفة وسياسة المحاباة في الحقائب الوزارية، والصفقات الدولية المشبوهة مثل التلاعب في المناقصات من أجل شركات الاتصالات للهواتف المحمولة .

ويقول معارضون له انه كان يمرر كل القوانين والتعديلات الدستورية بدعم من حزبه جبهة التحرير الوطني وحليفه الدائم التجمع الوطني الديمقراطي ومساندة خفية من المؤسسة العسكرية.

وقد بادر بوتفليقة بدعم من حلفائه في السلطة إلى إعادة السلم إلى بلاده التي أنهكتها "حرب أهلية" كما وصفها في سنوات التسعينيات، و قدّم قانون الوئام المدني للاستفتاء الشعبي ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وهو ما سمح في عام 2005 بإطلاق سراح ألاف الإسلاميين من السجون، وإلقاء السلاح من قبل آخرين والعودة إلى الحياة الطبيعية مقابل "العفو عنهم" وعدم مطاردتهم قضائيا.

لكن تلك "المصالحة " لم توقف الهجمات بصفة نهائية في البلاد التي شهدت تفجيرات في عام 2007 ضد قصر الحكومة والمجلس الدستوري ومكتب للأمم المتحدة.

وعادت المخاوف لدى العواصم الغربية من تدهور الوضع الأمني مجدداً بعد هجوم مجموعة مسلحة في كانون الثاني(يناير) 2013 على الموقع الغازي في ان اميناس شرق الصحراء وحجز مئات الرهائن الجزائريين والأجانب قتل منهم 37. 

في شباط ( فبراير) 2004 أعلن عن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، فقاد حملته الانتخابية مستندا إلى النتائج التي حققتها فترته الرئاسية الأولى، ومدافعاً عن الأفكار والآراء الكامنة في مشروع المجتمع الذي يؤمن به خاصة المصالحة الوطنية، ومراجعة قانون الأسرة، ومحاربة الفساد، ومواصلة الإصلاحات. وأعيد انتخابه في نيسان(إبريل) من نفس العام بما يقارب 85% من الأصوات.

سنوات العسل لم تدم طويلا وما لبثت أن شهدت انتكاسة بعد  دخوله المستشفى العسكري في باريس أول مرة في عام 2005 للعلاج من قرحة في المعدة، وأصبح اختفاؤه يثير التساؤلات ويتسبب في انتشار شائعات حول وفاته، وبدون وجود نائب رئيس وقعت البلاد في فوضى إعلامية، وكان إن سمع الجزائريون الأخبار شبه الرسمية عن صحة رئيسهم من أحد مغني الرأي. 

 واتهمت أجهزة التلفاز الرسمية أوساط أجنبية بإثارة الشائعات حول وفاة الرئيس، ودعم نظرية المؤامرة الخارجية هذه الكشف عن تعرض بوتفليقة لمحاولة اغتيال في باتنة (400 كم عن العاصمة)  في كانون الأول ( سبتمبر) 2007 حيث وقع انفجار قبل 40 دقيقة من وصوله للمنصة الشرفية خلال جولة له شرق البلاد، وقد خلف الحادث 15 قتيل و71 جريح.

التفجير تم بواسطة انتحاري يحمل حزاما ناسفا تم اكتشاف أمره من طرف شرطي فهرب إلى الجمهور الذين ينتظرون الرئيس ففجر نفسه بين الحشود.

بعد تعديله للدستور الجزائري الذي كان يمنع ترشح الرئيس لفترة ثالثة، أعلن عن رغبته الترشح لعهدة رئاسية ثالثة بعد أن حدد النص السابق للدستور عدد العهدات باثنين فقط، وفي نيسان (أبريل) 2009 أعيد انتخابه للمرة الثالثة على التوالي بأغلبية قدرت بنسبة 90.24%.

ومرة أخرى أصيب بوتفليقة بانتكاسة مرضية كبيرة في نيسان(ابريل) الماضي بسبب جلطة دماغية أبعدته عن الجزائر ثلاثة أشهر حيث نقل مباشرة إلى مستشفى "فال دو قراس" العسكري في فرنسا.

وعاد بعدها إلى الجزائر على كرسي متحرك ليخضع لفترة نقاهة لم يعلن بعد خروجه منها، وذلك رغم ظهوره في التلفزيون الرسمي أثناء انعقاد مجلس الوزراء أو عند توقيع ميزانية الدولة أو حين استقبال بعض زائريه.

وهو  ما زاد في الجدل حول قدرة الرئيس على تولي مهام الحكم في البلاد، ودفع هذا الوضع الصحي ببعض أحزاب المعارضة للمطالبة بإعلان شغور المنصب وتنظيم انتخابات مسبقة وفقا للمادة 88 من الدستور بسبب "عجز الرئيس عن أداء مهامه " ولم تجد أصوات المعارضة هذه صدى لدى معسكر بوتفليقة الذي أعلن في شباط (فبراير) الماضي عن ترشحه لعهدة رئاسية رابعة وسط جدال حاد في الجزائر حول صحته و مدي قدرته على القيام بمهامه كرئيس دولة.

نجاح بوتفليقة في البقاء في الحكم يضع الجزائر أمام معضلة "الوراثة في الثورة " فبعد الكفاح الشرس للجزائريين ضد فرنسا انتهى باستقلال، تبعته وراثة سلطوية للحكم بين "الأخوة الأعداء" في النضال" المجاهدون"، غيّر انقلاب عسكري في عام 1992  سياسة أربع سنوات من الانفتاح في الثمانينات للرئيس بن جديد الذي فتح الباب للإسلاميين للوصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع ، انقلاب العسكر، جعل الشاذلي يستقيل، حين نجح الإسلاميون في الدورة الثانية للانتخابات.

 ومنذ ذلك الحين، والدولة في مراحل انتقالية وتقاسم للسلطة في غياب كامل للشعب الجزائري عن المشهد الرسمي.
 متى تخرج البلاد من نفق تحالف النفط والعسكر والفرنسيين.؟!
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل