كتاب عربي 21

عن الشرعية التي لا تصنعها صناديق الانتخابات

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
 (صندوق الانتخابات هو طريق الشرعية الوحيد، إما أن تخضعوا لشرعية صندوق الانتخابات وتصمتوا ولا تعترضوا وإلا فتذهبوا للجحيم)، كان هذا مضمون ما يقوله الإخوان لمعارضيهم قبل عزل مرسى، كانت المعارضة تتحدث عن ضرورة التوافق وأن الديموقراطية لا يمكن حصرها في عملية الانتخابات، وأن الشرعية ليست بنتائج الصناديق فقط ولكن تمسك الإخوان بموقفهم حتى سقوط حكمهم.

تمر الأيام وتتبدل المقاعد ويخرج أنصار السلطة الحالية في مصر يقولون مثلما قال الإخوان ويهاجمون المعارضين متشدقين بنتائج صناديق الانتخابات التي يزعمون أنها تعبر عن إرادة الأغلبية وتعكس المزاج الشعبي العام، لذلك هم يطلبون من المعارضين الصمت عن الانتقاد ويتهمونهم بالتآمر ضد الدولة وعرقلة السلطة عن تحقيق التنمية التي تنتظرها الجماهير.

الشرعية كلمة تم ابتذالها في مصر على مدار العقود الماضية فكل من يصل للسلطة يحتكر الشرعية ويحصرها في وجوب انقياد الجميع لهواه ورغباته دون أي التزام مقابلٍ يؤطر حدود الشرعية التي قد تسقط وتنفك عراها إذا فقدت العوامل التي تجعلها قائمة.

التعريف الأشهر للشرعية هو القبول العام لسلطة سياسية وقدرتها واحترامها للدستور والقانون المنظمين للعلاقة بين من خولت إليه السلطة والمواطنين، ويوضح الدكتور سيف عبد الفتاح ثلاثة اتجاهات لتعريف الشرعية يحصرها في:

أولا: اتجاه قانوني يُعرِّف الشرعية بأنها "سيادة القانون"، أي خضوع السلطات العامة للقانون والالتزام بحدوده، ويمتد القانون ليشمل القواعد القانونية المدونة (الدستور) وغير المدونة (العُرف). 

ثانيا: اتجاه ديني (القانون الإلهي): ويُعرِّف الشرعية بأنها "تنفيذ أحكام الدين (القانون الإلهي)، وجوهره أن النظام الشرعي هو ذلك النظام الذى يعمل على تطبيق قواعد الدين ويلتزم بها (القانون الإلهي). 

ثالثا: اتجاه اجتماعي - سياسي: حيث تُعرَّف الشرعية بأنها "تقبُّل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية، لاعتقادهم بأنه يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويعبر عن قيمها وتوقعاتها، ويتفق مع تصورها عن السلطة وممارساتها".

ومن كل التعريفات السابقة نخلص إلى أن الشرعية مشروطة مثلها مثل العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة والذى يصبح غير قائم إذا انتهكت الدولة (السلطة) بندا من بنوده، وهذا يدحض خرافة أن من أتى عبر صندوق انتخابات ارتدى ثوب الشرعية للأبد، وما بالك إذا كانت هذه الانتخابات قد تمت في جو شحن عاطفي واحتكار إعلامي وبيئة حقوقية متهالكة ترافقها بيئة تشريعية مشكوك في نزاهتها؟ ونفس الأمر ينطبق على الانتخابات التي قد تتم في ظروف تمييز ديني أو وطني أو عرقي وما جاء هتلر للحكم وحزبه النازي إلا عبر انتخابات تمت في مثل هذه الأجواء!.

الشرعية لا تكتمل ولا تتحقق دون وجود هوية وطنية مشتركة بين السلطة وقطاعات الشعب المختلفة، فإذا تعثرت السلطة في إقامة الجسور الممتدة مع من تحكمهم تتآكل شرعيتها وتتحول لشرعية القوة والبطش والأمر الواقع، وإذا مارست أي سلطة تمييزا واضطهادا تجاه فئة معينة من الناس على أي أساس ديني أو فكرى أو سياسي أو عرقي أو ثقافي أو جيلي فإن شرعيتها تهتز لأنها فقدت القبول العام مهما كان حجم أنصارها الذين لن يصبحوا أبدا كل الشعب.

هناك عوامل متعددة تُسقط الشرعية، منها الخروج على الدستور والقانون وممارسة الإقصاء والقمع وكذلك محاولات تحويل الدولة لاتجاه أحادي الرأي والقرار يوافق رغبات الحاكم وأهواءه، وفى كل عصر تنتشر فئة المنافقين والمنظرين الذين يبررون للسلطة كل خروج عن الدستور والقانون وانتهاك حقوق الإنسان، وإذا بحثت في أوراق التاريخ البعيد والقريب والحالي ستجد خفافيش القبح تحلق لتضفي المشروعية على كل سلطة سقطت شرعيتها أو تآكلت.

لماذا الحديث عن الشرعية مهم للحالة المصرية الآن؟ لأن هناك تيارا معاديا للديموقراطية وكارها للثورة يعتقد ويروج لشرعية البطش والقمع وإخراس الأصوات المعارضة، معتمدا على خرافة شرعية الصناديق الدائمة، ويدعو لدولة الرأي الواحد والزعيم الملهم ويتلمس خطى مراحل تاريخية قادت مصر إلى نكسات وهزائم.

يقول بعضهم: "ارضوا بالقمع لأنه ضرورة حتى لا تصبحوا مثل سوريا والعراق"، والحقيقة أن هذا المسار سيأخذنا إلى ما هو أشد مأساوية من هذه النماذج، هذا النموذج منتهى الصلاحية وثبت فشله التام ومحاولة إعادة إحيائه وتجميل قبحه لن تفيد.

لا استقرار يأتي تحت سوط الجلادين، ولا أمان يأتي باستبداد الحاكمين، ولا تقدم لوطن يصنعه الخائفون، إذا تحقق استقرار تحت لهيب السوط فهو استقرار زائف أو استقرار جبري سينتهى بتصدع النظام وسقوط أركانه تحت أقدام ملايين الجوعى والمظلومين واليائسين.

سنن الكون لا تتغير ولكن الطغاة لا يتعلمون من دروس التاريخ، وهذا من حسن حظ الشعوب.

alnagaropinion@gmail.com
التعليقات (4)
سامح محى
الجمعة، 17-10-2014 04:25 م
بزمتك دة كلام واحد متعلم؟ كيف لك مقارنة هذا بذاك؟ هل بعد القتل وحرق الجثث وحرق المساجد وإغلاقها واعتقال الآلاف واغتصاب الفتيات والتنكيل بكل مايقول لا وإقصاء كل التيار الذى اختاره الشعب فى كل الاستحقاقات مابعد ثورة يناير ان تسمى هذة الاهبلة بانتخابات وتقارنها بانتخابات الاخوان؟
أحمد رمضان
الثلاثاء، 14-10-2014 05:41 م
أحسنت يا دكتور والله
احمد
الإثنين، 13-10-2014 02:04 م
المقال فيه مغالطات تتمثل فى مقارنه بين موقف الإخوان عندما وصلوا للسلطةبالاختيار الحر للشعب وبين الانقلابيين الذين جاؤوا على ظهر الدبابات وأجساد ودماء آلاف الشهداء وشارك فى الجريمة عدم احترام قوى كانت تدعى احتلرام الديمقراطية وخياراتها وإذبها تنقلب على ذلك حينما لم تأتى الديمقراطية بهم ......وللتصحيح الإخوان أول من دعوا إلى التوافق حول رئيس يمثل الثورة قبل أن يعلنوا نيتهم تقديم مرشح وكنا جميعاً نستهزء بهم واليوم نقاتل نحن الكترونياً والاخوان يقاتلون بدمائئهم ويدفعون الفاتورة وحدهم....فلا نامت أعين الجبناء
ابراهيم احمد النقلي محام
الإثنين، 13-10-2014 01:10 م
للأسف كلمات حق يراد بها باطل ......المقصود بشرعية الصناديق هي شرعية الارادة الحرة للناخبين في اختيار النظام الذي يدير شئون مجتمعهم في استحقاقات حرة شفافة ونزيهة ...أما مساواة هذة الشرعية بانتخابات مزورة بناء علي تغيير نظام الحكم بالقوة بادعاء ان هذه ارادة شعبية فهذا قمة الخلط والتجاوز ...ولعلك سيدي النائب قد دخلت هذا المعترك في حالته الأولي ولا ندري هل ستسعفك ماتسميه بالمشروعيه الحالية في ادراكه مرة أخري ...اما القفز علي مشروعية الصندوق الحقيقية بادعاء وجود توافق واجماع وطني أولا فهو بذاته العودة الي المربع صفر ..اذ لايمكن وجود هذا التوافق عملا ودستورا الا من خلال الصندوق الشفاف النزيه ...والا سمحنا لقلة تتحكم في اتجاها ت الاعلام والمال ان تفرض شروطها علي المجتمع ولو بالقوة المسلحة بزعم الارادة الشعبية وهو ماحدث بالفعل