"ديوان السَّفَر" مشروع كتاب بدأت فيه منذ عشر سنوات تقريبا، وهو مجموعة نصوص أدبية تتضمن خواطر عن السفر، ووصفاً لبعض أسفاري، وبعض المدن التي زرتها، وذكريات ومواقف إنسانية قد يستفيد منها القارئ.
"ديوان السَّفَر" كتاب إذا أردت تصنيفه فأظنه سيصنف ضمن (أدب الرحلات)، ولكنه كتاب فريد في تاريخ هذا الأدب، ذلك أن كتب (أدب الرحلات) ستجدها دائماً قد كُتبت من منطلق عشق السفر، أما "ديوان السَّفَر" فلعله الكتاب الوحيد في (أدب الرحلات) الذي كُتب من منطلق كُرْهِ السفر !
لا يوجد إنسان على وجه الأرض دون عُقَد، ومن ضمن فضل الله ونعمه عليَّ أنني أعرف عُقَدي الشخصية، وأتعايش معها، وأعالجها.
لقد ولدت خارج وطني، وقضيت عقدين من الزمن لا أرى بلدي إلا في العطلة الصيفية، وهذا سبب عقدة لديّ، ونتج عن ذلك أنني كرهت السفر، وأصبحت لا أسافر إلا مضطراً، ولا أستمتع بالسفر كما يستمتع به الشخص السوي.
في عام 2004 فرضت عليَّ الظروف أن أتعاقد على تقديم مجموعة من الأفلام الوثائقية، واضطررت إلى السفر الكثير المتواصل لمدة تقترب من العامين، وسبب لي ذلك ضغطاً نفسياً كبيراً، فكثرة السفر وتواليه ترهق روحي، وتذبل وجداني، لذلك قررت أن أعالج نفسي بالكتابة، وبدأت أدون خواطري عن السفر، وبقيت أمارس هذه العادة حين أسافر، وحين تنتهي خواطري في هذا الموضوع سيكون "ديوان السَّفَر" قد اكتمل، وحينها سأنشره للقارئ الكريم.
هذه الصفحة من "ديوان السَّفَر" أنشرها اليوم بمناسبة مرور عام كامل على منعي من السفر، بعد أن أصدرت سلطات الانقلاب قراراً متعسفاً بذلك، عن طريق قاضي التحقيقات الذي عُيِّنَ في قضية شهيرة تسمى (قضية إهانة القضاة).
الغريب في الأمر أن (قاضي التحقيقات) أصدر أمره بمنعي من السفر دون أن يحقق معي أصلاً ! وأنا المتهم الوحيد في هذه القضية الذي تم الزج باسمه في الموضوع، واتخاذ إجراء عملي يقيد حقوقه الدستورية، وكل ذلك دون أن يمارس القاضي دوره في العملية (أي التحقيق).
إذا كان دور قاضي (التحقيقات) هو أن يحقق مع المتهمين، فكيف اتخذ هذا القاضي قراره بمنعي من السفر دون تحقيق أصلاً؟
نحن اليوم نعيش في دولة لا يمكن تفسير ما يجري فيها بالقانون، ولا حتى بالمنطق.
حين وقفت أمام شباك الجوازات في مثل هذه الأيام من العام الماضي (الخامس عشر من يناير 2014) اضطرب أمين الشرطة أمامي، ثم ابتسم ابتسامة ودودة وقال (حضرتك ممنوع من السفر) !
قلت له (فعلاً؟ ومين اللي منعني؟ وإمتى؟ ده أنا لسه مسافر من شهر !)
قال لي (الموضوع ده لسه جديد).
ثم همس لي (بيني وبين حضرتك .. الموضوع ده من أربعة أيام فقط) !
واضح إذن أن إعلانات ندواتي التي سأحييها في أمريكا ضايقت سلطات الانقلاب، فقررت أن تلفق لي أي مصيبة تمنعني من السفر.
بعد قليل توجهت إلى حجرة الضباط، وبدأ الضباط يسألونني متعاطفين (حضرتك لسه مسافر الشهر اللي فات ... هو إيه اللي حصل؟)
وكنت أجيبهم (أنتم أدرى !!!)
في النهاية همس لي أعلاهم رتبة (الموضوع قاضي تحقيقات على فكرة ... مش أمن دولة). تعجبت من كلامه !
هل يمكن أن أكون متهماً في قضية خطيرة لدرجة صدور قرار بمنعي من السفر دون أن أعلم أصلاً !!!
بدأت منذ ذلك الحين رحلة الطعن على هذا القرار الظالم، وها هو العام الأول بعد قرار المنع يمر دون فائدة تذكر، فالوضع كما هو ... ما زلت متهماً في قضية لا علاقة لي بها، ولم يحقق معي أحد، ورغم ذلك أصدر القاضي المسؤول قراراً ضدي دون تحقيق، وما زالت إجراءات التقاضي تستهلك الوقت يوماً بعد آخر، وهي مهزلة بكل المقاييس.
سلطات الانقلاب أضافت لكتابي "ديوان السَّفَر" فصلاً متميزاً، يتعلق بالمنع من السفر، كتبت فيه خواطر متميزة لم أكن لأكتبها لولا هذه التجربة.
ولكنهم فوتوا علي فرصة أداء حج الفريضة هذا العام، وهو أمر أتمنى أن يعوضني الله عنه في قادم الأعوام.
كما أنهم قد فوتوا عليَّ فرصة زيارة أهلي وأسرتي في قطر، فهم لا يستطيعون دخول مصر في ظل هذا الحكم المنحط، الذي يوجه لهم تهم الخيانة العظمى، ويصادر أموالهم بلا دليل.
كثيرون غيري صدرت ضدهم أوامر منع من السفر دون أي إجراء قانوني أصلاً، ولم ترهق الحكومة نفسها باحترام الشكليات معهم، مثل د.سيف الدين عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية الشهير، فقد منع من السفر دون أي سبب، وحين ذهب محاموه للاستفسار عن الأمر في الجهة الحكومية المختصة، قالوا لهم ما معناه : (أمامكم عدة حلول : إما أن تشربوا من البحر، أو تركبوا أعلى ما في خيلكم، أو تخبطوا رؤوسكم في الحيط، أو أن ترقصوا عشرة بلدي على أنغام تسلم الأيادي) ! في النهاية نفذ أمر الحكومة، وها هي مصر تستمتع بدولة القانون.
تهمتي (إهانة القضاء) توصف في القانون على أنها (جنحة)، وليست جناية !
ظللت طوال هذا العام أستعرض أشهر الجنح التي مرَّت علينا، مثل قضية قتل أو إحراق أو خنق (الحاجة وتلاتين واحد) في سيارة الترحيلات، وجهت للسادة الضباط الذين قتلوا هؤلاء المساكين تهمة القتل الخطأ، وهي (جنحة).
لقد صدر قرار بمنعي من السفر في قضية (إهانة القضاء)، ولم يصدر قرار بالمنع من السفر ضد أحد من الضباط الذين قتلوا (حاجة وتلاتين مواطن مصري) !
أمينا شرطة اغتصبا مواطنة مصرية في عربة الشرطة، وتم تكييف القضية على أنها (جنحة)، وتم الإفراج عنهما بألف جنيه كفالة لكل منهما، ولم يصدر قرار بالمنع من السفر ضد أي منهما.
لقد عاملتني سلطات الانقلاب بأسوأ مما عاملت القتلة والمغتصبين ودون تحقيق !
ما زلت أذكر مناظرتي الشهيرة مع مخرج الانقلاب الفنان خالد يوسف، وكيف قلت في المناظرة إن هذا الدستور لا قيمة له، وأنه لن يطبق، بينما هو ظل يستعرض ما فيه من مواد، ويتفاخر بباب الحريات، وادعى بكل ثقة أنه لن يتم الانحراف في تطبيق مواد الدستور عموماً لأنه لن يكون هناك بعد الآن "نائب عام ملاكي"، بل إنه تفاخر بهذه المادة تحديداً، المادة رقم (62) في باب الحقوق والحريات : "ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون".
وها هو نظام الانقلاب يدوس الدستور بحذاء الرغبة في التنكيل بالمعارضين، ويعطي لنفسه سلطات الآلهة، يمنع هذا من السفر، ويبيح لهذا قتل الناس واغتصاب نسائهم، وسلم لي على دولة القانون !!!
إن الدساتير والقوانين مجرد حبر على ورق، واحترام هذه الدساتير من الأنظمة يكون نتاج منظومة متكاملة، أما من يأتي إلى السلطة بالدبابة، ويدخل القصر على جماجم البشر، وتكون مهمته خدمة أعداء الوطن ... فهيهات أن يحترم هؤلاء قانوناً أو دستوراً !
ستظل مصر دولة متخلفة، تتحكم فيها مجموعة من المؤسسات السيادية التي تتحيز للأسياد ضد شعب يرونه عبيداً لديهم، ولن تتقدم مصر إلا حين يحصل هذا الشعب العظيم على حريته كاملة، وبهذه الحرية سيعيد هيكلة سائر المؤسسات، وسيصبح ولاء الجميع للأمة ... لا لسيد القصر.
شعرك فاس في الراس
بتعري بيه عقول مهااويس
ولحنك حكم بالاعدام علي المتاريس
وصوتك رعد هز عرش عصبكيه
وابياتك مش مجرد مسطوره في الكراريس
دا منهج بنعالج بيه المجانين
عشاق السلطه والكراسي
اللي خانوا شعب من المتاعيس
وفوضوه بالقتل والتنكيس