جمعة الغضب.. "فاكرين"؟

-  ولماذا لم يأت الإخوان حتى الآن؟

-  لا شأن لنا بهم؟

أنا وصديقي في ميدان الدقي يوم 28 يناير 2011.

***

أربع ساعات من القنابل المسيلة، عمرو واكد هو هذا الشاب الذي يقف في أول الصف، أقرب المتظاهرين لخطوط الاشتباك يقف بعده بـ 100 متر.

-  هيموت الواد ده كده هاتوه..

-  يا عمرو.. 

يشير إلينا: تعالوا.. 

***

استهلكنا كل المياه الغازية لدى الكشك الذي يقع على ناصية براميزا، نستعملها كقطرة للعين، قال لنا التوانسة على الفيس بوك أنها وصفة سحرية ومجربة، شيراتون القاهرة أغلقت أبوابها، قسم الدقي قفل، أولاد الكلب هرونا قنابل، عيوننا احمرت، صدورنا تكاد تنفجر من الغاز، صفوفنا ما زالت صامدة، لكن بعض الشباب بدأ يختنق، ويوشك على الوقوع، أفكر في الابتعاد قليلا، أعاني من ضيق التنفس في ظروف أقل من هذه بكثير .. 

أقول لصديقي الناقد الفذ أحمد حسن: ما رأيك في أن ... ؟

تقاطعني قنبلة تسقط بيننا، نتراجع، أرى شابا يتراجع معنا بيديه، يتظاهر معنا، ويكر، ويفر، في مواجهة القنابل، والعساكر، على كرسي متحرك، تكاد قدماي تسجد لإرادته، أقف مثل الرجال.

***

يتغير اتجاه الريح، الهواء بدلا من أن يأتي لنا بقنابلهم، ردها إليهم، تحملناها 4 ساعات، لم يتحملوها دقيقة واحدة، جروا.

***

نحتل الميدان، الدقي لنا، يفرح بنا بائع سميط، فيترك القفص على الأرض ويقول ببلاش ببلاش ببلاش، أكلنا معا سميط ودقة، ودفعنا، كلنا دفعنا.

***

أنباء عن دخول الرفاق ميدان التحرير، هل نلحق بهم، أم ننتظر هنا، أيهما أفضل لهم، عمرو واكد، وخالد الصاوي، يعتليان كعكة تمثال طه حسين، الصاوي يقول: تمسكوا بهذه الفرصة يا شباب، لن تجدوها ثانية، لن تتكرر إلا في عمر أولادكم، هذه الفرصة لا تأتي إلا مرة في العمر، وقد لا تأتي أبدا .. 

***

أحدنا يمسك بعسكري أمن مركزي داخل إحدى سياراتهم التي تركوها وجروا.. 

-  ما جريتش معاهم ليه ياض؟

-  والله يا بيه سابوني وجريوا، وقفلوا عليا..

-  ليه؟

-  مش عارف..

-  إنت منين؟

-  من سوهاج يا باشا..

-  لا أنا مش باشا.. 

 يبكي العسكري...

-  بتعيط ليه يا ابني؟

-  ماليش دعوة يا باشا والله العظيم هما اللي جابونا هنا..

-  طب خلاص ما تعيطش.. احنا مش هنعمل لك حاجة.. إنت غلبان زينا، تاكل؟

-  والله يا باشا ما دقت الزاد م الصبح..

-  يا نهار أسود.. 

-  والله العظيم.. 

- طيب خليك معانا.. 

***

حشود ضخمة، مسيرة أولها يقترب منا وآخرها لا تدركه أبصارنا، جاء الإخوان، نظام، صفوف، هتافات موحدة، مدنية، وحماس غير عادي، كنا أقل بكثير قبل أن يأتوا، انتصرنا وحدنا على الشرطة، لكن تكثير العدد له طعم آخر، المواجهات الحقيقية لم تأت بعد، احتضنني واحد لا أعرفه، سننتصر، أصبحنا كثير، بكيت من الفرحة، كلما تذكرت هذا المشهد تداعبني دموعي، فاكر؟

***

قابلت صديقي محمد محفوظ قادم من مسيرة شبرا، قابلنا أنا وهو أصدقاء جيران، وصحبة عمر، في المدرسة، في المسجد، في النقاشات المتعبة، إخوان، يبتسم أحدهم، باندهاش، وهو يسألنا: 

-  إيه ده .. إنتوا معانا هنا؟؟

-  يرد محفوظ بغضب: إنتوا اللي معانا..

أضغط على يد محفوظ، وأنا أرد على صديقنا: أيوه احنا معاكم هنا ..

***

الإخوان كانوا معنا.. مستفزون، لكنهم معنا..

***

قابلت عبد الرحمن يوسف، شاعر الثورة، وتحدثنا عن دخول الجيش، ومستقبل الحراك في الأيام المقبلة، حكيت له عن استفزاز الإخوان، وتأخرهم، فابتسم بهدوئه غير المعتاد، وقال: لو فشل هذا الحراك، أو جرى أي شيء، لا قدر الله، سيدفعون فاتورة باهظة، مستفزون نعم، لكن انضمامهم ليس بالقرار السهل، حساباتهم معقدة، كلما ازددت ضخامة كانت خطواتك أثقل، وأبطأ، دعنا نرى.

***

اليوم سقطت شرعية مبارك، واليوم تسقط شرعية السيسي، أحد رجاله أو بالأحرى خدمه، في يوم لا يشبه يومنا هذا. سقط شهيد، فقال أحد الطبالين لمن غلب، مرسي فقد شرعيته الأخلاقية، ترتقي سندس رضا، وشيماء الصباغ، يوشك أن يرتقي أبانوب، يسبقه محمد، الشهداء يتساقطون بلا ثمن، من يخرج بالورود يموت، ومن يخرج بالهتاف، يموت، ومن يخرج للعزاء يموت، ومن لا يخرج قد تصيبه رصاصة طائشة من شرطة مرعوبة تضرب الناس بالرصاص الحي دفاعا عن عصابة لم يكن لها يوما شرعية كي تسقط، لكن أحدا من الذين "حزقوا" في مواجهة الإخوان لا ينطق..

الإخوان هم النظام الوحيد في تاريخ مصر الذي لم يملك يوما مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة، ولذلك كانت الرجولة في عام حكمهم مجانية، أرخص من سميط يوم 28 يناير، أبو ببلاش، ذلك الذي دفعنا في الثمن، بدافع أخلاقي، حتى الثمن الأخلاقي لم يكن لازما، أما الآن فللمعارضة ثمن لا يدفعه سوى شباب مثل شيماء، وسندس، ووحوش المطرية، والبحيرة، وآخرون.

اليوم ذكرى جمعة الغضب، ما زالوا يقتلوننا، وما زلنا هنا، غدا تغير الريح اتجاهها مرة أخرى، وما تحملناه في ثلاث سنوات، لن يتحملوه ساعة، غدا قريب، أقرب مما تتصورون، وسنتقابل.