كتاب عربي 21

"داعش".. من حضر العفريت يصرفه!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
بدا الأمر أقرب ما يكون إلى "النكتة"، التي تضحك الثكالى في أحزانهم، ثم سرعان ما تردهم إلى ذات الأحزان!

لقد أعلنت السلطات في فرنسا، أنها عثرت بجانب أحد المنفذين لتفجيرات باريس، على "جواز" سفر سوري، وقد تقبلنا هذا الإعلان بدون تململ، رغم ما فيه من أن حامل "الجواز" السوري، هو أحد السوريين اللاجئين إلى الدول الغربية، وعلى نحو يمثل رسالة سلبية، للدول التي رحبت باستقبال هؤلاء، وهو ما يعني أنهم يستقبلون في بلادهم قنابل موقوتة سرعان ما تنفجر في وجوههم فتخلف ضحايا وأشلاء.

لم يكن لدينا رغبة، في استدعاء نظرية المؤامرة، وإن شغلنا نوع الورق المستخدم في صناعة "جواز" السفر السوري، الذي يجعله قادراً على مواجهة التحديات، فيحدث الانفجار، الذي يفتك بالأجساد، ويموت صاحبه، بينما "الجواز" لم يمسسه سوء، وقد بقي ليدل على هوية حامله، الذي لم يتم إعلان اسمه حتى كتابة هذه السطور!

وبعد هذا الإعلان، الكاشف عن "متانة" الجواز السوري، الذي جعل منه "اختراعاً"، لا بد أن يدفع الدول الأخرى لتقليده والتوصل للخامات المستخدمة في صناعته، فقد فوجئنا بالإعلان عن العثور على "جواز" سفر مصري، عندئذ وجدنا أنفسنا أمام نكتة، ذلك بأنني وإن كان لم يسبق لي الاطلاع على "الجواز" السوري "المتين"، فجواز سفري أخشى عليه من الهواء العليل، بعد توقف السفارات المصرية في الخارج عن تجديد "جوازات" من غضب عليهم الانقلاب، وأجبرهم على الهجرة القسرية، وإذ كنت أعتبر نفسي محظوظاً لأنني قمت بتجديد "جوازي" قبل الانقلاب ببضعة شهور، مما يعني أنه لا تزال أمامي سنوات عدة حتى أحتاج لتجديده، فإني أخاف عليه من التلف، ويبدو أنه قابل لذلك على "أهون سبب"، ولو تعرض لتأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري.

وعندما يقال، أنه تم العثور على "جواز" سفر مصري بجانب جثة أحد المنفذين للعملية الإرهابية في باريس، فهذا كاشف عن أن الأمر لا يرجع لقوة "الجواز السوري"، ولكننا أمام معجزة من المعجزات، وبشكل ذكرني بزاوية قديمة كتبتها بعنوان "أخضر زرعي"، كانت بمناسبة احتراق قطار الصعيد، والذي عجزت الحكومة عن كشف أسباب هذه الحريق الذي راح ضحيته المئات، وعندما كان الطلب بإقالة الحكومة العاجزة، خرج علينا رئيس مجلس الوزراء عاطف عبيد، وأمامه "موقد"، ولأنه عرف عن عباد الله "الصعايدة" حبهم للشاي، فقد قال إن أحد المسافرين أستخدمه داخل القطار لصناعة الشاي، فحدث الحريق!

ولفت انتباهي، أن "الموقد" بعد العثور عليه، ظل يحتفظ بلونه الأخضر كما لو كان خرج تواً من المصنع، رغم أن حجم الحريق كان هائلا، والضحايا تجاوزوا الثلاثمائة شخص.

ليس عندي رغبة في التشكيك، حتى لو قالوا إنهم عثروا مع المنفذين على بطاقات هوية موقعة من "أبي بكر البغدادي"، تفيد عضويتهم في تنظيم الدولة "داعش"، ومختومة بخاتم التنظيم، وحتى لو قالوا أنه عثروا في جيوبهم على "إيصال" يفيد سدادهم للاشتراك السنوي في التنظيم.

وإن تمنيت أن يتم الإعلان عن اسم المصري، الذي قالت السفارة المصرية في باريس إنها تبحث أسباب تغيب أحد المصريين المقيمين في العاصمة الفرنسية عن منزله بعد ارتكاب الحادث. فمعرفة اسمه والمحافظة التي ينتمي إليها سيمكن من سبر أغواره ومعرفة، إن كان متطرفاً جاهزاً للتجنيد في "داعش"، أم إنه مثل المتهم الفرنسي الذي قال المدعي العام الفرنسي، إنه كان شاباً عادياً، ويوجد له ملف قضائي متعلق بقضايا مالية، أي كان بعيداً عن التطرف، فما الذي أغراه بالانخراط في تنظيم، ليست له دعاية جاذبة، ويبدو من تجرؤه على القتل، وبثه لهمجيته بذبح ضحاياه، أنه ىليس معنياً، بالرأي العام ولا يستهدف تحسين صورته أو بعث التعاطف معه.

(كتبت هذه السطور قبل الإعلان عن أن المصري كان ضحية، وأنه سافر إلى باريس مع والدته المريضة للعلاج وشقيقه، وبقي أن نحاسب السفارة المصرية عن إعلانها الكاذب.. فمن هو المصري الذي قالت إنه تغيب عن منزله منذ ارتكاب التفجيرات؟)

وبعيداً عن الفكاهة في موضوع "الجوازات"، التي تم العثور عليها في موقع الجريمة، فيبدو اشتراك "المصري" و"السوري"، في تنظيم الدولة "داعش"، أمراً مقبولاً، وإن لم يتم العثور على وثيقتي السفر، ولكي يعلم الغرب كيف استطاع بسياساته الاستعمارية، أن يدفع بالبشرية إلى الجحيم.

فتنظيم الدولة، هو أحد إفرازات الاحتلال الأمريكي للعراق، وقد وجد له أرضاً خصبة في حالة الفوضى التي تشهدها سورية، بعد أن عمل الغرب من أجل الإبقاء على "بشار الأسد"، وتركه ليفتك بثورة شعبية، ظلت تحافظ على سلميتها لمدة ستة شهور، وتم ترك الثوار يواجهون الإجرام السوري لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حريصة على استمرار الأسد، لأنها ترى البديل إسلامياً، ولأن في وجوده حماية لأمن إسرائيل!

الثورة السورية، هي جزء من الربيع العربي، الذي فاجأ الغرب، فعمل على ضربه، وإعادة تمكين الأنظمة القديمة المستبدة، التي صنعها الاستعمار الغربي على عينه، عندما قرر أن يغادر المستعمرات، وليمكن ورثته من القيام بمهمة المستعمر من حيث إضعاف هذه الدول، وإفقارها، واستمرار تبعيتها، دون أن تحمل "ضريبة الاستعمار".

لقد خطت مصر خطوة مهمة، عندما نجحت في إقالة مبارك، الذي كان يمارس استبداده وطغيانه وفساده في الحماية الأمريكية، واختار الشعب رئيسه ومن يمثلونه، فكان الانقلاب العسكري على اختيار الشعب برعاية أمريكية، وموافقة أوربية، وتأييد إسرائيلي جارف، وجاءت "كاثرين آشتون"، لتشرف بنفسها، على تمكين الانقلاب، وتعطي الضوء الأخضر للنظام الجديد الحليف بأن يرتكب مجازره ضد المتظاهرين السلميين من أنصار الرئيس المنتخب، ويعمد بعد قتلهم على إشعال النيران فيهم، فلم يتململ العالم المتحضر، ولم ير في ما جرى جريمة تستحق المحاسبة أو التنديد.

نظام مبارك المستبد، الذي مارس طغيانه في حماية البيت الأبيض، هو الذي أفرز ظاهرة أيمن الظواهري، الذي تعرض للتعذيب في سجنه، مما دفعه للسفر لأفغانستان، والتحالف مع "أسامة بن لادن"، ليقود تنظيمه في مراجعة فكرية، وبعد أن كان تنظيم الجهاد المصري، يؤمن بأن مواجهة العدو الداخلي مقدمة على مواجهة العدو الخارجي، صار العكس هو المعتقد الجديد.

ولم يعد سراً، أن الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، ووزير مالية التنظيم، الذي اغتيل بعد ذلك "مصطفى أبو اليزيد"، وإن كان منتمياً لتنظيم الجهاد في مصر، فلم يشغله السفر لأفغانستان، عندما فتح باب التطوع برعاية الدولة، لقتال الروس، لكنه اضطر للسفر عندما كان يؤدي العمرة، وأبلغ أنه سيلقى القبض عليه في القضية الخاصة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا، فهرب لأفغانستان وصار رجل بن لادن.

بعد الثورة، وإحساس الناس بالحرية، والقدرة على التغيير السلمي، أسست الحركات الإسلامية أحزابها وخاضت الانتخابات وهي التي كانت تحرم العمل الحزبي وتوصف المجالس التشريعية بالكفر، وصار خطاب الظواهري باهتاً، لا يجذب أذنا ولا يسترعي انتباهاً.

فكان الانقلاب العسكري، الذي رعته الدوائر الغربية، وكانت فرنسا حريصة على منحه حضوراً يستخدمه في إثبات شرعيته، وصار هتاف المرشد العام للإخوان المسلمين "سلميتنا أقوى من الرصاص"، يستخدم للتندر والسخرية، فقد قتل ابنه في مجرزة رابعة، واعتقلوه هو بشكل مهين، وطورد تنظيمه المتمسك بالسلمية، والحال كذلك فقد وجد خطاباً مجنوناً لتنظيم "داعش" من يؤوب معه.

لقد أعطى تنظيم الدولة قبلة الحياة للسيسي، الذي بدا معزولاً دولياً بعد تفجيرات الطائرة الرسمية، وجعله بتفجيرات باريس ضمن جملة مفيدة، اسمها مواجهة الإرهاب الذي نال من دولة كقوية كفرنسا ليصبح عجز قائد الانقلاب في مصر له ما يبرره، لكن التنظيم ليس مشغولاً بما يشغلنا، فلا هو مع نجاح الثورة المصرية، ولا هو مع الشرعية وعودة الرئيس المنتخب، فهو عنده كافر مثله مثل السيسي تماماً.

ما علينا، فلئن يوجد من بين الجناة الذين ارتكبوا تفجيرات باريس مصرياً وسورياً، فإن لأمر كاشف عن أن الغرب بمؤامرته ضد الربيع العربي، وعمله على ألا يكون المواطن عندنا ليه الحق في أن يعيش حراً كريماً في وطنه، فإنه يوفر لـ"أبي بكر البغدادي" المزيد من الأعضاء. لقد قالها توني بليز قبل أيام: "نحن السبب في ظهور داعش" باحتلال العراق.

"من حضر العفريت يصرفه"

azouz1966@gmail.com
التعليقات (2)
عمرو احمد
الإثنين، 16-11-2015 03:13 م
مبدع كالعادة استاذنا جزيت خيرا
هشام ميشلان
الإثنين، 16-11-2015 02:52 م
لا تستغرب و لا تتعجب يا أستاذ سليم , فجوازات السفر العربية مشهود لها دوليا بالخروج سالمة من الحرائق و التفجيرات الإرهابية , فلقد نجت جوازات سفر منفذي هجمات 11 من سبتمبر 2001 بعد أن دكت ناطحتي سحاب بطائرتي بوينغ و انصهرت المعادن الصلبة , و بقيت الجوازات لم يمسسها سوء , لكن الغريب في الأمر أن الناس في الغرب يصدقون أي شيء ينشره الإعلام الرسمي و حتى غير الرسمي , الغربيون هنا عطلوا تفكيرهم تماما , و أصبحوا استهلاكيين لأي منتوج حتى لو كان فكريا , قلة منهم من يسأل عن ما وراء الخبر , لكن هذه المرة لا أحد يفهم ماذا يجري بما فيهم أكثر المتابعين للواقع السياسي و العسكري الدولي .