يؤمن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، كريسبين بلانت، بأن الإسلام السياسي له الحق في أن يلعب دورا إيجابيا في أنحاء الشرق الأوسط.
لقد كان التاريخ الحديث للجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني قصة محزنة، وذلك أن اللجنة كانت باستمرار أداة طيعة في يد الحكومة البريطانية وإن كانت تتظاهر بأنها كيان مستقل.
إلا أن ذلك الدور تغير وبشكل دراماتيكي بعد الانتخابات العامة لسنة 2015، حين انتخب النواب لرئاسة اللجنة رجلا قويا ومستقلا في تفكيره.
إنه كريسبين بلانت، الضابط السابق في الجيش البريطاني والعضو في الحزب الحاكم، حزب المحافظين. ولكنه ليس بأي شكل من الأشكال تابعا للمؤسسة البريطانية، وقد أثبت ذلك في أكثر من موقف كان آخرها الإعلان عن أنه سيخرج تقريرا حول الإسلام السياسي.
سوف يعنى التقرير بالقضايا نفسها التي ركز عليها التحقيق الذي أجرته الحكومة البريطانية في جماعة الإخوان المسلمين بإشراف الدبلوماسي البريطاني السابق السير جون جينكنز، والذي عمل سفيرا لبلاده في عدد من عواصم الشرق الأوسط.
إلا أن تقرير لجنة الشؤون الخارجية سيعالج الإسلام السياسي من زاوية مختلفة تماما لتلك التي انطلق منها التحقيق الذي أجراه السير جون جينكينز.
فالسير جون كان مكلفا من قبل رئيس الوزراء البريطاني بالتحري بشأن المزاعم التي تدعي وجود ارتباطات بين جماعة الإخوان المسلمين والإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، جاء تكليف كاميرون للسير جون بإجراء التحقيق بعد ضغوط شديدة ومستمرة مارستها عليه دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج، والتي تتبنى موقفا عدائيا جدا تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
بالمقابل، سوف يكون الهدف من تقرير لجنة الشؤون الخارجية هو التحقق من الإسلام السياسي من وجهة نظر مستقلة. فليس المقصود – كما اتهم كاميرون بالقيام به – هو تجريد الحركات الإسلامية من أهلية المشاركة في الممارسة الديمقراطية من خلال ربطها بالعنف.
بل على العكس من ذلك تماما، فرئيس لجنة الشؤون الخارجية كريسبين بلانت، يؤمن بأن من حق الإسلام السياسي لعب دور في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، وأنه من مصلحة بريطانيا أن تساهم قدر الإمكان في أن يكون هذا الدور بناء.
عندما أجريت معه مقابلة قبل عطلة نهاية الأسبوع، أخبرني السيد بلانت بأن "الناس الذين يسعون للتعبير عن آرائهم الإسلامية من خلال الممارسة السياسية الدستورية" إنما هم أصحاب "تطلعات مشروعة تماما".
يمثل هذا الموقف إقرارا نادرا من قبل سياسي بريطاني رفيع المستوى بأن الأحزاب المتعاطفة مع الإخوان المسلمين ينبغي أن يسمح لها بكل نزاهة وإنصاف بالمشاركة في العملية السياسية الديمقراطية طالما أنها تعترف بحقوق الأقلية. ما من شك في أن مثل هذا الموقف يضع السيد بلانت في مواجهة مع أجزاء من مؤسسة صناعة السياسة الخارجية داخل بريطانيا.
يأتي التحقيق الذي ينوي السيد بلانت إجراءه في وقت تعاني فيه علاقات بريطانيا بجماعة الإخوان المسلمين صعوبات بالغة. لم تلبث الحكومة البريطانية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي أطاح بحكومة الإخوان المسلمين برئاسة الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا، وذلك في انقلاب عسكري في حزيران/ يوليو من عام 2013.
كما تحتفظ بريطانيا بعلاقات حميمية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج المجاورة لها، والتي يصنف كثير منها جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
في هذه الأثناء، تنأى السلطات البريطانية بنفسها بعيدا عن المنظمات المحلية ذات الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين.
أخبرني السيد بلانت بأنه "إذا ما لجأنا إلى استخدام العنف غير المشروع واللا أخلاقي لقمع التعبير السياسي المشروع، فإن الناس الذين يدعمون مثل هذه الأيديولوجيا السياسية لن يجدوا لأنفسهم ملاذا سوى اللجوء إلى المقاومة العنيفة".
كما حذر من أنه إذا ما حيل بين الحركات السياسية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وبين التنظيم والمنافسة في المجال السياسي، فإذن "في أي اتجاه سيمضي أنصارهم؟ إنك بذلك إنما تدفعهم دفعا إلى أحضان الناس الذين، بكل صراحة، يستخدمون النص القرآني بشكل محرف لتشجيع الناس على قتل الآخرين الذين لا يتفقون معهم في الرأي أو الموقف".
يتحدى السيد بلانت مقولة أن الإسلام السياسي يشكل بالضرورة مسارا نحو التطرف العنيف، ويدلل على رأيه بنموذج الأحزاب الإسلامية في تونس والتي قال إنها "أقدمت على تنازلات في سبيل الإبقاء على استمرار العملية السياسية الدستورية".
يؤكد السيد بلانت كذلك أن تحقيقه سوف يسعى للتعبير عن "القواعد الأساسية المتعلقة بالحريات التي تعتبر عالمية ومن حق جميع البشر وكل الأقليات في جميع الأقطار، والتي ينبغي أن تصان وتوفر لها الحماية من تغول الحركات السياسية التي قد تحاول فرض رؤيتها هي للحياة على الآخرين بشكل دائم".
ولقد دعت لجنة الشؤون الخارجية أصحاب الشأن والاهتمام إلى تقديم إفادات مكتوبة قبل الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل، وقالت إنها ستستمع إلى الشهادات والحجج والبراهين خلال شهور الصيف. وبالتزامن مع ذلك تقوم اللجنة بإجراء تحقيقات منفصلة حول الدور البريطاني في الحرب ضد تنظيم الدولة وحول التدخل البريطاني في ليبيا.
يتوقع أن يكون التحقيق في المسألة الليبية محرجا شخصيا لرئيس الوزراء دافيد كاميرون. لقد نجح التدخل البريطاني الفرنسي في عام 2011 في خلع معمر القذافي من زعامة ليبيا، إلا أن البلاد انحدرت منذ ذلك الوقت نحو آتون من الفوضى والحرب الأهلية، وانتهى الأمر إلى سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء لا يستهان بها من البلاد.
وكان رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما في مقابلة له مع مجلة أتلانتيك الشهرية في مطلع هذا الشهر قد وجه سلسلة من الانتقادات اللاذعة للأسلوب الذي أدار به دافيد كاميرون الأمور بعد التدخل الدولي في ليبيا.
وإثر ما صدر عن الرئيس الأمريكي من تصريحات، دعت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني رئيس الوزراء كاميرون للمثول أمامها، وإن كان من غير المألوف أن يمثل رئيس الوزراء أمام لجنة برلمانية كهذه. على كل حال مازالت اللجنة تنتظر رد مكتب رئيس الوزراء على الدعوة التي وجهتها له.