مقالات مختارة

أشواق الإرتريين !

1300x600

الثلاثاء الماضي كان مختلفاً للغاية في إرتريا، فقد خرجت مظاهرات في شوارع العاصمة أسمرا للتنديد باعتقال طاقم إدارة مدرسة الضياء وعلى رأسهم الشيخ التسعيني موسى محمد نور الذي رفض بثبات طلبات النظام بمنع الحجاب في المدرسة والتوقف عن الفصل بين الجنسين.

لكنّ الثلاثاء لم يكن مختلفاً لهذا السبب وحسب، فثمة تفاصيل يمكن التوقف عندها لما تحمله من دلالات مبشّرة، فالمظاهرة ليست الأولى في ظل حكم الجبهة الشعبية الموغل في الاستبداد والتطرف الديني، لكنّ أهميتها ترجع لعدة أسباب؛ أولها أنّ عمادها كان من الشباب وتحديداً من الطلبة والطالبات، وهو دليل وعيّ متقدم بعد أكثر من عقدين من محاولات النظام تغييب الوعي والأجساد في معسكرات التجنيد الإجباري والحروب العبثية التي يخوضها كلما مالت البلاد باتجاه الاستقرار.

المؤشر الآخر عالي الرمزية هو أنّ الحدث هو الأول من نوعه الذي يتم تصويره بالهواتف الذكية ونقله عبر الإنترنت بعد ساعات قليلة من حدوثه. ومن يعرف إرتريا يدرك إلى أي مدى يعتبر ذلك فتحاً سيقضّ مضجع المستبدّ في قادم الأيام، وهو من حوّل البلاد إلى ثقب أسود لا يعرف عنه العالم شيئاً بعد أن تحكّم في الإنترنت والاتصالات بحيث يصعب استخدام خاصية التجوال الدولي في إريتريا، أو إرسال الرسائل النصية إلى خارج البلاد، وفي ظل شبكة انترنت رديئة للغاية وضمن مناطق محددة يسيطر عليها النظام. يعتبر كل ذلك نقلة في المواجهة ستصبّ في صالح الباحثين عن حريتهم.

الأمر الثالث هو هذا الالتفاف الشعبي الكبير الذي قوبلت به المظاهرات بحيث ابتلع كل الأصوات النشاز التي اعتدنا وقوفها إلى جانب النظام باعتباطية مستفزة. بدا الإرتريون في الشرق الأوسط وأوروبا، مسلمون ومسيحيون على قلب حر واحد ضد الدكتاتورية، ولعل هذه هي الرسالة الأبلغ لكل من ساهم في حرمانهم من وطنهم.

تفاعل الإريتريون مع مظاهرة مدرسة الضياء لأنّهم منقادون بأشواق كبيرة إلى وطن حر وديمقراطي ينعمون فيه بالكرامة بعد سنوات التيه والشتات التي نتجت عن عقدين من الحكم الرديء لبلد ناضل أبناؤه ثلاثين عاماً وفقدوا أرواحهم وأحبابهم حتى يستردوه من قبضة المحتلّ. ما يفعله نظام الحكم في أسمرا ضد التأريخ وضد المنطق ولن يفضي إلا إلى زواله طال الزمان أم قصر. إريتريا ستعود والإرتريون سيلتقون بأشواقهم، لأنها أشواق حقيقية ونبيلة.


الراية القطرية

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع