نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي للسياسي وسفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، أشار فيه إلى أن مشاركة فلسطين في خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية تعتبر بمثابة أولى الخطوات نحو إرساء السلام إذ أنه أحيانا، يكون الاستسلام أقل كلفة من الاستمرار.
وقال الكاتب في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن "الورشة الاقتصادية" التي عقدت في البحرين خلال هذا الأسبوع، وهي قمة جمعت بين رجال الأعمال والشخصيات السياسية، تعتبر الخطوة الأولى نحو تنفيذ خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي طال انتظارها لا سيما بالنسبة لإدارة ترامب.
ومع ذلك، نظرا لأن الخطة تقدم مقاربة جديدة، يقر الكثيرون من الجانب الفلسطيني، بمن فيهم الرئيس محمود عباس وكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، بأن التعامل مع الخطة يعد بمثابة إعلان استسلام فلسطيني، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان من الخطأ الاستسلام.
وأورد الكاتب أن التنازل يعتبر اعترافا بأنه في هذه المسابقة، من المحتمل أن يكون الاستمرار أكثر تكلفة من الاستسلام.
وفي السياق الإسرائيلي الفلسطيني، يتخذ عريقات موقفا معاكسا حيث يؤمن بأن عواقب التفاوض مع إسرائيل ستكون وخيمة بالنسبة للشعب الفلسطيني مقارنة بالسياسات الحالية للسلطة الفلسطينية على كلا الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ما يمثّل وجهة نظر سخيفة.
وبعد مرور أكثر من 20 سنة على توقيع اتفاقية أوسلو، والتي كانت من المفترض أن تلعب دور الأساس لعملية سلام مستدامة، عرف المشهد السياسي الفلسطيني انقسامات قد يكون من الصعب إصلاحها.
وفي الضفة الغربية المحتلة، يواصل عباس رئاسة سلطة فلسطينية فاسدة أفادت استطلاعات الرأي بأن أكثر من 90 بالمئة من الفلسطينيين يعتقدون أنها غير جديرة بالثقة.
ونوّه الكاتب بأن نسبة البطالة بين الفلسطينيين تبلغ حوالي 30 بالمئة، بما في ذلك أكثر من 50 بالمئة في غزة.
وبتشجيع من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، يتوزّع ملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم حيث تُسند إليهم صفة لاجئين نظرا لأن البلدان المضيفة إما لا تستطيع استيعابهم أو غير راغبة في ذلك.
كما يواصل المجتمع الدولي منح الفلسطينيين مساعدات تنموية سنوية تبلغ قيمتها حوالي 2.3 مليار دولار.
وبالنظر إلى هذا الوضع المؤسف، من الواضح أن الشعب الفلسطيني في حاجة ماسة إلى مسار عمل جديد.
في المقابل، يختار كل من عريقات والقيادة الفلسطينية مواصلة المسيرة ورفض مصطلح "الاستسلام"، وهو ما يعكس حقيقة أن الهوية الوطنية الفلسطينية لا تقوم على بناء حياة أفضل لشعبها وإنما تهدف إلى تدمير اسرائيل.
وأفاد الكاتب أن شعارات الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية تنص على "الوحدة الوطنية والتعبئة القومية والتحرير" وتتناول بالأساس "الصراع القائم بين القوات الصهيونية والإمبريالية من جهة، والشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى التفاوض دون الحصول على تأييد صريح من قبل الدولة الفلسطينية على أنه رفض للهوية الوطنية الفلسطينية واعتراف بأن إسرائيل تملك حق البقاء. باختصار، يعتقد عباس وعريقات أن هذا النهج أشبه بالانتحار الوطني.
في سياق متصل، يشير عريقات إلى أن "الاستسلام" من شأنه أن يؤدي إلى نهاية الشعب الفلسطيني.
ولكن بدلا من ذلك، سيساهم الاستسلام في خلق الفرصة لإحداث تحوّلات داخل المجتمع الفلسطيني، ما يؤدي إلى تحرير شعبه.
في الختام، أكّد الكاتب أنه لا وجود لسبب يدعو للاعتقاد بأن إعلان الاستسلام الفلسطيني سيحول دون تحقيق التحوّلات المطلوبة.
لذلك، ينبغي أن يدرك الزعماء الفلسطينيين أن بناء مستقبل مشرق وإرساء السلام يتطلبان التخلي عن الماضي المظلم ووضع حد للخلاف والاستعداد للقيام بما هو أفضل لمصلحة شعبهم.
ولقي مقال دانون ، عاصفة من الردود، بعد دعوته الفلسطينيين للاستسلام و"الانتحار الوطني" لأجل تحقيق السلام، فيما اتهمت الصحيفة بمنح مساحة كبيرة ليميني متطرف لنشر أفكاره.
وعلق مغردون عرب وغربيون على المقال، واتهموه بالدعوة "للتطهير العرقي"، فيما اعتبر بعض المعلقين أن نشر هذا المقال هو "عار" على صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقالت مغردة أمريكية مستنكرة: "تخيلوا أن يكتب هذا العنوان عن أي شعب غير الفلسطينيين؟".
وعلقت الكاتبة الفلسطينية شهد أبو سلمة بالقول: "عار على نيويورك تايمز نشر مثل هذا المقال المقزز لمثل هذا العنصري الجاهل الذي يطالب الفلسطينيين بالاستسلام لممارسات التطهير العرقي الإسرائيلي ضدنا".
وغرد النائب البريطاني السابق جورج غالاوي تعليقا على المقال بالقول "عار عليكم".
Shame on you
وهاجم الكاتب الأمريكي بنجامين نورتون الصحيفة على نشر هذا المقال، وقال" "الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز سعيدة لمنح اليميني المتطرف سفير إسرائيل في الأمم المتحدة مساحة كبيرة لدعوة الفلسطينيين "لانتحار وطني".. خطاب التطهير العرقي مرحب به في نيويورك تايمز".
بدوره، أكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الستار قاسم، أن ما قاله دانون في مقاله يعبر عن الأهداف الاستراتيجية التي تتبناها قيادة إسرائيل، والمتمثلة في إلغاء الشعب الفلسطيني، لأنه ما دام موجودا فسيبقى يطالب بحقوقة، فلا يضيع حق ورائه مطالب.
ورأى في حديث لـ"عربي21" إن إسرائيل وقيادته تدرك أن بقاء الشعب الفلسطيني، هو أكبر عقبة تهدد وجود إسرائيل، ولذلك يسعون بكل السبل والوسائل لإضعاف الشعب وإلغائه.
وقال قاسم: "إن اتفاق أوسلو كان جزءا مهما وأساسيا بالنسبة لوجود إسرائيل، ولولا اتفاق أوسلو لما كنا نرى ورشة البحرين الآن، باعتبار أن هذا الاتفاق فتح الباب أمام تهديد مكانة القضية الفلسطينية، والاستهتار بالحقوق الوطنية الثابتة، ودليل ذلك أنه لم يأت أي من المتحدثين في هذه الورشة على ذكر حق عودة اللاجئين الفلسطينيين".
وشدد قاسم على أنه عندما يتحدث مسؤول يمثل اسرائيل في منظمة دولية، ويتحدث بهذه اللغة العنصرية، إنما يعبر عن صلافة اسرائيل، و تواطؤ الأمم المتحدة مع إسرائيل وهي التي اعترفت بها، فيما ترفض إلى الآن تطبيق قراراتها المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.
وعن موافقة صحيفة نيويورك تايمز على نشر هذا المقال العنصري قال: "هذه الصحيفة هي داعم دائم لإسرائيل، ولا تنبس ببنت شفة عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية، أما حين يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن الإعلام الأمريكي تنهارفيه كل القيم المهنية والأخلاقية، والإعلام الأمريكي يسجل انحيازا دائما لإسرائيل.
اقرا أيضا : ما فرص تنفيذ بنود ورشة البحرين بعد مقاطعة الفلسطينيين لها؟
الغارديان: ورشة المنامة تجسد الفجوة بين وهم كوشنر والواقع
ميدل إيست آي: محمد مرسي كان صديقا حقيقيا للفلسطينيين
الغارديان: مواليد غزة يموتون وحدهم بمستشفى في القدس