قضايا وآراء

الثورة في سوريا.. الفصل الأخير!

1300x600

مرت الثورة في سوريا منذ انطلاقتها في آذار (مارس) 2011 في مراحل مختلفة، تميزت كل مرحلة منها بخصائص معينة. وقد بات واضحاً أنها دخلت مرحلتها الأخيرة في بدايات 2018، بعد أن جرى توافق دولي على إنهاء الوضع في مناطق خفض التصعيد الثلاثة ـ غوطة دمشق، ريف حمص، وجنوب سوريا ـ تم على إثرها ترحيل الفصائل المسلحة إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال سوريا، حيث تكتب سطور الثورة الأخيرة الآن في ريف حلب وغرب حماه وجنوب إدلب ومحيطها.

قدم المشاركون في الثورة مع حاضنتهم الشعبية تضحيات كبيرة على كل صعيد في كل مرحلة، وكان هناك الكثير من النماذج المشرفة التي قدمت أمثلة رائعة في الفداء، إلا أن التدخلات الدولية المستمرة، وهيمنة القوى الكبرى على المشهد السياسي، واستحواذها على قرار الغالبية العظمى من الفصائل المسلحة، صادر كل تلك التضحيات، وحول سوريا إلى بلد خراب تنعق فيه الغربان وتحتله القوى الأجنبية.
 
من المحزن، أن الفصائل المحسوبة على الثورة لم تتعلم أن التبعية للمستعمر الأجنبي انتحار سياسي، فكانت تستجدي الارتباط بالعواصم الغربية أو بجهات تابعة لها، بل وتفتخر بذاك على اعتبار أنها "فاهمة للعبة" وأن ما تفعله "تقاطع مصالح" وأنها "تسخر" الدول الكبرى لأجندة الثورة، مع أن العكس هو الصحيح، حيث تم تسخير هذه الثورة النبيلة في تدمير سوريا وتحويلها لدولة فاشلة، إضافة إلى تشريد شعبها وتقاسمها بين القوى الدولية!

لست بصدد نعي الثورة السورية هنا، إنما المقصود وضع قراءة موضوعية تحدد طبيعة المخاض الذي تعيشه هذه الثورة في هذه المرحلة. في هذا السياق، بات واضحاً أنّ مشروع إسقاط النظام السوري انتهى فعليا عندما انسحبت الفصائل المدججة بالسلاح من العاصمة دمشق وضواحيها، وعندما تم تسليم حمص وحلب ودرعا قبلها وبعدها. 

فالثورة في العاصمة السياسية دمشق، وإن لم تكن هناك فهي في العاصمة الاقتصادية حلب، وإن لم تكن في العاصمة السياسية والاقتصادية فينبغي أن تكون في مدن الساحل لا سيما اللاذقية حيث الحاضنة الأهم للفئة المسيطرة على النظام، وإن لم تكن هنا وهناك بعد تسع سنوات، فهذا يعني أن صفحة إسقاط النظام طويت، وأن مصير ما تبقى من الثورة رهن التوصل لتوافق حول الوضع النهائي في سوريا بين القوى الدولية.

 

حملة النظام الحالية على مناطق الشمال مصحوبة بغطاء جوي روسي بالتوازي مع مناكفات إعلامية بين تركيا وروسيا كانت عامل ضغط إضافي على تركيا لتنفيذ كافة بنود اتفاق سوتشي،


من الجدير ذكره أيضاً، أن تركيا نفسها ـ اللاعب الأبرز في شمال سوريا ـ هي من الدول التي تريد المشاركة في صياغة الاتفاق النهائي، وعليه فإن وجود القوات التركية في شمال سوريا لا يهدف لإنقاذ الثورة أو إسقاط النظام، إنما لتحقيق للحفاظ على أمنها ومصالحها. في هذا الإطار عقدت تركيا اتفاقاً رسمياً مع روسيا، جعل منهما دولتين فاعلتين في إنهاء المرحلة الأخيرة من الثورة، إذ اتفق رئيسا البلدين (بوتين وأردوغان) في منتجع سوتشي في 17 أيلول (سبتمبر) 2018 على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يصل إلى 20 كيلومترا على طول خط التماس بين النظام والمعارضة، وأن تتولى تركيا إخراج جميع "الفصائل الجهادية" من شمال سوريا، بعد أن تنزع كافة ما بحوزتها من أسلحة ثقيلة، وأن يتم فتح حركة المرور بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحماه. 

ولعل حملة النظام الحالية على مناطق الشمال مصحوبة بغطاء جوي روسي بالتوازي مع مناكفات إعلامية بين تركيا وروسيا كانت عامل ضغط إضافي على تركيا لتنفيذ كافة بنود اتفاق سوتشي، ما يفسر تقهقر قوات المعارضة المسلحة بشكل سريع من مناطق شاسعة في الشمال، كما بات حل هيئة تحرير الشام وأخواتها تحصيل حاصل في هذه المرحلة. 

بهذا نفهم أن تدفق القوات التركية إلى شمال سوريا ليس لحماية ما تبقى من ثورة أو بعثها من جديد، إنما لفرض نفسها على بقية أفرقاء الصراع الدولي كي تأخذ مصالح تركيا في عين الاعتبار وإشراكها في أية تسوية مفترضة. فقد أدركت تركيا خلال عدة محطات أثناء الثورة في سوريا، أنها أشبه بعضو شرفي في حلف الناتو، وأن الكل يتربص بها، وقد كان ذلك واضحاً بعد الأزمة التي تولدت بين تركيا وروسيا إثر إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وكذلك إبان الانقلاب الغامض الذي وقع في تركيا في يوليو 2016، أو من خلال تصاعد دور المليشيات الانفصالية الكردية واستفزازها لتركيا بدعم أمريكي في سوريا. فتركيا اليوم تخوض معركتها في سوريا عوض أن تخوضها في داخل تركيا، وهذا عين ما قاله الرئيس التركي أردوغان قبل أيام قليلة. 

لذلك فإنها تصر على وضع كافة الملفات التي تضر بمصالحها وتمس أمنها على طاولة مفاوضات الحل النهائي، كملف الفصائل الكردية الانفصالية إضافة إلى ملف ملايين النازحين السوريين على أراضيها فضلاً عن مصير سوريا ونظام الحكم فيها. 

 

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع