مقالات مختارة

هل تزول إسرائيل في 2028؟

1300x600

منذ سنوات عديدة والعرب والمسلمون يتساءلون: هل تزول “إسرائيل” في سنة 2022؟ ذلك أنّ هناك إسلاميين تفلسفوا وقالوا إنّ “دولة” الاحتلال الصهيوني ستزول سنة 2022، وقدّموا حججا غير مقنعة ثم دعموها بقولهم إنّ هذه نبوءة توراتية أيضا؟! وصدّق الكثيرُ من الناس هذه النبوءة الغريبة وراحوا ينتظرون زوال “إسرائيل” في هذه السنة من دون أن يُعِدّوا لذلك أيّ عدة، أو يحدِّثوا أنفسهم بالجهاد لتحرير فلسطين وإزالة الاحتلال، وكأنّهم كانوا ينتظرون معجزة ما، كأنْ يخسف اللهُ الأرض بالصهاينة فيختفوا كما اختفت أممٌ سابقة تعرّضت للعقاب الإلهي ويكفيهم شرَّ القتال، في حين كان الصهاينة يطوّرون أحدث التكنولوجيات العسكرية ليحافِظوا على تفوُّقهم العسكري على العرب والمسلمين مجتمعين، ونجحوا في ذلك إلى حدّ الساعة، وهاهي سنة 2022 تحلّ وينقضي منها 4 أشهر من دون أن تلوح في الأفق أيُّ مؤشراتٍ على إمكانية انقراض الاحتلال قبل نهاية السنة الجارية.


تَذكّرنا هذه النبوءة الغريبة ونحن نرصد التفاعل الواسع للعرب مع تصريح رئيس الوزراء الأسبق للاحتلال، إيهود باراك، بأنّ الكيان سيزول في سنة 2028، لأنّ الدول التي أسّسها اليهودُ عبر التاريخ سقطت جميعا في عقدها الثامن، أو برزت مؤشراتُ تفكُّكِها وانهيارها خلال العقد الثامن من عمرها، وأبدى المعلّقون العرب ارتياحهم لأنّه لم يبق من عمر “دولة” الاحتلال سوى ستّ سنوات؟!
والواقع أنّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين آيلٌ إلى الزوال الحتمي وسينتهي يوما لا محالة، وسيرحل من بقي حيّا من الصهاينة ليعود كلّ واحدٍ منهم إلى الوطن الذي جاء منه، وسيتركون مستوطناتهم غنيمة للفلسطينيين، تماما مثلما رحل الفرنسيون جميعا من الجزائر بعد قرن وثُلث قرن من الاحتلال وتركوا شققهم وفيلاتهم ومحالّهم التجارية غنيمة للجزائريين.. كلُّ احتلالٍ في العالم مصيره الزوال مهما طال الزمن، والتجارب في ذلك كثيرة جدا، لكنّ نعتقد أنّ تحديد مُهلٍ زمنية لزوال الاحتلال الصهيوني عن فلسطين ليس له أساسٌ عملي وواقعي.


بدل إشغال أنفسنا بتاريخٍ محدّد لزوال الاحتلال الصهيوني، علينا أن نُعِدّ العدّة لتحقيق ذلك، وأن نسعى إليه حينما نلتمس في أنفسنا المقدرةَ على تحقيقه، فهل يمكن الآن محوُ الاحتلال من الوجود في ظل الظروف الراهنة للعالمين العربي والإسلامي؟


الجميع يعرف أن حالَ العرب والمسلمين قاتمٌ ومليء بالفوضى والتخلّف، والتناحرات الطائفية والمذهبية، والانقسامات والخلافات السياسية، والكثيرُ منهم لم يعُد يهتمّ بفلسطين ولا يدعم المقاومة الساعية إلى تحريرها ولو ببندقيةٍ واحدة، وبعضهم يكتفي بالدعم الكلامي والخطابات والبيانات، في حين لم تعد دولٌ أخرى تجد أدنى حرج في الاعتراف بالاحتلال وإمضاء اتفاقات تعاون عسكري وأمني ودفاع مشترك معه، لتصبح حليفا وصديقا للاحتلال وتخون فلسطين جهارا نهارا، فكيف يزول الاحتلالُ إذن في هذه السنة أو بعد ست سنوات في ظلّ هذا الوضع القاتم الذي كثرت فيه الانقساماتُ والمؤامرات والخيانات؟


لقد فهم الفلسطينيون أنّه لا يمكنهم المراهنة على الدعم العربي والإسلامي في ظلّ حكم مثل هذه الأنظمة الضعيفة والمتآمرة وفشلِ الشعوب في تغيير الأوضاع، لذلك اعتمدوا على أنفسهم في تحرير غزة في أوت 2005، وتحويلها إلى قلعةٍ حقيقية للمقاومة، وهم يواصلون مناوشةَ العدوّ في حدود إمكاناتهم المتواضعة، وضربَه بين الفينة والأخرى بعملياتٍ فردية جريئة تقضّ مضجعه.. لكنّ لنكن واقعيين، فمثل هذه العمليات لا يمكن أن تجبر الصهاينة على الهرب من فلسطين، والأمر يتطلّب تغيُّرا كبيرا في ميزان القوى لصالح الفلسطينيين، وسيتحقّق ذلك يوما وسيتمكّنون من ربح معارك كبيرة ضدّ الاحتلال، لنتذكّر فقط كيف بدأت المقاومة بالحجر والمقلاع والزجاجات الحارقة وتطوّرت الآن إلى صواريخ تغطي كلّ أنحاء فلسطين وطائرات مسيَّرة وغواصات غير مأهولة، والقادمُ أفضل بإذن الله.

 

(الشروق الجزائرية)

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع