ملفات وتقارير

مؤشرات اقتصادية مرعبة بانتظار المصريين.. قراءة بالسيناريوهات المحتملة لأزمات 2024

تدخل مصر عام 2024 مثقلة بأزمات اقتصادية عديدة من عام 2023- الأناضول
مع نهاية العام 2023، تبدو هناك تغييرات مثيرة على الأسعار في الأسواق المصرية، ما يشير إلى احتمال انتقال أزمات العام المنصرم إلى العام 2024، بل وتفاقمها بنسب أكبر لتصبح أشد وطأة، ما يدعو إلى قراءة السيناريوهات المحتملة التي قد يواجهها أكثر من 105 ملايين مصري بالعام الجديد.

مثال إحدى تلك المؤشرات المرعبة، وفقا لرصد خبراء ومراقبين ومتحدثين لـ"عربي21"، هو ارتفاع سعر الذهب بنحو 150 جنيها في يوم واحد، وارتفاع سعر الدولار واليورو مقابل الجنيه إلى مستويات قياسية وبخسارة للعملة المحلية في يومين بنحو ثلاثة جنيهات.

وقبل نحو عام سجل سعر غرام الذهب عيار 21 نحو 1640 جنيه، لكنه في الثلاثاء 26 كانون الأول/ ديسمبر 2023، وصل إلى 3300 جنيه، بنسبة ارتفاع أكثر من 92 بالمئة.

"ارتفاع تاريخي للذهب"
ما دفع الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز، إلى القول عبر "فيسبوك" إنه "ارتفاع تاريخي متوقع وليس الأخير"، مضيفا أنه "بهذا المعدل ولنفس الأسباب بعد عام وفي نهاية 2024، قد يصل سعر الغرام من نفس العيار لـ 6048 جنيها".

وسخر الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، بقوله: "إنجاز تاريخي غير مسبوق، والقادم أكثر وأكثر"، موضحا أن "10 آلاف جنيه اليوم، تعادل ثمن دبلة خطوبة، إما للعريس أو للعروسة"، مؤكدا أن "ما نمر به حاليا أسوأ من الاحتمال، فما بالنا لو كان هناك أسوأ"، في إشارة إلى مستقبل الاقتصاد المصري في 2024.


وارتفعت أسعار الذهب بنحو 44 بالمئة، أو ما يعادل ألفي جنيه منذ عملية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، متأثرة بعد عوامل منها اتساع الفجوة بسعر الدولار بين السوقين الرسمي والموازي، وتجاوز الدولار في السوق السوداء 53 جنيها فيما بلغ في تسعير "الصاغة" نحو 54 جنيها، بحسب صحيفة "البورصة".

"الجنيه والدولار"
وفي ملف العملة المحلية مقابل العملات الصعبة، شهدت أسعار الدولار مقابل الجنيه، ارتفاعات قوية في السوق السوداء خلال تعاملات الاثنين الماضي ليقفز من مستويات 51 جنيها إلى 54 جنيها.

وحددت الثلاثاء، شهادات إيداع البنك التجاري الدولي في بورصة لندن سعر الدولار مقابل الجنيه عند 54 جنيها، بينما يواصل البنك المركزي المصري تثبيت أسعار الدولار مقابل الجنيه عند مستويات 30.95 جنيه.

الأستاذ بجامعة مينيسوتا الأمريكية محمد الشريف، وعبر موقع "إكس"، أشار إلى تفاقم أسعار الدولار الذى يستخدم في استيراد مستلزمات الإنتاج من خارج البنوك، مخاطبا المصريين بقوله: "استعدوا لموجة غلاء جديدة، ولا تقولوا جشع التجار".


"الحديد والدواء"
وفي السياق، ارتفع الثلاثاء، أيضا، سعر طن "حديد عز" إلى 41619 جنيها، بزيادة قدرها 262 جنيها، وسعر طن الحديد الاستثماري إلى 39039 جنيها، بزيادة 73 جنيها، في يوم واحد.

وفي قطاع الدواء، كشف المدير التنفيذي لمركز "الحق في الدواء"، ورئيس مجلس إدارة موقع "الحرية" الإخباري، أن هناك "زيادة بأسعار الأدوية متتالي هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر) للمستحضرات الحيوية المطلوبة، خاصة للأمراض المزمنة، بلغت نسبته 150 بالمئة من بعض الأصناف".

وكشف مدير إحدى شركات الأجهزة الكهربائية والمنزلية والمفروشات وأجهزة العرائس، عن "حالة خوف واضطراب في السوق لدى التجار من فقدان بضائعهم بسعر سوف يرتفع بعد أيام، في الوقت الذي لن يستطيعوا فيه توفير تلك البضائع من مصدرها بالسعر السابق، ما يعتبره التجار أزمة تدفعهم إلى تقليل البيع".

ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "حركة المشترون تزداد مع نهاية كل عام نظرا لما تقدمه الشركات من خصومات سنوية بالتزامن مع العام الجديد، ولكن الحركة خلال الأيام الماضية زادت بشكل كبير مع مخاوف الأهالي من ارتفاع الأسعار وانخفاض الجنيه في العام الجديد".

"أزمات من 2023 إلى 2024"
ووفق مراقبين، تدخل مصر العام 2024، ومعها أزمة مؤثرة شهدتها نهاية 2023، والخاصة بانخفاض 40 بالمئة في حركة عبور السفن بمضيق باب المندب، مع هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية دعما للمقاومة الفلسطينية، ما دفع شركات شحن عالمية لتغيير مسارها لطريق رأس الرجاء الصالح، ما يهدد دخل قناة السويس.


وفي السياق، تراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 30.8 بالمئة لتهبط إلى 22.1 مليار دولار العام المالي الماضي، مقابل 31.9 مليار دولار، وذلك في انخفاض يأتي بعد ارتفاع دام ثلاث سنوات متتالية، وسط توقعات باستمرار التراجع في 2024.

ومع قرار حكومي بتخفيف أحمال الكهرباء وقطع التيار يوميا عن ملايين المصريين منذ صيف 2023، يبدو أن الأزمة ممتدة في 2024، حيث صرح مسئول بوزارة الكهرباء أن الغاز المورد من وزارة البترول لتشغيل المحطات لا يكفي، وأن وقف تخفيف الأحمال مرتبط بعودة مستويات الغاز"، بحسب جريدة "البورصة".

ارتفاع التضخم لمستويات قياسية أزمة كبيرة شهدها 2023، وبلوغ الأساسي منه 36 بالمئة على أساس سنوي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يشير وفقا لتأكيدات البعض لارتفاعات قياسية أخرى منتظرة في أسعار جميع السلع في 2024، خاصة مع تراجع مرتقب بقيمة العملة المحلية.

"استمرار ذات السياسات"
واختتمت حكومة السيسي العام 2023، ببيع حصص في 7 فنادق تاريخية منها "كتراكت" بأسوان، و"قصر الشتاء" بالأقصر، و"مينا هاوس" بالقاهرة، و"سيسيل" بالإسكندرية، لرجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى ومستثمرين إماراتيين ودوليين، مقابل 800 مليون دولار.

ومن المتوقع أن تواصل حكومة السيسي، ذات النهج في 2024، تنفيذا لوثيقة ملكية الدولة التي تم إعلانها في 2022، وتنفيذا لمطالب صندوق النقد الدولي ببيع الأصول العامة وزيادة حصص القطاع الخاص.

كما أنه من المتوقع استمرار ذات السياسات نحو الاقتراض الخارجي، من صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية، مع طرح سندات "الساموراي" اليابانية، و"الباندا" الصينية، و"الروبية" الهندية، وذلك للوفاء بخدمة دين تصل 26 مليار دولار بالنصف الأول من 2024، و16 مليار دولار  بالنصف الثاني من العام.

ومن المتوقع أيضا وفقا لمراقبين تأزم موقف الدين الخارجي لمصر في 2024، حيث إنه بات مطلوبا من البلاد سداد 42.3 مليار دولار وفقا للبنك المركزي المصري، للوفاء بخدمة الدين الخارجي من فوائد وأقساط ومتأخرات.

وفي 2023، لم يعلو صوت أزمة فوق صوت أزمة العملة المحلية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 24.7 جنيه بنهاية 2022 إلى 31 جنيها رسميا، ومن 35 إلى 53 جنيها في السوق السوداء، وسط توقعات بارتفاعات كبيرة في 2024، وخاصة بالسوق السوداء إلى معدل يقترب من 100 جنيه، وإلى 60 جنيها بالسوق الرسمية.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، توقع الخبير الاقتصادي المصري جمال الشحات، أن المراجعات القادمة لقرض صندوق النقد الدولي بعد زيادته إلى 6 مليارات دولار ، تقود لزيادة السعر الرسمي للدولار من 31 جنيها بنهاية 2023، بنسبة 100 بالمئة ليتجاوز السعر الـ60 جنيها في 2024.

وفي الوقت الذي خفضت فيه وكالات التصنيف الائتماني الدولية قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها مثل خفض وكالة "ستاندرد أند بورز" تصنيف القاهرة من (B إلى -B)، وتخفيض "فيتش" و"موديز" من (B3 إلى CAA1)، من المرجح مواصلة ذات الانخفاض، وبالتالي تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد.
وتشير التوقعات لاستمرار انخفاض نسبة النمو لاقتصاد البلاد، الذي جرى تقديره من عدة جهات دولية بين 3 و4 بالمئة، خلال 2023 و2024.

بل إن الأمر، قد يصل إلى أزمات أوسع في ملف مياه النيل، وهو المؤشر الذي يدعمه تصريح لوزير الري المصري هاني سويلم.

الوزير قال فيه قبل أيام، إن "إثيوبيا خصمت من حصة مصر 26 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق في الملء الرابع لسد النهضة، بما يعادل 53 بالمئة من حصة مصر"، ما قد يؤثر على الإنتاج الزراعي للبلاد، خاصة مع فرض إثيوبيا قرارها بالملء الخامس منتصف 2024، منفردة.


وفي ظل قراءتهم لمؤشرات الاقتصاد المصري وللارتفاعات الحالية بالأسعار في الأيام الأخيرة من 2023، تحدث خبراء إلى "عربي21"، عن مدى اعتبارها مؤشرات لما قد يطال المصريين من أزمات في 2024، مسجلين توقعاتهم لما قد يحدث بملف الأسعار والسلع.

كما أنهم تطرقوا إلى السيناريوهات المحتملة لملفات مصر الاقتصادية مثل الديون وفوائدها وأقساطها، وأزمة الدولار  والجنيه، وملف بيع الأصول، والاستثمار، وأيضا الفقر والبطالة وأوضاع المصريين في 2024، وأجابوا على التساؤل: كيف يمكن إنقاذ المصريين من أزمات محتملة بالعام القادم؟

"الانفجار قادم"
وقال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكرالله، إن "ارتفاع سعر غرام الذهب بمثل هذا الارتفاع الكبير ليس مستغربا؛ لأنه مازالت مشكلة أسعار الصرف قائمة بشكل كبير بالسوق المحلية".

وأكد لـ"عربي21"، أن "هذه المشكلة أدت لتعطيل الواردات المصرية من الخارج، وأدت أيضا إلى إغلاق العديد من المصانع، البعض يقدرها بالمئات والآخر  بالآلاف التي أغلقت لأنها لا تجد احتياجاتها من قطع الغيار والعدد والآلات والخامات".

وأضاف: "إذا كان هناك مشكلة قائمة في 2023، وما قبلها، فإن هذه المشكلة بشكل أو بآخر تؤثر على قفزات في الأسعار، وتظهر بصورة كبيرة في تلك السلع المرتبطة بالخارج والدولار والذهب وخلافه، وبالتالي فليس عجيبا أن نستيقظ لنجد زيادة كبيرة في أسعار الذهب قد تكون بمئات الجنيهات".

ويرى أننا "أمام مشكلة ليس لها حل حتى الآن؛ لأن الحل خارج سياق الاقتصاد الداخلي ويعتمد على أمور سياسية من الخارج، وبالتالي يمكن التوقع ببساطة طالما لا توجد حلول سياسية من الخارج لمسألة بيع الأصول أو للاقتراض الخارجي الجديد فإن مشكلة الدولار وهي المشكلة الرئيسية ستظل قائمة في 2024".

وتابع: "في ظل تصميم الدولة على عدم إعلان الإفلاس أو جدولة الديون الفترة الماضية، فإن عدم القدرة على الاستيراد الخارجي ستستمر، وبالتالي من الطبيعي توقع ارتفاعات متتالية للأسعار المختلفة في 2024، بينها الذهب وغيره من السلع الرئيسية".

وقال إن "ملفات الديون الخارجية أصل البلاء، فحجم المطلوب في 2024، أكبر بكثير من قدرات البلاد على إيجاده، وأعتقد أن الحكومة يمكن أن تسير في ظل الأوضاع الحالية 6 أشهر من العام الجديد على الأكثر، لكن المشكلة ستنفجر في النصف الثاني من العام 2024".

وفي رؤيته، فإن "الحكومة في 2024، لن تستطيع تلبية احتياجاتها من النقد الأجنبي، ولن تستطيع التحميل على الوضع الداخلي، وجمع الدولار من الداخل والذهب من الأسواق المحلية وبيعه بالخارج، لن تستطيع في ذلك كثيرا إن استطاعت قليلا".

ويعتقد ذكرالله، أن "الأولى بالحكومة إيجاد حلول جذرية في مسألة الديون الخارجية وأقساطها"، موضحا أن "الجزء الأول سياسي، والثاني يتعلق بمسألة إعلان الإفلاس وجدولة الديون مرة أخرى بالفترة المقبلة"، مبينا أن "السيناريو الثاني مرجح لحد كبير، بأن نرى خلال أشهر  إعادة جدولة للديون".

وبشأن رؤيته لكيفية حدوث انفراجة بالعام الجديد بملفات الديون، والدولار ، وبيع الأصول، والاستثمار، والفقر والبطالة وأوضاع المصريين، أكد على ضرورة "حلحلة هذه الملفات وإيجاد حلا لها"، موضحا أنه "بدون وجود حلول جذرية لملف الديون وإعادة الجدولة وإيجاد مصادر جديدة للنقد الأجنبي فإن مسألة الحلول ستتأجل لبعد 2024".

"إذلال 2024.. ونية السيسي"
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى شاهين، إن "الأمر في غاية الصعوبة، والآن الناس في صراع شديد على شراء الذهب، بل إن هناك تخوفا شديدا جدا في ألا يجد المشترون الذهب وهم الآن في طوابير أمام محلات الصاغة التي لا تبيع ذهبا جديدا".

وتوقع في حديثه لـ"عربي21"، أن "أزمات الاقتصاد المصري في 2024، ليست في انفراج بل إلى تصاعد"، مؤكدا أننا "نحن ندخل على السيناريو الأرجنتيني، الذي يعني مزيدا من المديونية وهو الأمر الذي تعالجه الحكومة بمزيد من القروض".


وأضاف: "لذا فستكون مصر تحت رحمة المقرضين"، معربا عن أسفه من أن "هذا ما ستكون عليه أوضاع المصريين في 2024"، بل ذهب إلى توقعه دخول مصر  السيناريو اللبناني أو اليوناني أيضا.

وأرجع السبب، إلى أنه "الآن أي حلول مقترحة لحل الأزمة المصرية مع الديون لا تجدي في الأجل القصير فأنت تتحدث في معدل 5 سنوات لو أن هناك نية للإصلاح، لكن السيسي ليس لديه هذه النية، بل وأشعر أن هناك إذلالا لمصر وللمصريين بأن يكونوا بهذا الوضع الصعب للغاية، وهذا توقعي".

وقال إن "آخر التقارير حول ملف الديون والأقساط والفوائد تقول إن الفوائد أكبر من جميع إيرادات مصر بالكامل، ومعنى ذلك أن هنالك تزايدا في المديونية بالمرحلة المقبلة، وأن مصر في الـ2024، ستطبع نقودا جديدة ليزيد المعروض النقدي".

ولفت إلى أن هذا الأمر، "يؤدي إلى ارتفاع الأسعار  بالسوق المصرية ارتفاعا شديدا للغاية، يبخس معه قيمة الجنيه في الفترة المقبلة، وخلال الـ2024".

ويرى شاهين، أن "عدم استقرار قيمة الجنيه أو عدم ثبات سعر الدولار في مصر، لن يأتي بأي استثمارات أجنبية، لكن الاستثمار الوحيد سيأتي إذا قامت الحكومة برفع أسعار الفائدة لجلب استثمارات خارجية؛ لكن هذا أيضا سيفاقم الأزمة ويضخمها في مصر خلال الـ2024".

ولفت في نهاية حديثه إلى أن "انهيار قيمة الجنيه مجددا في الـ2024، بلا شك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالعام الجديد، وحتما سيزيد من نسب ومعدلات الفقر في البلاد التي ستشهد زيادات كبيرة بهذه الشريحة في الـ2024".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع