ملفات وتقارير

مقترح أمريكي لوقف النار مؤقتا في غزة.. ما الذي تغير في موقف إدارة بايدن؟

يحذر مشروع القرار الأمريكي المرتقب من مغبة التوغل البري المحتمل في رفح- الأناضول
اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع قرار على مجلس الأمن، يدعو إلى وقف إطلاق نار مؤقت في قطاع غزة، في أعقاب استخدامها "الفيتو" ضد مشروع قرار جزائري يطالب بوقف إطلاق نار دائم.

ويحذر مشروع القرار الأمريكي من مغبة التوغل البري المحتمل في رفح، التي نزح إليها مئات الآلاف ممن تعرضوا للقصف الإسرائيلي العشوائي والعنيف في شمال ووسط قطاع غزة، لكنها لم تحدد موعد طرح المشروع للتصويت.

ووفقا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، فقد قال مسؤول أمريكي كبير: "لا نخطط للتعجل في التصويت"، موضحا أن الإدارة "لا تعتقد أن على المجلس اتخاذ إجراء عاجل لتحديد موعد نهائي للتصويت" على مشروع القرار الذي يدعم إطلاق نار مؤقت في غزة شريطة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.

وفي تبريرها لاستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الذي قدمته الجزائر، قالت مندوبة الولايات المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد: "لن تؤدي المطالبة بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار من دون التوصل إلى اتفاق يلزم حماس بإطلاق سراح الرهائن إلى سلام دائم، بل قد تؤدي بدلا من ذلك إلى إطالة أمد القتال بين حماس وإسرائيل، وإطالة فترة احتجاز الرهائن، وهي تجربة وصفها الرهائن السابقون بالجحيم، وإطالة الأزمة الإنسانية الأليمة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة".

وشددت المندوبة الأمريكية على "اعتقاد الولايات المتحدة بأنه على الرغم من مشاركة العديد من الأطراف في مفاوضات حساسة، فليس هذا الوقت المناسب لاعتماد قرار مماثل، إذ إنه يعرض هذه الجهود للخطر".

محاولة التفافية
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، إن "إدراج بند في النص الأمريكي يدعو إسرائيل على وجه التحديد إلى عدم شن هجوم على رفح، بدلاً من قصر هذه المناشدة على القنوات الثنائية، يُنظر إليه على نطاق واسع في الأمم المتحدة على أنه إشارة إلى نفاد صبر بايدن المتزايد تجاه حكومة بنيامين نتنياهو".

وأوضحت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن "هذا البند في المقترح الأمريكي يُشير أيضا إلى الإحباط إزاء فشل الرئيس الأمريكي في كبح جماح الهجوم المستمر على غزة، الذي دخل الآن شهره الخامس".

ريتشارد غوان مدير مجموعة الأزمات في الأمم المتحدة، يقول إنه "من الصعب أن نعرف على وجه اليقين لماذا اتخذت الولايات المتحدة هذه الخطوة، وربما يكون ذلك مجرد محاولة لصرف الانتباه عن الفيتو الأخير، وقد تأمل أيضاً في إشراك أعضاء آخرين في مجلس الأمن في مفاوضات موسعة حول المقترح الجديد، كوسيلة لكسب الوقت".

وتابع غوان خلال تصريحاته لـ"عربي21": "ومع ذلك، أعتقد أن الولايات المتحدة كانت تنوي أيضًا إرسال بعض الإشارات الواضحة إلى إسرائيل من خلال هذه المبادرة، ومن الواضح جدًا أنها تتوقع منها التراجع عن الهجوم على رفح، وتهدئة التوترات في الضفة الغربية، وإذا تجاهلت تل أبيب هذه الإشارات، فقد تهدف واشنطن إلى دفعها دبلوماسياً في الأمم المتحدة".

ويعتقد، أن "المحادثات حول المقترح الأمريكي ستستغرق بعض الوقت وستكون صعبة، وربما تأمل الولايات المتحدة أن تسفر محادثات باريس الجديدة بشأن الرهائن عن نتائج إيجابية وتغيير سياق مناقشات الأمم المتحدة، لكنني أعتقد أن واشنطن قد أرسلت تحذيراً خفياً ولكنه مهم إلى إسرائيل للحد من عملياتها".

باتريك جيمس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا، يرى أن "أي شيء مُقترح من واشنطن سيكون مختلفاً تماماً في نيته عما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لوقفه".

وتابع جيمس في حديث خاص لـ"عربي21": "يشير الحدس إلى أن الولايات المتحدة تحاول تجنب الظهور بمظهر المعرقل للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وغيرها من الجهات لإنهاء القتال، كما أن بايدن ونتنياهو خصمان سياسيان، وبالتالي فمن غير المرجح أن تتأثر إسرائيل كثيراً بأي شيء تقوله واشنطن".

بالمقابل، يعتقد المختص بالشأن الأمريكي خالد الترعاني، أن "الموقف الأمريكي من مشروع القرار الذي قدمته الجزائر باستخدام الفيتو ضده مخزِ، حيث ما زالت الولايات المتحدة مصرة على دعم الاحتلال الإسرائيلي في الإبادة الجماعية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني في غزة".

وحول المقترح الذي قدمته واشنطن، اعتبره الترعاني خلال حديثه لـ"عربي21"، "محاولة للالتفاف على الاستحقاق الإنساني والأخلاقي بالتوقف عن هذه الإبادة الجماعية".

وأوضح أن "المقترح والموقف الأمريكي ينقسم لشقين، أولا هو محاولة لإنقاذ الاحتلال الإسرائيلي من نفسه ومن جرائمه، بأن تدعو واشنطن إلى وقف إطلاق نار مؤقت دون أن تفرض هذا الوقف من خلال مجلس الأمن الذي يصبح مُلزما ودون شروط، بمعنى أنه يجب أن يكون هناك وقف إطلاق نار دائم".

ويرى الترعاني أن "واشنطن تحاول تخفيف وطأة قرار مثل هذا على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأما الشق الثاني من موقفها، فيعتقد أن الولايات المتحدة غير مرتاحة من هذا التعنت الإسرائيلي عموما مع واشنطن، ورفض نتنياهو لأي مقترحات أمريكية".

حفظ ماء الوجه
وحول ما إذا كان المقترح الأمريكي هو ضغط أمريكي على الاحتلال، أو أن الموقف الأمريكي تغير، قال الترعاني: "في كل مرة تصرح فيها واشنطن بدعوة معينة ومحاولة لإنقاذ وحفظ ماء وجهها من الجرائم الإسرائيلية، نرى الجانب الإسرائيلي يخرج بتصريحات أكثر تطرفا، ومناوئا لها، وبالتالي فقد تكون هذه الدعوة محاولة للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي".

وتابع: "بالتالي لا اعتقد أن الموقف الأمريكي تغير، حيث ما زالت الولايات المتحدة ملتزمة بأن تدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولا يزال هذا الدعم يمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي تمارسه سواء كانت هناك إبادة جماعية أم لم تكن".

ووفقا للترعاني، "لا يعني المقترح الأمريكي أن موقف واشنطن تغير، بل هو محاولة لإرسال رسائل، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ما زالت متواطئة بشكل كامل مع جريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ويعتقد أن الاختلاف بين الولايات المتحدة والاحتلال هو على الوسائل والأدوات وليس على الأهداف".

وحول ما إذا كانت رسالة واشنطن موجهة للاحتلال أم لغيره، قال المحلل السياسي: "قد تكون رسالة للاحتلال الإسرائيلي، ولكن يمكن هنا تشبيه هذا الوضع بما يحدث في إسرائيل، بمعنى كما يمكن أن يختلف بيني غانتس مع نتنياهو ويخرج للإعلام بتصريحات تعبر عن عدم رضاه عن سياسة الأخير، الولايات المتحدة أيضا تخرج بنفس الطريقة بتصريحات تعبر فيها عن عدم ارتياحها أو عن اختلافها مع بنيامين نتنياهو".

وتابع: "ولكن هذا لا يخرجها من مربع الداعم للاحتلال الإسرائيلي، تماما كما أن تصريحات غانتس لا تخرجه من كابينت الحرب الإسرائيلية، والولايات المتحدة ما زالت شريكة لإسرائيل في الإبادة الجماعية، وإن اختلفت معها في الوسائل والأدوات ولم تختلف معها على الأهداف".

مصالح مشتركة وعواقب انتخابية
بالمقابل، يرى باتريك جيمس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن "مصالح الولايات المتحدة ترتبط بشكل واضح بإسرائيل بالمعنى العام، لذلك يبدو هذا الأمر -الضغط على إسرائيل- غير مرجح على الإطلاق، كما أن إدارة بايدن متأخرة جدًا في استطلاعات الرأي أيضًا، لذا فإن أي شيء قد يكون مكلفًا في الداخل من غير المرجح أن يحدث لهذا السبب".

وتابع: "أيضا طبيعة هجوم السابع من تشرين أول/ أكتوبر عززت الرأي العام لصالح إسرائيل، والطرف الأيسر فقط من الرأي العام داخل الحزب الديمقراطي هو المناهض لإسرائيل أو المؤيد للفلسطينيين".

ويعتقد أنه "من غير المرجح أن يدعم هؤلاء الناخبون ترامب تحت أي ظرف من الظروف، وبالتالي فإن الحافز السياسي الأساسي لبايدن هو قول أقل كلام ممكن عن غزة؛ لأن أي شيء يُنظر إليه على أنه مناهض لإسرائيل من المرجح أن يقلل الدعم الإجمالي في الانتخابات المقبلة".

ماذا بشأن الأونروا؟
وكانت واشنطن و16 دولة أخرى قد أوقفت دعم الأونروا، وذلك بناء على مزاعم إسرائيلية بأن بعض موظفي الوكالة الأممية قد شاركوا في عملية طوفان الأقصى.

وأوقفت هذه الدول الدعم دون القيام بتحقيق مستقل في المزاعم الإسرائيلية، كما أن الأونروا نفسها فصلت بعض موظفيها أيضا دون القيام بتحقيق شفاف والتأكد من مزاعم الاحتلال.

ويدفع طلب واشنطن وقف إطلاق نار مؤقت للتساؤل حول ما إذا كانت ستفكر في إعادة دعمها المادي للوكالة الأممية.

باتريك جيمس يقول إن "هذا الأمر يعتمد على ما سيكشفه التحقيق حول تورط موظفي الأونروا في الحرب نفسها، ولسوء الحظ، إذا تبين أن هذا هو الحال، فمن المرجح أن يؤثر ذلك على واشنطن بطريقة مستدامة، وهذا ليس جيدًا للمساعدات الإنسانية".

أما خالد الترعاني، "فلا يتمنى أن تكون مساعدة الشعب الفلسطيني والأونروا ورقة مفاوضة مع الاحتلال الإسرائيلي من قبل الولايات المتحدة".

وأكد أن "حق الشعب الفلسطيني بالحياة وألا يموت من الجوع هو حق إنساني أساسي، ويجب ألا يكون عُرضة للمفاوضات أو للمزايدات، وإذا حاولت الولايات المتحدة أن تجعل منه ورقة مساومة وضغط، فإنه سيكون مزيد من الشراكة للاحتلال الإسرائيلي في جرائم الحرب التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني في غزة".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع