ملفات وتقارير

سابقة تاريخية.. لماذا منحت حكومة العراق مدافع ثقيلة للبيشمركة؟

تسليح البيشمركة أثار جدلا واسعا في العراق- جيتي
في سابقة هي الأولى من نوعها تاريخيا، سلمت الحكومة العراقية، قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان، مدافع "هاوتزر" الأمريكية، الأمر الذي أثار جملة من التساؤلات عن دوافع هذه الخطوة وتوقيتها، خصوصا بعدما انتقدها رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.

وكتب الحلبوسي تدوينة على منصة "إكس" الأسبوع الماضي، رفض فيها بشكل قاطع تسليح قوات محلية واجبها الدستوري يقتصر على حفظ أمن داخلي ضمن حدود مسؤوليتها بمدفعية ثقيلة متطورة، وأن هذا النوع من الأسلحة يجب أن يكون حكرا على الجيش العراقي فقط.

وخلال مقابلة تلفزيونية بثت، الجمعة، رأى أن خطوة رئيس الحكومة العراقية هذه، تكمن وراءها مساع مسبقة لتشكيل تحالف سياسي مبكر مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزعيم كتلة العقد الوطني، رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض، من أجل تشكيل الحكومة المقبلة.


تنافس سياسي
تعليقا على  ذلك، قال مناف الموسوي مدير مركز "بغداد" للدراسات لـ"عربي21" إن "تصريحات الحلبوسي محاولة للعودة إلى الواجهة السياسية، فهو يسعى إلى رد الغبن عن نفسه بعدما تخلى عنه شركاؤه السابقون وعلى رأسهم الحزب الديمقراطي الكردستاني".

ورأى الموسوي أن "الحلبوسي يريد الإشارة إلى أنه لا يزال متواجدا في المشهد السياسي ولديه القدرة على المناورة وبناء تحالفات سياسية جديدة، خصوصا عندما تحدث عن تحالف مبكر بين السوداني، والحزب الديمقراطي، وفالح الفياض، إضافة إلى الخنجر، الذي ذكره بالغمز وليس بالإشارة".

وأردف: "لكن في الوقت نفسه، فإن الحلبوسي يتجه شرقا لإقامة تحالفاته، وقد يكون مع عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي الذي التقاه مؤخرا، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل الطالباني، وحركة بابليون بزعامة ريان الكلداني".

وأشار إلى أن "كل هذه بالنتيجة هي تحركات سياسية قد تؤشر إلى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، على اعتبار أنها مدرجة ضمن البرنامج الحكومي الذي صوت عليه البرلمان، وبالتالي يريد الحلبوسي أن يعضد مطلب نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، والذي سبق أن دعا إلى انتخابات المبكرة".

ولفت إلى أن "التحالفات الكثيرة التي بدأت تأخذ أشكالا مختلفة عن السابق سواء كان بالتوجهات أو التعاملات وفق الوضع الإقليمي الجديد والحالة المحلية الحالية من خيارات متعددة، وهذا يشير إلى الحراك السياسي لأغلب الكتلة والقوى السياسية".

وأكد الموسوي أن "الحلبوسي أراد الاستفادة من خلافات حقيقية داخل الإطار التنسيقي سببها شبكة التجسس (مجموعة محمد جوحي) التي كشف عنها في مكتب رئيس الوزراء، وبالتالي سعى إلى انتاج نفسه سياسيا وفق التناقضات الموجودة داخل الإطار".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، إن "ما أثار الحلبوسي ضد كردستان العراق هو تعامل الإقليم مع رئيس حزب السيادة خميس الخنجر بمساحة أكبر على حساب حضور الحلبوسي السياسي، باعتباره الأكثر تمثيلا سياسيا داخل المكون السني، لكن الأكراد يرون غير ذلك".

وأضاف البيدر في حديث لـ"الاستقلال" أن "القضية الأخرى تتعلق بمحاولة الحلبوسي التقرب من بعض قيادات الإطار التنسيقي، مستثمرا الخلافات بينهم وبين رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني".

وأشار إلى أن "التصريحات لا تخرج عن بعدها السياسي والهدف منها خلخلة حالة الاستقرار السياسي، وأن الحلبوسي يسعى من خلالها إلى العودة للمشهد السياسي بكل الإمكانيات والوسائل المتاحة".


وضع مغاير
وبخصوص انعكاس خطوة التسليح على الواقع السياسي والأمني، قال الموسوي إن "هناك إشكالية في عملية تسليم المدافع، على اعتبار أن البيشمركة قوات غير تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، ولا تأتمر بتوجيهات وزارة الدفاع، لذلك فإن تسليحهم يعني خلق جيش داخل جيش".

وبين الموسوي أن "هناك معارضة داخل الإطار التنسيقي، ولا سيما من الخزعلي الذي رفض هذه الخطوة، إضافة إلى انتقاد شعبي للصفقة التي جرى من خلالها تسليم أسلحة ثقيلة هجومية إلى قوات داخلية لا تحتاجها، لأن أي هجوم خارجي هو من مسؤولية الحكومة العراقية".

وخلص إلى أن "تسليم السلاح خطوة عليها الكثير من علامات الاستفهام وإشكاليات كثيرة تحتاج إلى تفسير، وبالتالي استفاد الحلبوسي من هذه القضية وطرحها على أنها عملية تخالف الدستور، وأن هذه المخالفة أقدمت عليها الحكومة، ودعا البرلمان إلى استجواب رئيس الوزراء".

وفي المقابل، استبعد البيدر استخدام السلاح في المناطق المتنازع عليها بين محافظتي كركوك ونينوى وإقليم كردستان، بالقول: "الكرد فهموا اللعبة جيدا ولا يمكن لهم أن يجازفوا بأي خطوة في استخدام هذه الأسلحة للاعتداء على سكان المناطق المتنازع عليها".

وأشار البيدر إلى أن "ما يمنع إقدام كردستان العراق على أي استخدام للأسلحة في مهاجمة محافظات قريبة منه، هو أن الوضع الإقليمي والدولي لا يسمح بذلك، وأن الإقليم بدأ يحتفظ بمكاسبه التي حققها سابقا، ولاسيما في ما يتعلق بالمساحة الجغرافية، ولا يريد التمدد".

وأردف: "ربما هناك حاجة أخرى دفعت لتسليح قوات البيشمركة، لأن إقليم كردستان كان له دور أمني وخدمي وإنساني في مساعدة المناطق القريبة منها والتقرب من أهلها أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة عام 2014".

ودعا البيدر إلى "عدم احتساب هذه المناطق (نينوى، وكركوك) على سياسي معين حتى لا تسبب في خلخلة هذه العلاقة بين الأهالي وإقليم كردستان".

واتهم البيدر من وصفهم بـ"صانعي المشهد السياسي" في العراق بالبحث عن ثغرة أزمات للدخول منها وتشكيل واقع معين يكون لصالحهم وليس لصالح حالة الاستقرار وعملية الاستثمار والبناء في البلد، لذلك فإن إثارة الجدل في القضايا التي طرحها الحلبوسي سياسية وليست إصلاحية.

وفي رسالة وجهها إلى الحكومة العراقية، السبت، قال زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" القيادي في الإطار التنسيقي قيس الخزعلي: "إننا نرفض تسليم السلاح إلى أي قوات محلية عدا الجيش العراقي"، مطالبا إياها بـ"العمل على تصحيح هذا الخطأ وإرجاع تلك الأسلحة إلى الجيش الاتحادي".

وردت وزارة الدفاع العراقية، الخميس، في بيان أكدت فيه أن "تسليم المدافع تم بناءً على مذكرة رئيس أركان الجيش العراقي وبعد اتخاذ التدابير اللازمة"، موضحة أن "البيشمركة هي قوة وطنية لا يشك في ولائها للعراق، وأن التعاقد على السلاح حصل قبل أكثر من سبع سنوات".