مقابلات

خبير عسكري أردني لـ"عربي21": هذا سر صمود المقاومة بعد عام من العدوان (شاهد)

الخبير الصمادي تحدث لـ"عربي21" عن قدرات المقاومة خلال عام من الحرب- عربي21
بعد مرور عام على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان لا بد من تحليل الوضع العسكري، سواء للمقاومة أو للاحتلال، وتقديم قراءة تحليلية لمكاسب وخسائر الطرفين.

ولتحليل مسار الحرب على غزة بعد هذا العام الدامي والقاسي على شعب غزة، الذي يرزخ تحت حصار وانتهاكات وجرائم حرب إسرائيلية منذ 17 عاما، التقت "عربي21" الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء ركن محمد الصمادي، الذي أكد أن "المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة، بالمقابل فشلت إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب الرئيسية، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وقادتها".

وقال الصمادي إن "الحرب على غزة ليست صراعا بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل هي حرب كونية، هدفها إنهاء المقاومة الفلسطينية، والقضاء على حلم الفلسطيني بالتحرر، وإنهاء حكم حركة حماس".

وأشار إلى أن "التشتت العربي والتخاذل الدولي والإقليمي ساهم في إطالة أمد الحرب، التي قد تستمر لما بعد الانتخابات الأمريكية، كذلك أثرت الخلافات البينية بين الدول العربية وحركة حماس، والتي قُدمت على الصراع العربي الإسرائيلي، على موقف الحركة".

وتاليا نص الحوار، الذي أُجري قبل اشتداد القصف الإسرائيلي على لبنان واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله:

سيادة اللواء، بعد مرور عام على الحرب على غزة، ما تقييمك لمسارها وموقف الاحتلال والمقاومة من ناحية المكسب والخسارة؟
حقيقة عندما نأخذ بعين الاعتبار هذه الحرب التي قاربت على العام منذ 7 أكتوبر أستطيع أن أقول بأن هذه الحرب - سواء ما قامت به القسام والفصائل المسلحة، وما قام به العدو الصهيوني من عمليات في قطاع غزة -، أذهلت العالم أجمع على الصعيد العسكري.

بداية من الفشل الاستخباري لجيش الاحتلال الإسرائيلي والذي كان يُروج له بأنه جيش قوي وأنه ضمن الجيوش المتقدمة في العالم وأنه قوة لا تُقهر، وعملية اجتياز الحدود في غلاف غزة وقتل وإصابة وأسر المئات من العسكريين الإسرائيليين والمدنيين، حقيقةً كانت عمل عسكري طموح ومفاجئ.

جيش الاحتلال بناءً على هذه العمل الذي قامت به المقاومة قام بعملية عسكرية شملت تقريبا معظم مناطق القطاع، بدأها بمرحلة القصف التمهيدي لمدة 20 يوماً، ثم قام بعملية الهجوم البري ضمن مفهوم الحسم العسكري لاستئصال التهديد من جذوره.

والذي باعتقادي لغاية الآن لم يحقق الأهداف السياسية ولكنه حقق الأهداف الغير معلنة للحرب بتدمير تقريبا ما يزيد عن 80 في المئة من القطاع، وقتل ما يزيد عن 45 ألف من المواطنين وعشرات الآلاف من الجرحى ومن هم تحت الأنقاض، وتجفيف منابع الحياة وتدمير القطاع بشكل كامل تقريبا.

استمرار المقاومة بهذه الوتيرة لغاية الآن في العرف العسكري يُعتبر معجزة عسكرية، إسرائيل حقيقةً هي استطاعت أن تعيد احتلال القطاع وتُضعف القدرات العسكرية لفصائل المقاومة، وتنفيذ عمليات الإبادة والتهجير والعقوبات الجماعية تدمير البنى التحتية والمدارس ودور العبادة والمنظمات الإنسانية والمستشفيات والجامعات.

وهنا لابد أن نحدد عناصر القوة والضعف لكلا الطرفين خلال هذا العام، من خلال رؤية تحليلية أستطيع أن أقول بأن عناصر القوة للجانب الإسرائيلي هي التفوق العسكري، فنحن هنا أمام قوة نظامية وتشكيلات من الفصائل المسلحة هي لا ترقى لأن تكون قوة منظمة، إنما هي فصائل مسلحة تقاتل بالمجموعات الصغيرة.

كذلك من عناصر قوة جيش الاحتلال الموقف الدولي والإقليمي المؤيد له، أيضا مما ساعد جيش الاحتلال الصمت العربي والإسلامي بعدم اتخاذ إجراء كفيل بإيقاف إسرائيل عن الاستمرار في عدوانها على قطاع غزة.

أما عناصر الضعف فهي الخسائر البشرية التي مُني بها جيش الاحتلال، وحقيقة أستطيع أن أقول بأنها أثرت بشكل كبير على معنويات جيش الاحتلال، كذلك خلقت انقسامات عديدة ما بين الحكومة والمؤسسة العسكرية، ومن متابعتي فإن تداعيات الحرب المحتملة في الضفة الغربية والتحشيد على الجبهة الشمالية يزيد الأمور تعقيدا.

أما بخصوص المقاومة أعتقد بأن الإرادة والصمود والاستعداد للتضحية أمام انسداد الخيارات الأخرى، وتلاحم الحاضنة الشعبية مع المقاومة، واستعداد هذا المزيج من الحاضنة الشعبية والمقاتلين من القسام والفصائل المسلحة للاستمرار في القتال، أعطاها زخما إضافيا لأن تكون قادرة على الاستمرار.

لكن من عناصر الضعف بما يتعلق بالمقاومة باعتقادي أولها الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني بين حماس وسلطة رام الله، كما أن هناك اختراق أمني واستخباري إسرائيلي كبير في الضفة وفي قطاع غزة.

كذلك عدم وجود دعم عسكري، حيث تعرضت القسام والفصائل المسلحة لحصار مدته 17 عاما، أيضا منذ بداية الحرب هناك حصار مُطبق على قطاع غزة، وهذا أدى أن يكون هناك محاولة لإسرائيل لاستنزاف القدرات القتالية العسكرية للاستمرار بالقتال.

لكن أعتقد بأن المقاومة خلال القيام بهذه العملية راهنت على تحرك الشارع العربي والفلسطيني، عادة أي جهة تريد أن تقوم بعمل عسكري تقوم بعمل تقدير موقف استخباري، وتقدير موقف عملياتي.

وباعتقادي بأن القسام قبل أن تقوم بعملية اجتياز الحدود في 7 أكتوبر قد درست هذه الأمور واعتقدت بأنه قد يكون هناك خيارات بالغة الصعوبة والخطورة، ولكنها قد تكون راهنت على محور المقاومة حال تعقدت الأمور بما يتعلق بالجبهة الشمالية من حزب الله أو من الجانب الإيراني، وقد تكون راهنت على أن يكون هناك موقف عربي وإسلامي.

ولكن أعتقد تبين بأن هذه المراهنة لم تكن صائبة، وبقيت القسام والفصائل المسلحة في الساحة لوحدها، على الرغم من أن الجبهة الشمالية بين حزب الله وإسرائيل تجري فيها مناوشات عديدة، وجبهة البحر الأحمر هناك عملية استنزاف للحركة البحرية، وإطلاق مسيرات وصواريخ، ونعم قد تكون إسناد لكنها غير مؤثرة على العمل العسكري داخل القطاع.

قلت إن هناك إضعافا حصل للمقاومة، ما حجمه؟ وما تأثيره؟ كذلك ما الذي ساهم بصمودها حتى الآن؟

أولا المقاومة هي حركة من حركات التحرر، وعندما نريد أن نتحدث عن الحاضر والتنبؤ بالمستقبل لابد لنا أن نقرأ التاريخ، عادة حركات التحرر لا يمكن أن يتم كسرها اطلاق، قد تخبو حدتها أحيانا، ولكنها قادرة على أن تقوم بإعادة ترميم قدراتها، لكن ما هو السر الذي جعل المقاومة أن تكون قادرة على الصمود؟

هنا لابد أن أشير بأن الجيوش النظامية في العادة عندما تخطط للقتال دائما ما تخطط للاستمرار لمدة أسبوع أو شهر أو 60 يوما، وعندما نتحدث عن ترسانة الذخائر والأسلحة التي قد تحتاجها أي دولة أو أي جيش نظامي لما يزيد عن 60 يوم قتال تكون التكاليف باهظة جداً ومكلفة.

ولذلك ما هو السر الذي مكن حماس والفصائل المسلحة من الصمود لمدة عام تقريبا - وباعتقادي أنها قادرة أن تصمد أزيد من هذا العام -، باعتقادي هو التكيف والتأقلم واستخدام تكتيكات مرنة للقتال بالمجموعات الصغيرة.

والعدو الإسرائيلي كان يتوغل في العديد من المناطق، ولكن القتال في المناطق المبنية دائما هو معقد وتشوبه العديد من المخاطر، ودائما الأرض هي لصالح المدافع على المهاجم.

كذلك عملية التنسيق التي كانت تتم وما زالت بين الفصائل المسلحة، أضافت بُعدا في مبدأ الاقتصاد بالقوة والجهد، عملية إعادة تجميع وترميم الكتائب والفصائل المسلحة، وعندما أتحدث عن التجميع، أتحدث عن القوى البشرية وعن الذخائر.

من جهة الجانب البشري، كان هناك إعادة لعملية التجنيد مكان الذين سقطوا شهداء خلال العمليات القتالية، حيث كان هناك تجنيد من العنصر الشاب من الحاضنة الشعبية لسد النقص.

أما فيما يخص الذخائر، فحينما نتحدث عن هذه الحرب المجنونة، نتحدث عن كميات هائلة جدا من القنابل أُلقيت على قطاع غزة قد تكون الآن تتراوح ما بين 80- 90 ألف طن، وهذه الذخائر عادة 10 في المئة منها من ناحية عملية لا تنفجر.

وهذه الذخائر تقوم المقاومة بجمعها وإعادة تدويرها وتصنيعها واستغلالها، وكما لاحظنا في العديد من الكمائن المركبة التي كان يتم فيها استهداف أعداد من الدبابات وناقلات الجند الآلية من خلال عملية التفجير لهذه القذائف، وبالذات قذائف الطائرات مثل MK84 والتي يبلغ وزنها ألفين رطل ويوجد فيها مادة متفجرة يزيد وزنها عن 429 كيلو غرام، كذلك كان هناك إعادة تصنيع لبعض هذه الذخائر.

ولو تحدثنا عن الحرب في قطاع غزة فهي فريدة من نوعها، لأن هناك بُعد فوق الأرض وهناك بُعد تحت الأرض، وشبكات الأنفاق على الرغم من تدخل البريطانيين والأمريكان والعديد من الأجهزة الاستخبارية، إلا أن جيش الاحتلال وهذه المنظومات الاستخبارية فشلت بشكل مطلق أن تحدد أماكن الأنفاق بشكل دقيق وماهيتها، حتى وإن تم تدمير بعضها باستخدام القنابل الارتجاجية وهذا شيء طبيعي.

فنحن نتحدث عن 365 كيلو متر مربع تقوم جميع أسلحة جيش الاحتلال الإسرائيلي الجوية والبرية والبحرية بالمشاركة في عمليات التفجير والتدمير الممنهج، وعندما أتحدث عن هذا الكم الكبير من المتفجرات وأقسم هذا الكم الهائل على 2 مليون و400 ألف مواطن في قطاع غزة أستطيع أن استخلص بأن كل مواطن نصيبه كان ما يزيد عن 36- 37 كليو غرام من المواد شديدة الانفجار.

إذن هل يمكن القول إن الأنفاق كانت أحد أهم العناصر الحاسمة والقوية في يد المقاومة؟
هي ساهمت، لكن هناك العديد من الأسلحة، ونحن نتحدث الآن عن المفهوم التكاملي، الأنفاق أضافت بُعدا وعملت على معادلة الاختلال في مقارنة ميزان القوى، لأنه عندما نجد بعمليات القتال ما بين جهة وجهة لابد أن يتم عمل ما يسمى مقارنة القوى.

ومقارنة القوى كما ذكرنا هي بالمطلق لصالح جيش الاحتلال، لا يوجد لدى المقاومة دبابات ولا طائرات ولا زوارق بحرية ولا آليات مدرعة، ولذلك المقارنة مطلقة لصالح جيش الاحتلال، إنما هذه الأنفاق تؤمن لكتائب القسام وفصائل المقاومة مرونة الحركة التعبوية التي تمكنها من الحركة من مكان إلى آخر.

المعضلة في القتال في قطاع غزة بأن جيش الاحتلال هو مسموع ومرئي للمقاومة، لكن جيش الاحتلال هو يبحث عن فصائل المقاومة، والمقاومة هي نظمت نفسها بما يسمى بالتنظيمات العنقودية والتي هي موزعة على عقد دفاعية والتي تكون ضمن كتائب، والكتائب تكون ضمن ألوية، وتعتمد ماهية أو ما يسمى بمركزية التخطيط لا مركزية التنفيذ.

يعني نحن نتحدث عن قتال أحيانا بمجموعات صغيرة من 3- 4 أفراد، ولاحظنا في بعض العمليات قد يكون هناك فردين أو فرد يُنفذ عملية في قطاع غزة، بالإضافة إلى أن المشاغل والمخارط الموجودة في شبكات الأنفاق استمرت خلال هذا العام في عمليات التصنيع.

وعندما أتحدث عن أهم سلاح تم استخدامه في الحرب في قطاع غزة وهو الأسلحة المضادة للدبابات سواء الياسين 105 أو عبوة العمل الفدائي أو عبوة الشواظ، أتحدث عن أسلحة صُنعت من قبل المواطن الفلسطيني باستخدام مواد أولية وبعضا من المواد التي يتم الحصول عليها وإعادة تدويرها من ذخائر جيش الاحتلال التي لا تنفجر، ولذلك كان هناك ضمن هذه المشاغل عمليات لإعادة سد النقص الذي يحصل أثناء القتال في الجبهة.
 

بالإضافة إلى أن الجانب الفلسطيني كان يأخذ دروس مستفادة من العمليات ويقوم على تحسين القدرات التفجيرية لهذه العبوات، ولاحظنا بأن هذه الأسلحة فعليا كانت تؤدي إلى التدمير الكلي أو الجزئي للدبابات والآليات المدرعة.

كذلك لاحظنا في الآونة الأخيرة كان هناك استخدام لطائرات الدرونز في عمليات الاستطلاع والرصد والمراقبة، واستخدام الطائرات الانتحارية وطائرات مُسيرة لإلقاء بعضا من القذائف على الآليات الإسرائيلية.

أيضا لاحظنا في هذه الحرب أن القسام والفصائل المسلحة قامت بتطوير الأسلحة الصاروخية (أرض أرض)، حيث زادت من المدى والقدرات التفجيرية لهذه الصواريخ.

وباعتقادي بأن القدرة التي كانت موجودة لدى القسام للحصول على المعلومات التي كانت لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الكمبيوترات التي حصلوا عليها هي والأقراص المضغوطة والمعلومات في 7 أكتوبر، جرى تحليلها واستغلالها على أحسن وجه لمعرفة كيف يفكر جيش الاحتلال وماهية الأهداف الموجودة لديه، وهذا ساعد القسام لانتخاب مجموعة كبيرة من الأهداف والقدرة على التصدي لها وتدميرها.

ما أهمية الجانب العقدي لدى المقاومة في تعزيز صمودها؟
أولا نقطة مهمة جدا حتى أجيب على سؤالك وهذا سؤال مهم جدا، وقد يكون هو السبب الرئيسي من أهم العوامل في الصمود، دائما عندما يكون هناك صراع ما بين جيشين أو ما بين جيش وفصائل مسلحة لا يمكن أن تُحرز النصر إلا إذا استطعت أن تكسر إرادة الصمود.

وهنا السؤال، لغاية الآن بعد مضي هذا الوقت من القتال مما يقارب على عام، هل استطاع جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يكسر إرادة الصمود للمواطن الفلسطيني؟ أقول لك لا ولن يستطيع، حتى وإن استمرت هذه الحرب لعشرة أعوام أخرى ستبقى إرادة الصمود قوية.

الشيء الآخر كان جيش الاحتلال يُراهن على أن يقوم بإثارة الحاضنة الشعبية ضد المقاومة، ولكن هنا نقطة مهمة جدا، ما قام به جيش الاحتلال من ارتكاب الموبقات والجرائم والقتل والعقوبات الجماعية والتهجير القسري والتنكيل بالمواطن الفلسطيني وعمليات التنكيل والاعتداءات التي تتم في المعتقلات الإسرائيلية، جعلت الحاضنة الشعبية أكثر قربا من المقاتلين في القسام والفصائل المسلحة.

وكما نلاحظ أن هناك مواقف بطولية، وهذه سمة للمواطن الفلسطيني، وعندما نمزج هذه الإرادة من الصمود بالجانب العقدي والديني وبالإيمان بالله، - ونقطة مهمة جدا بأن المواطن الفلسطيني تُرك لوحده من هذا الخذلان من أمة الـ 2 مليار-، وصل المواطن الفلسطيني إلى مرحلة بأنه على يقين بأن هناك خياران فقط نصر أم استشهاد.

ولا يوجد في نهاية النفق أي فرصة أو إمكانية لأن يكون هناك مساعدة، وحتى من دول محور المقاومة على الصعيد العسكري قد تؤثر جزئيا، ولكنها لا أستطيع القول بأنها ترتقي بأن تُساعد ضمن آلية القتال في داخل قطاع غزة.

لذلك مزج الروح العقدية بإرادة الصمود جعل المواطن الفلسطيني ورجال القسام والفصائل المسلحة أكثر صلابة، وحجم الجرائم والموبقات التي يرتكبها جيش الاحتلال جعل المواطن الفلسطيني والمقاتل الفلسطيني أكثر شراسة وأكثر استبسال.

وهذا ما لاحظناه في عمليات يقوم فيها المقاتل بحمل عبوة العمل الفدائي أو عبوة الشواظ ووضعها على الميركافا أو على ناقلة الجند من مسافة قريبة من المسافة الصفرية، ويقوم بتفجيرها، هذه حقيقةً رجولة ويقين وعقيدة وإيمان بالله وإيمان بالقضية وإيمان بأنهم أصحاب حق، لا يمكن لأي قوة احتلال طاغية غاشمة أن تكسر هذه الإرادة من الصمود، ولذلك ما زال الشعب صامد على الرغم من حجم الجراحات.

نحن نتكلم عن مآسي وفظائع تُرتكب، إلا أن إرادة الصمود ما زالت متماسكة ولا يمكن أن يتم هزيمة الشعب الفلسطيني طالما لا زال هناك مواطن فلسطيني موجود على الأرض المحتلة.

ما تأثير الاغتيالات التي نفذها الاحتلال ضد بعض قادة المقاومة الفلسطينية؟ وهل سرعة إحلال قادة جدد مكانهم ساهم في صمود واستمرار المقاومة وتقويتها؟
حقيقةً أستطيع أن أقول وأصف الاغتيالات من وجهة نظر تحليلية بأنها عمليات تكتيكية تفتقر إلى رؤية استراتيجية طويلة الأمد، إسرائيل لغاية الآن لا تمتلك ما هو الفكر لليوم التالي للحرب، ولذلك هي تقوم بعمليات الاغتيال، والمؤسسة الأمنية عادت إلى عمليات الاغتيال وقد صدرت توجيهات بذلك ليس فقط ضمن الأرض المحتلة، إنما أيضا صدرت من حكومة اليمين المتطرف توجيهات للموساد الإسرائيلي بأن يقوم باستخدام أذرعه في المنطقة.

ولاحظنا أنه جرى تنفيذ اغتيالات للقيادات سواء في الداخل الفلسطيني أو في الجنوب اللبناني أو في سوريا والعراق أو حتى في إيران، ولذلك هذا التوجه لحكومة اليمين والمؤسسة الأمنية بأنها هي تعتقد أن عمليات الاغتيال قد تؤدي إلى إن القيادات التي تخرج سواء كانت قيادات سياسية أو عسكرية بعد اغتيالها تكون سماتها القيادية وأدائها العملياتي أفضل من القيادات التي ستتولى مقاليد السيطرة والقيادة على المستوى العسكري أو المستوى السياسي.

لكن عندما نأخذ على سبيل المثال حركة المقاومة الإسلامية حماس، ونأخذ كماً من الشهداء الذين ارتقوا من خلال عمليات الاغتيال، إلا أنها تزداد قوة وصلابة، والقيادات الفتية التي تتولى المناصب تكون كذلك لديها بُعد عقدي وديني، ولديها ما يحفزها لأن تقوم بالاستمرار في أعمال التصدي لجيش الاحتلال.

وحقيقةً النظام في حركات المقاومة وهو النظام العنقودي وليس النظام الهرمي يُساهم بخدمة التنظيم بأن يًبرز قيادات شابة تقوم على الفكر وليس على الأشخاص، وهنا عندما أمزج العقيدة القتالية بالشهادة في سبيل الله هي غاية تسمو لها أنفس المقاتلين لنيلها، لذلك نجد بأن عمليات الاستبسال والصمود هي مزيج ما بين الروح العقدية للمواطن الفلسطيني مع الخبرات المُكتسبة في عمليات القتال في قطاع



قلت إن المقاومة صامدة، لكن هناك رأي لمؤيدي التسوية السلمية يقول إن صمود المقاومة هو صمود المضطر، وإن هذا الصمود كان ثمنه دمار غزة، ما رأيك بذلك؟
لنكن منطقيين وواقعيين، السابع من أكتوبر كسر ميزان الردع الإسرائيلي، لكن حتى أكون مُنصفا، قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، واغتيال الرجل الثاني في حزب الله، واغتيال الشهيد إسماعيل هنية في إيران أعاد قوة الردع للجانب الإسرائيلي.

المقاومة هي صمدت بشكل أسطوري ولا تستطيع الجيوش النظامية أن تتحمل ما تحملته أمام قدرات جيش الاحتلال، الآن نلاحظ أن المقاومة حاليا تسعى لصفقة أو هدنة ولا خيارات أمامها، وكما ذكرت في بداية المقابلة الموقف الدولي والإقليمي، هناك إصرار إسرائيلي أمريكي، حتى عندما يتم الحديث والولايات المتحدة تبث أحيانا أجواء من التفاؤل لعقد صفقة لتبادل الأسرى أو أن يكون هناك هدنة.

لكن حقيقةً الولايات المتحدة وإسرائيل متفقان قلبا وقالبا على ضرورة استمرار العمليات الحربية وإدامة العمل العسكري وأن يتم الانتقال للمرحلة الرابعة من العمليات، وكان هناك تصريحات لنتنياهو سبقها تصريحات لوزير الحرب يواف غالانت وتصريحات لجيش الاحتلال بأن هذه الحرب قد تستمر طوال عام 2024 وقد تستمر لعام 2025، لماذا؟ لأن هناك إصرار على القضاء التام على القدرات القتالية التعرضية لفصائل المقاومة، بحيث أن لا تكون قادرة على القيام بالسابع من أكتوبر مرة أخرى.

ونعم المقاومة الآن ليست قادرة على تنفيذ عملية مشابهة لعملية السابع من أكتوبر، ولكن هذه طبيعة الحرب عندما نأخذ بعين الاعتبار القدرات القتالية كميات الأسلحة والذخائر، وهنا أستطيع أن أقول بأنه من الظلم القول بأن هذا الصراع هو ما بين الشعب الفلسطيني البطل في غزة والجانب الإسرائيلي، بل هي حرب كونية تُفرض على الشعب الفلسطيني ليس فقط من إسرائيل.

إن توقفت الحرب هذه اللحظة الآن ما تبقى من حماس قادر على أن يهزم إسرائيل لولا الدعم الغربي من الولايات المتحدة والدول الغربية، لكن نحن نتحدث عن ما يزيد عن 500 رحلة جوية فقط من أمريكا، وما يزيد عن 171 رحلة لسفينة عملاقة، والعديد من الشحنات التي وردت من العديد من الدول منها إيطاليا وألمانيا وغيرها من العديد من الدول لمد هذا العدو بالأسلحة، ونتحدث عن صفقات بالمليارات، وتوريد كثير من الأسلحة والتي مصانع الدول الغربية تعمل ليل ونهار لإدامة هذه الحرب في قطاع غزة.
ولذلك باعتقادي يمكننا القول بأن المقاومة صامدة، لكن قدراتها تأثرت، لكنها قادرة على الاستمرار بالصمود، ولكن هناك تصميم من العالم الغربي ومن إسرائيل على إدامة زخم الهجوم على المقاومة الإسلامية حتى يتم اجتثاثها من قطاع غزة وللأسف هذا هو الواقع، وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية تجارية خاصة، هناك أهداف خفية وخبيثة للحرب لإعادة رسم المنطقة.

والآن نلاحظ ما يقوم به جيش الاحتلال في العدوان الواسع الغير محدود على الضفة الغربية، ونلاحظ أن هناك الآن تصعيدا كبيرا جدا على الجنوب اللبناني لدفع قوات حزب الله شمال نهر الليطاني وإعادة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لذلك نتحدث عن عمليات ممنهجة قد تكون في الأيام أو الشهور أو السنوات القادمة، عمليات إعادة التهجير من الضفة الغربية وضمها هي والأغوار، لذلك نتحدث عن المشروع الصهيوني للتهويد وإعادة الاستيطان وتهجير المواطن الفلسطيني وقتله.

ذكرت قضية تشتت الساحة العربية، ما تأثير ذلك؟ وما تأثير إسناد جبهات أخرى في اليمن والعراق وجنوب لبنان للمقاومة الفلسطينية على مسار الحرب؟
تشتت المواقف العربية هو من أهم المواقف أو العوامل لإطالة أمد الصراع، الخلافات البينية بين الدول العربية وحماس قُدمت على الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا أثر بشكل كبير على موقف حماس.

وباعتقادي ما دفع حماس إلى أن تلجأ لقبول المساعدات الإيرانية هو عدم قيام أي دولة من دول المنطقة بتقديم المساعدة لها، ويُنظر لحماس أنها امتداد لحركة الإخوان المسلمين وهي محظورة في العديد من الدول.

أيضا نقطة مهمة جدا وهي أن بوصلة الدول العربية تائهة ولا يوجد تعريف لدى العرب ما هي ماهية التهديد في العقد أو العقدين القادمين من حياة الأمة، ولذلك لا يوجد مشروع عربي بما أننا لا نستطيع أن نحدد ماهية التهديد.

لذلك تلتقي بعض دول المنطقة مع الولايات المتحدة بأن دور حماس في غزة يجب أن يكون منتهي بعد الحرب، ولكن لغاية الآن لا نلاحظ بأن هناك حل سياسي واضح، حاولت إسرائيل في البداية أن تقوم بإسناد هذا الواجب إلى العشائر أو أن يكون هناك قوات إسلامية أو عربية أو دولية من الأمم المتحدة، لكن هناك تضارب في المواقف حول التالي للحرب، ولذلك باعتقادي أنه في هذه الحرب هناك تشابك للأمور العسكرية بالسياسية.

لكن عندما أتحدث عن محور المقاومة سواء حزب الله أو اليمنيين أستطيع أن أقول ما قلته في بداية الحديث بأنه من بداية الحرب هناك مناوشات ما بين إسرائيل قوات حزب الله على الجبهة الشمالية، وهناك فائض من القوة لدى قوات جيش الاحتلال.

باعتقادي هذه المناوشات ساهمت، ولا نستطيع أن ننكر بأن حزب الله تعرض لخسائر وأوقع أيضا خسائر في الجانب الإسرائيلي، إلا أن هذه المناوشات ضمن قواعد اشتباك متفق عليها إلى حد ما بين الطرفين، تتوسع أحيانا تضيق أحيانا، وتقوم على الفعل ورد الفعل، ولكنها على الصعيد العسكري داخل قطاع غزة أعتقد بأنها غير مؤثرة.

أما فيما يتعلق بعمليات الإسناد اليمني في البحر الأحمر، نعم هي أعاقت الملاحة وأثرت على الاقتصاد الإسرائيلي، ميناء أم الرشراش أو ما يسمى بإيلات أعلن إفلاسه، لكن هنا لابد أن نشير إلى أنها لم تؤثر على حركة السفن والطائرات بما يتعلق بإمداد العدو الإسرائيلي بالأسلحة، فجميعها تأتي من البحر المتوسط أو من المطارات الإسرائيلية.

قد تكون خففت العبء شيئا ما على المقاومة، ولكنها ليست فاعلة على الصعيد العسكري في إسناد جبهة القتال على المستوى العسكري داخل قطاع غزة والضفة الغربية.

متى يكون لها وزن؟ عندما تكون بوتيرة كبيرة وعندما يكون هناك أعمال عسكرية فاعلة تشمل العديد من الأهداف ليس فقط ضمن قاعدة الفعل ورد الفعل وإنما عندما تستهدف أهداف في العمق الإسرائيلي، ولكن هذه لها محاذيرها، حيث أن إسرائيل بعثت برسائل واضحة وصريحة إلى بيروت وطهران بأنه في حال استهداف أهداف ووقوع خسائر بشرية كبيرة في الجانب الإسرائيلي، قد يتم استخدام أسلحة لم يتم استخدامها سابقا، وهذا ما قاله نتنياهو.

متى تتوقع أن تنتهي هذه الحرب، أم أنها ستصبح معركة استنزاف طويلة الأمد كما توقع بعض الخبراء؟
في الواقع الأمور معقدة، وما نلاحظه الآن أن هناك تصعيدا على الجبهة الشمالية، وهناك محاولات لليمين المتطرف إلى جر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة، إسرائيل غير قادرة أن تقوم بالقتال وبالحرب وحدها، أو أن تشترك في حرب شاملة، لكنها تحاول أن تجر واشنطن.

باعتقادي الآن حكومة اليمين تقوم بشراء الوقت، وحقيقةً نتنياهو هو سياسي محنك مراوغ كاذب يستغل ما يجري داخل الأرض المحتلة، وأينما كان هناك نجاحات يجيرها لنفسه، وأينما كان هناك فشل يلقي باللوم على الأخرين، وهو يحاول أن يشتري الوقت حتى يحين موعد الانتخابات الأمريكية فالآن هناك صراع بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.

باعتقادي نتنياهو يُراهن الآن على وصول ترامب للحكم، وهذا الفارق بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، بمعنى الحزب الجمهوري إذا قال ترامب سأفعل كذا يقولون له أعمل على ذلك، ولذلك باعتقادي الحزب الجمهوري سيكون داعم لإسرائيل، وقد تستمر هذه الحرب إلى ما بعد الانتخابات، الآن هناك توافق ما بين إسرائيل والولايات المتحدة سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين على ضرورة إنهاء حكم حماس.

لكن الآن لن يستطيعوا أن يقضوا على حماس لأنها فكرة وأيدولوجية وليست شيء ملموس الآن، لكن قد يتم في المستقبل دمج حماس بواقع سياسي، وأن يكون هناك سلطة ضمن سلطة مدنية.

وهناك معلومات الآن تشير بأنه سيكون هناك حكم عسكري لشمال قطاع غزة وهذا ما أعلن عنه حكومة اليمين وجيش الاحتلال، وقد يكون في الفترة القادمة بدايةً حكم عسكري في القطاع ومن ثم سلطة، وأن يكون هناك محاولة للسيطرة على هذه المنطقة، ولكن باعتقادي بأن المقاومة ما زالت قادرة على التصدي، وبشكل عام الإجابة على هذا السؤال تعتمد على ماذا سيجري على الجبهة الشمالية؟

توقعت أن تستمر الحرب لما بعد الانتخابات الأمريكية، ولكن لو فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية، هل تعتقد أنه سيغامر هو والجمهوريون بالتغلغل عسكريا أكثر مع الاحتلال في قطاع غزة؟
يجب أن نعي تماما بأن إسرائيل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، المحافظة على التفوق الكمي والنوعي لإسرائيل وأمنها في المنطقة، ولكن أمريكا الآن تنظر إلى بحر الصين الجنوبي وإلى الصراع في أوكرانيا وقضية تايوان، ولذلك هناك قائمة بالأولويات.

وباعتقادي الآن المنهجية والسياسة الأمريكية بعدم إقحام المواطن الأمريكي في صراع، قد يكون هو عبارة عن دعم للجانب الإسرائيلي دعم سياسي ودعم عسكري غير محدود، وأن يتم دفع الإسرائيليين لارتكاب حماقات ضمن المنطقة، هذا يعتمد على الموقف العربي، هل سيتغير الموقف العربي؟

باعتقادي الأخطار المحدقة بالمنطقة كبيرة جدا، كانت دول الطوق سابقا قبل أن يكون هناك معاهدة السلام مع إسرائيل عام 79 قوية ومقاطعة لإسرائيل، ولكن بعد محادثات السلام نحن نتحدث عن العديد من الدول العربية تم تدميرها أو إرهاقها بالمديونية، وأصبح القرار السياسي مرهون بالهيمنة والسيادة الأمريكية.

لكن عسى الله أن يكون هناك حالة من الوعي وأن تتغير الظروف وأن يكون هناك موقف عربي فاعل في الأيام القادمة لنغير هذه البوصلة التائهة، إلى أن يعي العرب تماما بأن إسرائيل هي دولة مارقة وتُشكل خطر على أمن الدول العربية وأمن مواطنيها وأمن المنطقة، وأن إسرائيل هي من يقوم بتفجير الأوضاع وهي دولة معتدية ودولة ذات أطماع استيطانية، وهي دولة الصراع ما بينها وجيرانها لا يمكن أن يتم حله، لأن إسرائيل زرعت بذور الحقد والكراهية والغضب والإجرام ولا يمكن أن تجني سوى العنف في المستقبل.