صحافة دولية

فورين أفيرز: هل ستفقد مصر مكانتها السياسية في عهد ترامب؟

من غير المرجح أن تكون لمصر مكانة بارزة في السياسة الخارجية لترامب- جيتي
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لمدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، مايكل وحيد حنا، قال فيه إن الحكومة المصرية رفضت السماح للمساعدات بالمرور عبر المعبر الذي تسيطر عليه "إسرائيل" في كرم أبو سالم في أيار/ مايو، بعد أن أدى الهجوم العسكري الإسرائيلي إلى إغلاق معبر رفح الحدودي من مصر إلى جنوب غزة. لقد أدركت مصر يأس سكان غزة. لكنها كانت أيضا غير سعيدة بشدة بنشر القوات الإسرائيلية على حدودها، وكان منع إعادة توجيه المساعدات عبر كرم أبو سالم أحد الأدوات القليلة التي تمتلكها لتسجيل استيائها من الهجوم الإسرائيلي.

أعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم الخاصة من أن مصر ستتمسك بموقفها إلى أجل غير مسمى، وبالتالي تعرض عمليات المساعدات الإنسانية في غزة للخطر بشكل أساسي. ولكن وبعد محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على السماح بتدفق المساعدات من مصر عبر معبر كرم أبو سالم كإجراء مؤقت.

وحتى قبل أربع سنوات، كان مثل هذا التنازل من جانب السيسي لبايدن أمرا لا يمكن تصوره. ومع ذلك، كان الاتفاق انعكاسا لعلاقة جديدة بين الزعيمين، وهو التحول الذي عكس شراكة ثنائية محسنة على نطاق واسع بين الولايات المتحدة ومصر بشأن مجموعة من المسائل الدبلوماسية الملحة.

ومنذ ابتعاد مصر عن المجال السوفييتي في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، فقد كانت البلاد بمثابة مرساة للسياسة الإقليمية الأمريكية ومتلقية للمساعدات الأمريكية المكثفة. ولكن على مدى العقد الماضي، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر في كثير من الأحيان محورا للتدقيق الشديد والإحباط. ولفترة من الوقت، كان من الممكن حتى أن نتخيل إعادة معايرة العلاقة التي من شأنها أن تأخذ في الاعتبار القمع المحلي الذي يمارسه السيسي وتراجع الأهمية الاستراتيجية لمصر في الشرق الأوسط.

خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، دعمت مصر دونالد ترامب بشكل فعال، وربما ذهبت إلى حد المساهمة بشكل غير قانوني في حملته. وبحلول الوقت الذي تولى فيه بايدن منصبه في عام 2021، كانت القاهرة مستعدة تماما لعودة التوترات الثنائية التي ميزت حقبة أوباما، عندما أدى فشل انتقال مصر إلى الديمقراطية إلى ظهور استبدادي شرس دفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في المنطق الاستراتيجي للعلاقة بين البلدين.

بدا أن هذا الخوف تأكد في أواخر عام 2021، عندما حجب وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكين، 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية بسبب المخاوف بشأن سجل مصر القاتم في مجال حقوق الإنسان.

ومع تصاعد التوترات الإقليمية، برزت مصر كلاعب مركزي (إلى جانب قطر، التي استضافت المكتب السياسي لحماس) في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس و"إسرائيل". ولا تزال القاهرة ترى نفسها زعيمة بين الدول العربية، وقد جعلها دورها الأخير في دبلوماسية وقف إطلاق النار محاورا دائما للولايات المتحدة. وهذا الظهور الجديد هو بلسم لصورة مصر الذاتية وعكس للافتقار إلى الاهتمام الذي تلقته في وقت سابق من ولاية بايدن.

ومع إثارة الحرب في غزة للمخاوف من تصعيد شامل في الشرق الأوسط، تمكنت الولايات المتحدة ومصر من تركيز تفاعلاتهما على الأمن والدبلوماسية الإقليمية، حيث تتوافق مصالحهما بشكل متزايد.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، يمكن لمصر أن تشعر بالاطمئنان إلى أن المخاوف بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان لن تشكل أهمية بارزة في تفاعلاتها مع الإدارة القادمة.

ولكن سيكون من الخطأ أن تكتفي الولايات المتحدة ببساطة بالتوفيق بين نفسها وحالة طبيعية جديدة تأخذ النموذج الاقتصادي غير الفعال والقمع السياسي في مصر كأمر مسلم به. وفي حين أثبت هذا النموذج والقمع قدرتهما على دعم السيسي في السلطة، فقد تركا مصر عُرضة للأزمات المستقبلية ولم يعالجا احتياجات السكان المتزايد عددهم في البلاد.

إن الدفء الأخير في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر يمثل تحولا كبيرا عما كانت عليه العلاقة حتى عام 2020. فعندما كان بايدن يترشح للرئاسة في ذلك العام، فإنه أعلن بعبارات لا لبس فيها أنه لن يكون هناك "شيكات على بياض" للسيسي، الذي وصفه ترامب بأنه "ديكتاتوره المفضل". أراد بايدن أن يقارن التزامه بالديمقراطية وحقوق الإنسان بتقارب ترامب الظاهري مع الحكام المستبدين.

لكن موقف بايدن يعكس أيضا ما حمله من فترة عمله كنائب للرئيس باراك أوباما حيث وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر إلى أدنى مستوياتها بعد الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013 الذي مهد الطريق لصعود السيسي إلى السلطة.

في أكتوبر من ذلك العام، بعد شهرين من تفريق المتظاهرين الذين دعموا محمد مرسي، علقت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية لمصر. وبعد نقاش داخلي محتدم، أعادت إدارة أوباما المساعدات العسكرية لمصر في آذار/ مارس 2015، لكنها أنهت ممارسة التمويل النقدي، الذي كان يسمح لمصر في السابق بشراء المعدات العسكرية بالائتمان. كما فرضت الإدارة قيودا على كيفية استخدام مصر للمساعدات التي تتلقاها.

طوال الحرب الحالية في غزة، اعتمدت إدارة بايدن مرة أخرى على مصر في جهودها الدبلوماسية لتأمين وقف إطلاق النار. وأيدت الولايات المتحدة علنا معارضة مصر لأي نزوح قسري للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء. كما أيدت الإدارة موقف مصر القائل بضرورة انسحاب "إسرائيل" من محور صلاح الدين. وفي محاولة لمنع إعادة احتلال "إسرائيل" الدائم للمنطقة في رفح ومحيطها، كان المسؤولون الأمريكيون صريحين بشأن الحاجة إلى إعادة فتح المعبر الحدودي.

إن إعادة فتح المعبر في نهاية المطاف سوف تكون مرتبطة بالضرورة بإصلاحات الحكم في غزة. ورغم أن الولايات المتحدة ومصر كانتا تعملان بالتوازي لإنشاء نظير فلسطيني لإدارة الجانب الغزي من نقطة التفتيش، فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن الحكم قد تضاءلت إلى حد كبير مع تعثر محادثات وقف إطلاق النار. بالإضافة إلى ذلك، أدت بعض التعليقات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تكثيف الشكوك في القاهرة حول قدرة واشنطن على التأثير على النتيجة التفاوضية.

ومع ذلك، استمد المسؤولون المصريون بعض الراحة من مواقف إدارة بايدن واستعدادها للمشاركة. وكما أخبرني دبلوماسي مصري مؤخرا، فإنه "من الواضح أننا محبطون بشأن غزة، لكننا نقدر أيضا مدى التعاون في الوقت الحالي وقابلية التنبؤ بتفاعلاتنا". وعلى نحو مماثل، فوجئ المسؤولون الأمريكيون بسرور باستعداد مصر لمناقشة دورها على الأقل في ضمان أمن غزة بعد الحرب.

إن التقارب الأخير بين الولايات المتحدة ومصر يمتد إلى قضايا تتجاوز غزة، إلى مناطق أخرى كليبيا والسودان. فقد أصبحت القاهرة شريكا رئيسيا في جهود واشنطن التي لم تنجح حتى الآن في التفاوض على وقف إطلاق النار في السودان.

وكانت التنازلات الصغيرة، مثل فتح المعابر الحدودية مع تشاد للمساعدات الإنسانية، تعتمد على الجهود المصرية للتأثير على الجيش السوداني. ولاحظت الولايات المتحدة ضبط النفس المصري في دعم الجيش السوداني. وقد تقاربت وجهات النظر الأمريكية والمصرية مؤخرا بشأن ضرورة حماية مؤسسات السودان والحفاظ على سلامة أراضيه.

في حين تلاشى قدر كبير من انعدام الثقة والقلق الذي ميز العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر قبل عقد من الزمان، فإن بعض المزعجات لا تزال قائمة. وأهمها القرار السنوي الذي تتخذه الولايات المتحدة بشأن تمديد التمويل العسكري لمصر.

على مدى عقود من الزمان، كانت مصر ثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية بعد "إسرائيل". وفي الوقت الحالي، يخصص الكونغرس حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات لمصر على أساس سنوي، لكن بعض هذا التمويل مشروط باستيفاء متطلبات حقوق الإنسان.

وفي أيلول/ سبتمبر 2021، اعتُبِر رفض بلينكن التنازل عن هذه المتطلبات ــ الذي تسبب في حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية ــ مؤشرا محتملا على جدية مصر في التعامل مع حقوق الإنسان على عكس إدارة ترامب المتساهلة.

وقد أثار هذا القرار قلقا في مصر. ولكن مع تحسن علاقتها بواشنطن، اتخذت القاهرة نهجا أكثر هدوءا في التعامل مع المراجعة السنوية. كما شهدت القاهرة فوائد من تعاونها مع الإدارة بشأن غزة. ففي أيلول/ سبتمبر، وللمرة الأولى، تنازل بلينكن عن بعض متطلبات حقوق الإنسان وصادق على الامتثال لمتطلبات أخرى، الأمر الذي سمح لمصر بتلقي الشريحة الكاملة من المساعدات الأمريكية.

لقد كان هذا القرار إيذانا بنهاية التظاهر بأن المساعدات العسكرية منحت الولايات المتحدة نفوذا مهما في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكنه شجع أيضا على استئناف الحوار الاستراتيجي مع القاهرة، الأمر الذي عزز الشعور بتحسن العلاقات إلى ما هو أبعد من نطاق دبلوماسية وقف إطلاق النار.

لقد أدت أوجه القصور في الرؤية الحاكمة في مصر إلى إعاقة قدرتها على الاضطلاع بدور إقليمي مهم. في كثير من الحالات، دفع هذا شركاء مصر الدبلوماسيين الرئيسيين إلى التركيز في المقام الأول على تجنب أسوأ السيناريوهات.

ورغم أن هذا الوضع الراهن سمح لمصر ببعض المرونة فيما يتصل بشركائها الرئيسيين (بما في ذلك الولايات المتحدة)، فإنه لا يشكل الأساس لمستقبل مستدام ومزدهر حيث تصبح البلاد قادرة على تحمل دورها التاريخي كزعيمة في العالم العربي. وسوف يعتمد استقرار مصر في الأمد البعيد على معالجة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها بشكل موثوق، وسيكون من الخطأ أن تتقبل الولايات المتحدة النهج الاقتصادي المتعثر والاستبداد المتجذر في مصر.

ومن غير الواقعي أن نتخيل إمكانية إعادة هيكلة العلاقات الأمريكية المصرية بشكل كبير في خضم الاضطرابات التي تشهدها المنطقة. فالاهتمام الذي توليه الحكومة الأمريكية أصبح ضئيلا، وتلعب مصر دورا حاسما في جهودها لإدارة الصراع في غزة.

ولكن إعادة التزام واشنطن بنظام استبدادي في مصر في وقت من عدم الاستقرار الإقليمي المتنامي يحمل في طياته مخاطره الخاصة في الأمد البعيد.

وفي حين أن مصر ليست على أعتاب تكرار الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بنظام مبارك في عام 2011، فإن ضعفها الاقتصادي والسياسي من شأنه أن يقوض الحكم وقد يهدد استقرارها في نهاية المطاف.

قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، لم تظهر مصر تفضيلا لأي من المرشحين. ومع ذلك، فإنه بعد فوز ترامب، تواجه العلاقات الثنائية مستقبلا غير مؤكد إلى حد ما.

من المرجح أن يكرر ترامب الاحتضان الخطابي لمصر الذي ميز ولايته الأولى، إلى جانب الافتقار إلى الاهتمام بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن تأييده المحتمل لأجندة "إسرائيل" المتطرفة يعني بالضرورة أن محور العلاقات الأمريكية المصرية الحالي، دبلوماسية وقف إطلاق النار، سوف يفقد أهميته.

وعلى المدى القريب، من غير المرجح أن تواجه مصر احتكاكات كبيرة مع إدارة ترامب، ولكن من غير المرجح أيضا أن تكون لها مكانة بارزة في السياسة الخارجية لترامب.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع