عاشت
كوريا الجنوبية، صاحبة رابع أقوى اقتصاد في آسيا والمرتبة الثالثة عشرة بين أكبر اقتصادات العالم، وأحد أقوى قلاع التكنولوجيا في العالم، أمس الثلاثاء، على إيقاع انقلاب عسكري وُصف بـ"الفاشل".
وكان رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، قد أعلن فرض الأحكام العرفية في البلاد، وإعادة الحكم العسكري، وإغلاق مقر البرلمان، فيما نشر
الجيش في شوارع الدولة بما فيها العاصمة سيول. كما كلف رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، الجنرال بارك آن-سو، بمهمة الإشراف على تنفيذ الأحكام العرفية.
وقد دعا أكبر اتحاد للعمّال في كوريا الجنوبية، الأربعاء، إلى "إضراب عام مفتوح" حتى استقالة الرئيس يون سوك يول، الذي فرض الأحكام العرفية لساعات، قبل أن يتراجع عن قراره بعد تدخل السلطة التشريعية.
وأكد "الاتّحاد الكوري لنقابات العمّال" الذي يضم 1.2 مليون عضو، أنّ رئيس الجمهورية قد اتّخذ "إجراء غير عقلاني ومناهضا للديمقراطية"، وبالتالي "وقّع وثيقة نهاية حكمه".
وفي السياق نفسه، أدان زعماء المعارضة هذه الخطوة بشكل فوري، معتبرين أنها "غير دستورية". بينما دعا زعيم حزب المعارضة الرئيسي في كوريا الجنوبية، لي جاي ميونج، نواب حزبه الديمقراطي إلى التجمع في البرلمان، مساء الثلاثاء، من أجل التصويت ضد الإعلان.
إثر ذلك، رصدت "عربي21" تاريخ
الانقلابات العسكرية في كوريا الجنوبية، التي عاشت أربعة عقود تحت سطوة الحكم العسكري قبل أن تتحوّل إلى النظام الديمقراطي في أواخر الثمانينيات. في هذه المسيرة الطويلة التي اتّسمت بتدخل الجيش المتكرر في الشؤون المدنية والسياسية، منذ تأسيس الدولة.
ووفقا لما رصدناه منذ تأسيس الجمهورية الكورية حتى الآن٬ فقد شهدت سول ٥ انقلابات نجح بعضها وفشل الآخر، وذلك على النحو التالي:
انقلاب 1948 "الفاشل"
لا يعد انقلاب آب/أغسطس 1948 في كوريا الجنوبية٬ حدثًا شهيرًا مثل الانقلابات المعروفة في تاريخ شبه الجزيرة الكورية، ولكنه يرتبط بفترة اضطرابات سياسية واجتماعية عميقة في البلاد بعد استقلالها عن اليابان في عام 1945.
فبعد انتهاء الاحتلال الياباني في عام 1945، وُضعت كوريا تحت إدارة مؤقتة من قبل الولايات المتحدة في الجنوب والاتحاد السوفيتي في الشمال، مما أدى إلى تقسيمها إلى دولتين: كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية.
وكانت هناك محاولات للتمرد داخل الجيش من قِبل ضباط موالين للشيوعية. ولكن تم قمع التمرد، وكانت هذه من أوائل المحاولات لزعزعة الحكومة الجديدة.
وأدت هذه المحاولة الفاشلة إلى تعزيز الحكومة سلطتها لكنها واجهت مزيدًا من الانتقادات بسبب استخدام القوة المفرطة ضد المعارضة. كما أدى هذا إلى تعميق الانقسامات بين الشمال والجنوب، مما مهد الطريق للحرب الكورية (1950-1953).
الأحكام العرفية بعد الحرب
خلال فترات الحكم الديكتاتوري التي تلت إعادة بناء كوريا الجنوبية من دمار الحرب مع الجارة الشمالية (1950-1953)، لجأ قادة البلاد بشكل متكرر إلى إعلان الأحكام العرفية لمواجهة المعارضة.
انقلاب 1961
تجسد هذا المسار بوضوح في حكم الديكتاتور بارك تشونغ-هي، الذي وصل إلى السلطة عبر أول انقلاب ناجح في البلاد في 16 أيار/مايو 1961 ٬ والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء تشانغ ميون.
حكم تشونغ-هي كوريا الجنوبية لما يقرب من عشرين عاماً حتى اغتياله على يد رئيس مخابراته عام 1979. وخلال فترة ولايته، كان يلجأ من حين لآخر إلى إعلان الأحكام العرفية لقمع الاحتجاجات وسجن منتقديه.
انقلاب 1979
شكل اغتيال بارك تشونغ-هي٬ نقطة تحول في تاريخ كوريا الجنوبية. وبعد أقل من شهرين من وفاته، قاد اللواء تشون دو-هوان دبابات وقوات إلى سيول في 12 كانون الأول/ديسمبر 1979، في ثاني انقلاب عسكري ناجح في البلاد.
انقلاب 1980 "أحداث غوانغجو"
تحت ضغط المجموعة العسكرية بقيادة تشون دو-هوان، مدد رئيس الوزراء تشوي كيو-ها، الذي سيصبح رئيساً للبلاد فيما بعد، الأحكام العرفية حتى عام 1980، وحظر النشاط الحزبي، مما أدى إلى إشعال احتجاجات واسعة في البلاد.
وبلغت المظاهرات ذروتها في مدينة غوانغجو جنوب غرب كوريا، حيث قامت السلطات بحملة عنيفة ضد المحتجين المؤيدين للديمقراطية.
بحسب الأرقام الرسمية، قُتل 191 شخصاً، بينهم 26 من الجنود ورجال الشرطة، في أحداث غوانغجو. أكدت عائلات الضحايا أن العدد الحقيقي أكبر بكثير. حاول تشون دو-هوان٬ تصوير الاحتجاجات آنذاك كتمرد مدعوم من كوريا الشمالية، لكنها تحولت إلى نقطة محورية في مسيرة البلاد نحو الديمقراطية.
نهاية الأحكام العرفية
استمرت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية حتى عام 1981، حين ألغيت إثر استفتاء شعبي. في صيف 1987، أجبرت احتجاجات شعبية حاشدة حكومة تشون دو-هوان٬ على قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة. فاز فيها حليفه العسكري روه تاي-وو، الذي شارك في انقلاب 1979، مستفيداً من انقسام أصوات المعارضة الليبرالية.
ولم تتحول كوريا الجنوبية إلى جمهورية ديمقراطية حقيقية إلا مع تنصيب روه تاي-وو٬ في 25 شباط/فبراير 1988، بعد 40 عاماً من الحكم العسكري.
وفي عام 1996، حوكم تشون دو-هوان وروه تاي-وو٬ بتهم تتعلق بتنفيذ انقلاب 1979 وحملة القمع الدموية التي أعقبته. رغم أن الرئيس كيم يونغ-سام (1993-1998) اعتبر هذه المحاكمات علامة على عصر دستوري جديد، إلا أنه منح الرجلين عفوا في العام التالي، في خطوة قال إنها تهدف إلى توحيد البلاد.
انقلاب 2024 "الفاشل"
وهي المحاولة الفاشلة التي أعلن فيها رئيس الدولة، يون سوك يول، فرض الأحكام العرفية في البلاد، وإعادة الحكم العسكري، وإغلاق مقر البرلمان، ونشر الجيش في شوارع الدولة بما فيها العاصمة سيول. كما كلف رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، الجنرال بارك آن-سو، بمهمة الإشراف على تنفيذ الأحكام العرفية. لكن البرلمان الكوري وأحزاب المعارضة والشارع الكوري تصدوا لمحاولة الانقلاب.