قضايا وآراء

تقييم قدرة إسرائيل على استهداف البرنامج النووي الإيراني في سياق ما بعد الأسد

"قدرة إسرائيل على تفكيك البنية التحتية النووية الواسعة لإيران بشكل مستقل تخضع للنقاش"- الأناضول
لطالما اتسم المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بالتوتر والصراع وشبكة معقدة من التحالفات، وفي قلب هذه الاضطرابات تكمن العلاقة المثيرة للجدل بين إسرائيل وإيران، لا سيما فيما يتعلق بطموحات إيران النووية. تنظر إسرائيل إلى إيران المسلحة نوويا على أنها تهديد وجودي، مما يثير مناقشات حول العمل العسكري لتحييد هذا الخطر المتصور. ويتم تقييم نية إسرائيل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب قدرتها على القيام بذلك بشكل مستقل أو بمساعدة الولايات المتحدة، وخاصة في ضوء التطورات خلال رئاسة دونالد ترامب وسقوط نظام بشار الأسد مؤخرا في سوريا.

سياق العلاقات الإسرائيلية الإيرانية

كانت إسرائيل وإيران خصمين منذ الثورة الإيرانية عام 1979، التي حولت إيران إلى دولة دينية معادية لإسرائيل. على مدى السنوات الماضية، تأججت هذه العداوة بفعل عوامل مختلفة، بما في ذلك دعم إيران للجماعات المسلحة، وخطابها المعادي لإسرائيل، وسعيها للحصول على التكنولوجيا النووية. وقد أصبح هذا الأخير نقطة محورية للقلق بالنسبة للقادة الإسرائيليين، الذين يجادلون بأن إيران ذات القدرة النووية ستهدد إسرائيل بشكل مباشر.

في السنوات الأخيرة، حققت إيران تقدما كبيرا في برنامجها النووي، مما دفع إسرائيل إلى اتخاذ موقف أكثر عدوانية. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صريحا بشكل خاص بشأن الحاجة إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وقد صرح مرارا وتكرارا بأن "إسرائيل لن تسمح لإيران بأن تصبح قوة نووية"، مشددا على أن العمل العسكري قد يكون ضروريا إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.

نهج إدارة ترامب تجاه إيران

كان النهج الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، بمنزلة انحراف كبير عن نهج الإدارات السابقة. في أيار/ مايو 2018، سحب ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي اتفاقية متعددة الأطراف تهدف إلى كبح طموحات إيران النووية. كان هذا القرار متجذرا في اعتقاد ترامب بأن الصفقة كانت معيبة بشكل أساسي، وسمحت لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم مع تمويل الأنشطة العسكرية في جميع أنحاء المنطقة.

بعد الانسحاب، بدأ ترامب حملة "أقصى ضغطا" ضد إيران، وأعادت فرض العقوبات التي تم رفعها في ظل خطة العمل الشاملة المشتركة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى شل الاقتصاد الإيراني وإجباره على العودة إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، يجادل النقاد بأن هذا النهج لم يؤد إلا إلى زيادة التوترات والعدوان الإيراني في كل من برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية.

مع تصاعد التوترات، بدأت إدارة ترامب في دراسة الخيارات العسكرية ضد إيران. وأشارت التقارير إلى أن المستشارين كانوا يستكشفون الضربات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية كخيار خطير، وسط مخاوف من أن الضغط الاقتصادي وحده، لن يكون كافيا لاحتواء طموحات طهران. واقترح خطاب ترامب خلال هذه الفترة الرغبة في النظر في العمل العسكري إذا لزم الأمر.

القدرة العسكرية: هل تستطيع إسرائيل التصرف بمفردها؟

في حين أن إسرائيل تمتلك واحدا من أكثر الجيوش تقدما في العالم، إلا أن قدرتها على تفكيك البنية التحتية النووية الواسعة لإيران بشكل مستقل تخضع للنقاش. وأظهرت قوات الدفاع الإسرائيلية قدرتها من خلال الضربات الموجهة ضد الأصول الإيرانية في سوريا ومواقع أخرى. فعلى سبيل المثال، نجحت الضربات الجوية الإسرائيلية في استهداف شحنات أسلحة موجهة لحزب الله، كما ورد أنها ضربت منشآت عسكرية إيرانية في سوريا.

لكن الخبراء يزعمون أن البرنامج النووي الإيراني متجذر بعمق ومتوزع على مواقع متعددة، وكثير منها محصن أو تحت الأرض، وإن المنشآت الرئيسية مثل نطنز وفوردو مصممة لتحمل الغارات الجوية، مما يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق ضربة شاملة دون دعم استخباراتي وعسكري كبير. وعلاوة على ذلك، سوف تحتاج إسرائيل إلى تنفيذ ضربات متعددة عبر مواقع مختلفة، لتعطيل قدرات إيران بشكل فعال.

دور الدعم الأمريكي

تؤدي الولايات المتحدة دورا حاسما في أي عملية عسكرية إسرائيلية محتملة ضد إيران. وتاريخيا، كانت الإدارات الأمريكية حذرة في تأييد الضربات العسكرية؛ بسبب إمكانية تصاعد الصراع الإقليمي. ومع ذلك، في ظل إدارة ترامب، كان هناك تحول واضح نحو النظر في الخيارات العسكرية بجدية أكبر مما كانت عليه في الإدارات السابقة.

وقد أشار استعداد ترامب لاستكشاف الغارات الجوية كجزء من استراتيجيته ضد إيران، إلى استعداده لدعم الإجراءات الإسرائيلية بشكل أكثر قوة إذا لزم الأمر، وقد مثل هذا تغييرا كبيرا عن نهج بايدن، الذي أكد المشاركة الدبلوماسية مع طهران بعد خروج ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة.

وتعدّ الأصول العسكرية الأمريكية ضرورية للتعامل مع المرافق العميقة تحت الأرض، التي لا تستطيع إسرائيل الوصول إليها بمفردها. وإن التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تعمل على تعزيز القدرات العملياتية لإسرائيل بشكل كبير. وإذا قررت إسرائيل شن ضربة ضد المنشآت الإيرانية في ظل إدارة ترامب، فمن المرجح أن يكون الدعم الأمريكي ضروريا لضمان نجاح المهمة، والتخفيف من الإجراءات الانتقامية من إيران.

الديناميكيات الإقليمية: تأثير سوريا

أدى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا مؤخرا إلى تغيير المشهد الاستراتيجي لكل من إسرائيل وإيران بشكل كبير. ومع انهيار نظام الأسد بعد سيطرة المعارضة المسلحة على دمشق في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، هناك الآن حالة من عدم اليقين بشأن النفوذ الإيراني في سوريا، وإن غياب الأسد قد يؤدي إلى فراغ في السلطة، من شأنه أن يعقّد العمليات الإيرانية التي كان نظامه سهلها في السابق.

وفي حين ينظر إلى سقوط الأسد على أنه انتكاسة لكل من روسيا وإيران في جهودهما للحفاظ على نفوذهما في سوريا، إلا أنه يثير مخاوف بشأن كيفية تأثير هذا التحول على الوجود العسكري الإيراني بالقرب من إسرائيل. ودون نظام الأسد كقوة استقرار متحالفة مع طهران، هناك إمكانية لزيادة عدم الاستقرار داخل سوريا نفسها، مما قد يسمح بقدرة إيرانية أكبر على المناورة أو حتى المواجهة المباشرة مع القوات الإسرائيلية، إذا ظهرت فصائل جديدة تسعى إلى تحالفات مع طهران.

مخاطر العمل العسكري

في حين أن العمل العسكري قد يبدو خيارا قابلا للتطبيق بالنسبة لإسرائيل في ظل إدارة ترامب، إلا أنه ينطوي على مخاطر كبيرة. وإن توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، من شأنه أن يستفز رد فعل انتقاميا شديدا من طهران، مما قد يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا، يشمل مجموعات بالوكالة؛ مثل حزب الله أو حتى مواجهة مباشرة مع القوات الإيرانية. يمكن أن تؤدي تداعيات مثل هذا الهجوم إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة، وتؤدي إلى وقوع خسائر في صفوف المدنيين، مما يزيد من تعقيد الوضع المتفجر بالفعل.

فضلا عن ذلك، لا بد من الأخذ في الاعتبار ردود الفعل الدولية. إن أي ضربة إسرائيلية أحادية الجانب دون دعم الولايات المتحدة، قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع حلفاء رئيسيين وتقويض الجهود الدبلوماسية، الرامية إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني من خلال المفاوضات وليس الوسائل العسكرية.

في الختام، في حين أن إسرائيل ملتزمة بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وأظهرت استعدادها للتصرف عسكريا عند الضرورة -لا سيما خلال رئاسة ترامب-، فإنها تواجه قيودا فيما يتعلق بقدرتها على تفكيك برنامج إيران النووي الواسع النطاق بشكل مستقل. وتظل مشاركة الولايات المتحدة أمرا حاسما لأي استراتيجية شاملة ضد القدرات النووية الإيرانية.