عندما انهار نظام الأسد أمام تقدّم المعارضة
السورية وفرّ زعيم النظام بشّار الأسد إلى موسكو، تلقى الجانب
الإيراني الأنباء
بصدمة كبيرة، مما اضطر وزير خارجية إيران عبّاس عراقجي الذي كان حاضراً آنذاك في
منتدى الدوحة إلى قطع زيارته والعودة فوراّ إلى طهران لتقييم الوضع. انهيار نظام
بشّار الأسد يعني بكل بساطة أنّ استراتيجية النظام الإيراني التي استثمر بها منذ
العام 1979 قد انهارت تماماً.
المسؤولون الإيرانيون لم يتقبّلوا الهزيمة
المذلّة لهم بشرف، ويعدّون العدّة الآن لتخريب الوضع في
سوريا. هذه السياسة بمثابة
المدخل الرئيسي لنفوذهم في كل الدول العربية التي يتواجدون فيها حيث تشكّل الفوضى
وضعف الدولة المركزية والطائفية والفساد محدّدات رئيسية لتواجد النفوذ الإيراني.
الخامنئي كان قد وصف الضربة القاسية التي
تعرّض لها نظامه مع سقوط نظام بشّار الأسد بأنّها مؤامرة أمريكية ـ إسرائيلية
شاركت فيها إحدى الدول المجاورة التي لعبت دوراً رئيسياً في الأحداث على حدّ قوله
في إشارة منه إلى تركيا. لم يكتف خامنئي معها بإنكار تداعيات إسقاط بشار في سوريا
على نفوذ نظامه في المنطقة، بل وأنكر حتى وجود أذرع لإيران في الشرق الأوسط،
مشيراً إلى أنّ إيران لا تحتاج إلى أذرع، وهو أمر لا يستقيم مع الحقاق التي باتت
معروفة للجميع.
المسؤولون الإيرانيون لم يتقبّلوا الهزيمة المذلّة لهم بشرف، ويعدّون العدّة الآن لتخريب الوضع في سوريا. هذه السياسة بمثابة المدخل الرئيسي لنفوذهم في كل الدول العربية التي يتواجدون فيها حيث تشكّل الفوضى وضعف الدولة المركزية والطائفية والفساد محدّدات رئيسية لتواجد النفوذ الإيراني.
ويمكن تفسير كلمة خامنئي الأخيرة الأسبوع
الماضي على أنّها بمثابة أوامر بإسقاط الإدارة السورية الجديدة، حيث أشار المرشد
الأعلى إلى "ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء" في سوريا مستقبلاً،
لافتاً إلى أنّه "ليس لدى الشباب السوري ما يخسره". وجاء هذا التحريض
على الحكومة السورية الجديدة وعلى إذكاء الفتن والصراعات الفئوية والطائفية في
سوريا متّسقاً مع تصريحات أخرى لمسؤولين إيرانيين.
وزير الخارجية عباس عرقجي هدّد في تصريح له،
قائلاً "من يعتقدون أنهم حققوا انتصارات في سوريا عليهم التمهّل في الحكم،..
فالمستقبل مليء بالتطورات المثيرة." ومثله كان تصريح محسن رضائي، القائد
السابق للحرس الثورية الإيراني وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، والذي هدّد فيه بأن
“المقاومة السورية” سيتم إحياؤها في غضون أقل من عام.
ولوحظ أنّه خلال أيام قليلة من هذه
التصريحات، ظهرت موجة من العنف والتجمّعات والهتافات الطائفية في بعض المناطق التي
يتواجد فيها العلويون في سوريا، وهو ما فسّر على أنّه استجابة لنداءات التحريض
والفتنة التي تدعو إليها طهران لاثارة البلبلة وحالة عدم الاستقرار، والفوضى وهي
جميعاً مداخل للنفوذ الإيراني مستقبلاً.
النظام الإيراني لا يجيد أي شيء باستثناء
سياسات التخريب وبث الفرقة والطائفية والفساد، وذلك من الصعب عليه تقبّل الهزيمة
في سوريا. من وجهة نظر إيرانية، سيتم العمل على عدّة خيارات تبعاً للمسار الزمني
على أمل عودة النفوذ الإيراني يوما ما في سوريا. المسار الأوّل هو مسار التخريب ويطال
هذا المسار حكماً العملية الانتقالية وأي حكومة مستقبلية مستقلة في سوريا من خلال
التحريض وإثارة النعرات الطائفية ودعم الأقليات الشيعية والعلوية المحسوبة عليها
وربما القيام بعمليات إرهابية كتفجير للسيارات الملغومة أو غيرها من العمليات التي
احترف الجانب الإيراني تنفيذها في العراق ولبنان وغيرها من البلدان.
أمّا المسار الثاني، فهو المسار المتعلق
بالتأثير على العملية السياسية مستقبلاً من خلال شراء محسوبيات أو زعامات او قبائل
أو هو عادة ما يتم بموازاة التغلغل الطائفي ومحاولات تغيري الولاءات الطائفية،
تماماً كما حصل في العراق ولبنان سابقاً حيث نجحت إيران في شراء ذمم ونفوذ سياسي
في بغداد حتى عند التجمعات غير المحسوبة عليها، كما استطاعت على مدى عقود من تغيري
التقليد التاريخي لشيعة لبنان من النجف الى قم مع ما يستتبع ذلك من استجابة سياسية
واجتماعية وأمنية للمقلّدين.
إنكار الهزائم وإسكات المنتقدين وتعمّد الاستمرار في نفس السياسات التخريبية في سوريا بحجّة مقاومة إسرائيل أو أمريكا سيكون له عواقب وخيمة على النظام الإيراني نفسه قبل غيره.
أمّا المسار الثالث، فهو مسار يعتمد على
ركوب ورقة "مقاومة" الاحتلال الإسرائيلي، حيث يوفّر ذلك لطهران ذريعة
بناء أذرع ودعمها وتوظيفها في أجندتها للتوسّع الإقليمي. وبما أنّ هناك احتلال
إسرائيلي في سوريا، علينا ألاّ نستبعد مثل هذه السيناريو مستقبلا ولو حتى من
الناحية النظرية على اعتبار أن تطبيقه يتطلّب أكثر من وجود احتلال إسرائيلي وإنما
ضعف الدولة المركزية ومجموعات أو طوائف مستعدة لأن تخدم الأجندة الإيرانية تحت
مسمى مقاومة إسرائيل تماماً كما هو الحال في لبنان.
على أيّة حال، فإنّ وجود النظام الإيراني أو نسفه مثار تساؤل الآن، وهناك شكوك حول إمكانية أن يبقى متماسكاً خلال المرحلة
المقبلة بشكل يسمح له بالتخطيط على هذا النحو أو حياكة المؤامرات والسياسيات
التخريبية لسوريا أو لبنان. إنكار الهزائم وإسكات المنتقدين وتعمّد الاستمرار في
نفس السياسات التخريبية في سوريا بحجّة مقاومة إسرائيل أو أمريكا سيكون له عواقب
وخيمة على النظام الإيراني نفسه قبل غيره. على الجانب الإيراني ألا ينسى أنّ هذه
الأسباب بالتحديد بالإضافة إلى التكبّر وإنكار الحقائق والوقائع والاستمرار في
الغي والظلم والطغيان كانت سبباً اساسياً في سقوط حزب الله ونظام الأسد خلال
المرحلة التالية، وليست طهران بمحصّنة عن ملاقاة نفس المصير.