تترقب الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن تشهد الفترة القادمة صدور مزيد من أوامر الاعتقال الدولية ضد جنودها وضباطها الذين ارتكبوا
جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع
غزة، مما يستدعي من الاحتلال الاستعداد مسبقاً للدفاع عنهم في الساحة القانونية العالمية، وسط ارتكابهم للعديد من الأخطاء التي تجعلهم يدفعون أثمانا باهظة، قانونية وشخصية وأخلاقية أيضا، لا سيما من خلال
مقاطع الفيديو التي يلتقطونها لأنفسهم وهم يرتكبون جرائمهم في غزة.
مشكلة أوسع
غلعاد كوهين الكاتب بصحيفة يديعوت أحرونوت، كشف أن "جولات قصيرة عبر حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة للإسرائيليين تقدم المزيد من الأدلة والإثباتات عن ارتكاب مثل هذه الجرائم الإسرائيلية في غزة، مما يعني تحوّل الصور ومقاطع الفيديو التي يتفاخر الجنود بها إلى سلاح ضدهم، ولعل حادثة محاولة اعتقال جندي الاحتياط في البرازيل بعد نشره فيديو عن مشاركته بحرب غزة ليست مجرد مشكلة شخصية، بل نموذج لمشكلة أوسع ستواجه جيش الاحتلال".
وأضاف في
مقال ترجمته "عربي21" أن "مشكلة جنود الاحتلال مع نشر جرائمهم في غزة تبدأ مع عدم فهم المعاني الهدامة لرفع الفيديوهات على شبكات التواصل، في ظل عدم وضع الجيش حدّاً لهذه الظاهرة، مع العلم أنه في بداية الحرب، حذر المحامون ورجال الأمن من أن مقاطع الفيديو هذه تعرّض الجنود والضباط للخطر، بل إنها تعتبر هدية للمنظمات التي تسعى للإضرار بالاحتلال في المجالين القانوني والسياسي، لأن أي فيديو من هذا القبيل يسجل جريمة دموية أو حتى صنع القهوة على شاطئ رفح، يستخدم دليلا ضد الاحتلال في المحاكم الدولية، أو الساحة الدعائية".
وأشار إلى أنه "رغم صدور المزيد من التحذيرات الإسرائيلية للتوقف عن نشر هذه الفيديوهات، لكن الجيش والحكومة لم يقوما بما يكفي لوقفها، رغم أنهما نشرا تعليمات صارمة حول هذا الموضوع، لكنها بقيت على الورق، لأنها كانت سطحية، ولم يتم توضيح خطورة الظاهرة لهم، ولا اتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم، مع أن مثل هذا السلوك غير الطبيعي قد ينتهي بصاحبه للاعتقال في القاعدة العسكرية التي يخدم بها".
أضرار دولية
وأكد أن "ظاهرة مقاطع الفيديو المصورة من داخل غزة أضرّت كثيرا بإسرائيل على الساحة الدولية، والجنود أنفسهم أول من يدفع الثمن، لأنهم لا يفهمون كيف يمكن أن يصبح الفيديو الخاص بهم أداة قانونية ضدهم، وقد يجدون أنفسهم فجأة قيد التحقيق الدولي، أو التهديد بالاعتقال في الخارج".
سوابق قضائية
المحامي يحيئيل غوتمان أكد أن "ظاهرة مقاطع الفيديو المصورة من داخل غزة تعرّض قادة الجيش والجنود للدعاوى القضائية، وهو ما حصل مع أحد جنود الاحتياط الذي سافر مؤخرًا لحضور مباراة كرة قدم في برشلونة، وبمجرد وصوله للمطار، تم القبض عليه بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن قاض محلي بناءً على طلب من منظمة مؤيدة للفلسطينيين، واتهامه بارتكاب جرائم حرب، وتم عرض وثائق عليه من مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مقطع فيديو من داخل غزة يظهر فيه وهو يضحك، وهو يفجر منازل الفلسطينيين".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
معاريف، وترجمته "عربي21" أن "هذا الجندي كان يفترض أن يواجه المحاكمة، أو يحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة، لكن هذا السيناريو لم يتحقق بعد، ولكن يبدو أننا أقرب لتحقيقه من أي وقت مضى، فجنود الاحتياط في خطر، ويتعين على الحكومة بذل المزيد من الجهود لحمايتهم، ويبقى السؤال كيف تستطيع بلدان في مختلف أنحاء العالم، مثل إسبانيا، محاكمة جندي إسرائيلي بسبب جرائم غير قانونية ارتكبها في غزة، أما الجواب فهو تطبيق مبدأ "العالمية"".
وأشار إلى أن "هناك قلقا حقيقيا بشأن محاولات محاكمة جنود الاحتلال في جميع أنحاء العالم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، خاصة في أعقاب قرارات محكمة العدل الدولية، مع توفر سوابق تاريخية أهمها ما شهده عام 2009 من بدء إجراءات قضائية في إسبانيا ضد وزير الحرب الأسبق بنيامين بن إليعازر وضباط آخرين، بتهمة القتل غير المتناسب لمدنيين أثناء اغتيال قائد حماس العسكري صلاح شحادة في 2002، لكن تشكيل الاحتلال للجنة تحقيق رسمية في الحادثة أوقف إجراءات المقاضاة الخارجية له".
علامة تحذير
وأكد أن "تجاهل حكومة الاحتلال اليوم لدعوات إنشاء لجنة تحقيق حكومية في هجوم حماس في السابع من أكتوبر، برفقة خبراء دوليين، يخدم أعداءنا في العالم، ويمنحهم أداة أخرى في الحرب القانونية التي يشنونها ضد الاحتلال وجنوده، وبالتالي فإذا تم القبض عليهم في دولة أجنبية، فإنه سيكون أمام ساحة حرب قانونية صعبة، قد تلحق الضرر بجنوده، وتشكل على الاحتلال بأسره خطراً استراتيجياً".
القانوني ماتان غوتمان، خبير القانون الدستوري والإداري بجامعة رايخمان، أكد أن "محاولة اعتقال الجندي في ريو دي جانيرو ستتكرر في لندن أو مدريد أو روما إذا واصل الاحتلال التهرب من القيام بالإجراءات القضائية اللازمة، لأن هذه الحادثة تعتبر علامة تحذير، وتسبّب قلقًا كبيرًا".
وأضاف في
مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "حادثة البرازيل تتطلب من الجنود التشاور قبل كل رحلة للخارج، والتحقق من مستوى خطورة الإجراءات القانونية في البلد المقصود من الرحلة، وسيكون من الأفضل للوزارات المختصة نشر قائمة "تحذيرات السفر" فيما يتعلق ببلدان مختلفة".