مقالات مختارة

هل يحقق أردوغان استقلال تركيا؟!

1300x600
كتب  طلعت رميح: يبدو السؤال غير منطقي، أليس كذلك؟ فكيف نسأل عن استقلال بلد في وزن تركيا السياسي والاقتصادي والعسكري، وكيف نطرح السؤال وأردوغان في الحكم لسنوات عشر من قبل؟ وقد يقول قائل: أنت تفكر في الاستقلال بالمعنى القديم الذي ساد في الستينيات. ورغم كل ذلك فالسؤال صامد، بل هو أهم معطى في دور أردوغان في تركيا، خاصة الآن.

وحكاية رفض السؤال تعود إلى أن البعض لا يزال لا يدرك هذا الحجم الهائل من الاختراق الغربي للدول الإسلامية، ولا طبيعة حياة الدول الصغيرة والمتوسطة في ظل نظام دولي عولمي يقوم على حصر الدول –غير مختارة- في داخل إطاره، ويكرهها للبقاء تحت السيطرة الغربية. والعولمة باتت تسري داخل شرايين الدول والمجتمعات.

لا يزال البعض لا يدرك أن قضية الاستقلال لم تعد قضية تتعلق بطرد القوات العسكرية، بل هي قضية مواجهة داخلية. الاستقلال بعد كل سنوات الغزو والاحتلال التي فاقت نحو 200 عام، صار معركة داخلية لا خارجية فقط، وذلك هو ملخص صراعات الربيع العربي وأحد أخطر أوجه الخلل في فهم بعض الحركات الإسلامية، التي لم تدرك أن تحقيق الاستقلال قضية داخلية، فراحت تتعامل مع الصراعات الجارية ضدها، وكأنها حالات داخلية من طبيعة الثورات (فلول وأزلام وشبيحة وبلاطجة) دون إدراك البعد الخارجي للصراع وهو الأساس. لم تدرك أن معركة الاستقلال واسعة المساحة وعميقة في داخل المجتمعات، وهو ما أدركه أردوغان وتعامل معه بخطط مرحلية انتقل فيها من مرحلة لأخرى، وهو لا يزال يسير في مشوارها ولم ينجزه بعد رغم كل ما حققه من إنجازات واسعة وكبيرة. هو الآن يعمق انتصاراته ويتجه أكثر فأكثر نحو حسم قضية استقلال تركيا.

البعض لا يزال يتصور المستعمر كما كان منذ نحو 200 سنة، ولا يقرأ السياسة الدولية إلا من كتب التاريخ، ويتصور أن تحقيق جلاء قوات احتلاله وسماحه لمن يحكم في بلادنا من بعد رحيلها، أن تفرد له سجادة حمراء وجندي يجري متبخترا بسيف يلمع، وأن تصبح حكومته عضوا بالأمم المتحدة، نكون قد حققنا الاستقلال. هؤلاء لا يدركون أن الاستعمار مشروع حضاري وقيمي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وديني، وأن وجود جند الاحتلال على أرض الدولة المحتلة، هو الاستثناء الآن، وليس إلا أحد ضرورات تحقيق هذا المشروع، وأن استخدام القوة العسكرية لا يستهدف إلا كسر إرادة المقاومة وحراسة نظم الحكم التي يقيمها الاحتلال.

لقد تغيرت خطط المستعمر ما بعد انتهاء الاحتلال العسكري القديم مرتين. في القفزة الأولى، صرنا أمام استعمار واحتلال حديث، ما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة. الاستعمار كان تعلم من تجربته في مواجهة الشعوب وقرر أن يحقق هدفه دون أن يبقى من قواته إلا ما يحرس به "مشروع وأهداف" الاحتلال، أو ما يحقق له القدرة على إدارة الحكم الذي يقيمه، وإذا كانت هناك بعض الاستثناءات لبقاء جنوده في قواعد لدواع إستراتيجية عسكرية، فقد حرص على أن تعيش دون تداخل مباشر مع السكان.. إلخ. في تلك المرحلة لم يبق على خريطة الوجود العسكري المباشر إلا حالات الاحتلال الاستيطاني، كما هو الحال في الاحتلال الصهيوني لفلسطين لاستمرار الصراع على الأرض.

وقد شهد وعي المستعمر قفزة كبرى ثانية من بعد، تمثلت في نمط العولمة، وخلالها وبسببها صار يعيش بين الإنسان وثوب النوم وزوجته –كما يقول مظفر النواب عن العسس –ولم يعد حالة فجة ومعزولة في قواعد، فالعولمة هي نمط من أنماط توطين الاحتلال، الذي صار يشمل كل مجالات الحياة والثقافة والمكونات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية. وتركيا، مثلها مثل الأغلبية الكاسحة من الدول الإسلامية، قد لا تكون دولة محتلة عسكريا –مع ملاحظة وجود قاعدة للأطلنطي على أرضها -لكن العناصر المسيطرة في جهاز الدولة وبعض القطاعات من النخب والأحزاب الفاعلة وبعض المكونات الاجتماعية والاقتصادية صارت أدوات المستعمر في تحقيق مشروع الاحتلال بأبعاده الحضارية والقيمية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ويوم أن يدشن أردوغان إنتاج سلاح تركي متطور ويحقق اقتصادا رائدا وعلى أسس قوية ترتبط به الاقتصادات الأخرى لتنهض ويوم أن يطلق أفكاره في المجتمع بلا حسابات أدت من قبل إلى السجن والحظر من العمل السياسي ويوم أن تضعف قوة الأفكار العلمانية والعنصرية والعرقية في المجتمع التركي..إلخ. يكون قد حقق الاستقلال.

(بوابة الشرق)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع