كتاب عربي 21

وجع في قلب الانقلاب!

1300x600
عندما أصدر عبد الفتاح السيسي قراره بالتعامل مع المنشآت العامة، والحيوية، على أنها منشآت عسكرية، فقدت الأمل في أن أدخل المدرسة التي قضيت فيها ست سنوات من عمري، وهي مدرسة "نجع الضبع الابتدائية"، لتلتقط لي صوراً داخلها، فبموجب هذا القرار بقانون، صارت المدرسة منشأة عسكرية، والقانون يحظر الاقتراب أو التصوير من المنشآت العسكرية.

لقد بدت أحداث مقتل الجنود المصريين، هي كلمة "سر الليل"، فقد أغلق على أثرها في التو واللحظة، ودون تبين لطبيعة الجناة، معبر رفح، الذي فتحته سلطة الانقلاب مضطرة، عندما تم تكليف السيسي من قبل إسرائيل، بالتدخل لوقف الحرب الدائرة بين القوم وبين حركات المقاومة الفلسطينية. وقد دعا لذلك، وكأنه مسموع الكلمة في قطاع غزة، ثم اضطر، واضطرت إسرائيل معه، لأن يتعامل مع "حماس"، وكان نجاحه في مهمته يستدعي تنازلاً منه، ففتح معبر رفح، وها هي الفرصة جاءته لإغلاقه، وليؤجل اجتماع الفلسطينيين مع الجانب الإسرائيلي بالقاهرة، لدفع استحقاقات الموافقة على وقف إطلاق النار!.

وكما استغل السيسي جريمة مقتل الجنود في إغلاق المعبر، وفي تنفيذ مطلب إسرائيلي قديم بإقامة منطقة عازلة، فقد وجدها فرصة سانحة، لينزل بقوات الجيش للشارع، لتسيطر على المشهد، ويصدر قراره الذي جعل من المنشآت العامة، والحيوية، في حكم المنشآت العسكرية، الاعتداء عليها، يستدعي المحاكمة، أمام المحاكم العسكرية، في محاولة مكشوفة، للانتقال بمصر من حكم العسكر، إلى أن تتحول على يديه إلى ثكنة عسكرية، "عقدة النكاح" لمن يملك أن يقول: "انتباه"، دون حاجة لأطراف مدنية لتعينه في حكمه، لا يعرف لمن سيكون ولائها، إذا احتدم الصراع بينه وبين أطراف الانقلاب الأخرى.

حادث مقتل الجنود وقع، كما تقول الراوية الحكومية في سيناء، والتواجد العسكري فيها لا يحتاج لإصدار قوانين جديدة، وقد مكنته إسرائيل، بما لم تفعله مع حسني مبارك، كنزها الاستراتيجي، من زيادة قواته بما يخالف بنود معاهدة السلام، التي تحدد أعداد القوات المصرية، وذلك لإيمان الكيان الصهيوني، أن السيسي يخوض معركتها في أرض الفيروز!.

ومثلي لا يفهم معنى أن ترتكب جريمة في سيناء، فيكون القرار بنزول الجيش في الشوارع المصرية بطول الوطن وعرضه، وفهمي لما جرى هو في سياق أن هناك "وجع في قلب الانقلاب".

فلم تعد مشكلة الانقلاب الآن مع القوى الموالية للشرعية، وإنما صار بأس الانقلابيين بينهم شديد، وكل دوائره في حالة تربص، بشكل دفع عبد الفتاح السيسي إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية، مخافة أن تهمين الأطراف الأخرى عليه، فتغل يده بواسطته، وتمنعه من أن يتصرف على أنه "الرئيس الأوحد"، الذي ينبغي أن تعن له الوجوه ، فلا يسمع حتى همساً.

يحدث الآن تخويفاً من الإخوان، الذين يخططون للاستيلاء علي البرلمان، وقال وزير الداخلية "لو أجريت الانتخابات حالياً سيفوز بها الإخوان". مع أن الإخوان  لو قرروا خوض الانتخابات لفقدوا ظهيرهم الشعبي، لأن خوضهم لهذه الانتخابات على أي قاعدة يمثل اعترافاً بشرعية الانقلاب، والجماهير التي صار بينها وبين هذا الانقلاب ثأراً ودماً، لن تسمع للإخوان وتطيع، إن قبل الإخوان الدنية في أمرهم.

كلام وزير الداخلية هو رسالة تحذير للأخوة الأعداء، بأن البديل عن ترك السيسي يستولى على المشهد، وأن يصبحوا هم مجرد تابعين له، هو عودة الإخوان، كما أنه من ناحية أخرى مبرر لتأجيل الانتخابات، التي كان هي بنص دستورهم من المفترض أن يبدأ تحديد إجراءاتها قبل يوم 18 يوليو الماضي!.

كما قلنا هنا من قبل، فإن ولاء الشرطة للسيسي ليس متأكداً، إذا ما نشأ نزاع بينه وبين الأطراف الأخرى في الانقلاب، وهو الجهاز الذي يعمل على الأرض، لذا فقد اعتبر رئيس الانقلاب استشهاد الجنود في سيناء رمية بغير رام، لينزل برجاله للشارع.. فهل هي بالفعل رمية بغير رام؟!.

أتفهم والجريمة وقعت في سيناء، القرارات الاستثنائية التي اتخذت هناك، وليس من بينها قرار التهجير، لكن ما جعل قبيلة من الفئران تعبث في صدري، كناية عن الشك والريبة، أن يكون القرار هو بنزول الجيش في كل أنحاء مصر، ولمدة سنتين!.

والمثير للدهشة، أنه كان يمكن في ظل هذا النزول للجيش، وقد نزل من قبل بعد ثورة يناير، كما نزل بعد انقلاب يوليو، أن يظل الأمر في إطاره، دون التزيد بتحويل المنشآت العامة، والحيوية، ومنها مدرسة "نجع الضبع الابتدائية"، إلى منشآت عسكرية، ويجري التوسع في سلطات القضاء العسكري، على حساب القضاء العادي، وهو بالدوائر التي أوكل اليها امر محاكمة أنصار الشرعية، وخصوم الانقلاب، لم يقصر في أداء المطلوب منه، حتى شاهدنا أحكاماً من قضاء "شامخ" لا يعترف بها الانتربول الدولي في سابقة هي الأولى من نوعها، على نحو كاشف لدراية العالم وعلمه بدور هذه الدوائر في خدمة الانقلاب!.

من خان رئيسه الذي أقسم أمامه على الولاء، من الطبيعي ألا يثق في أحد، والسيسي الذي خان الرئيس محمد مرسي، لم يعد يثق سوى في المؤسسة العسكرية، لذا كان القرار بنزول الجيش للشارع، ثم كان التوسع في دور المحاكم العسكرية، رغم أن أحكامها ستكون مثار مطاعن كثيرة خارجياً، وسيوفر الكثير من الجهد علي خصومه، وهم يؤكدون أنها أحكام مسيسة، وهو الجهد الذي كان يبذلونه عند تعرضهم لما يصدر عن "الشامخ" من أحكام!.

لو أقسم السيسي على الماء فتجمد، ولو رآه العالم كله يمشي على الماء، ويطير الهواء، وظهرت له كرامات، ثم قال إن القضاء العسكري ليس قضاءً استثنائيا فلن يصدقه أحد.. بيد أنه وهو مأزوم ليس مشغولاً بكل هذا، فما يشغله أن يسيطر على المشهد في مواجهة المتربصين به من دوائر الانقلاب.

لقد جاء قراره بتفويض وزير الدفاع في بعض صلاحياته، كاشفاً عن حدة الصراع بين جماعة الانقلاب، وبأنه في مواجهة الجميع لا يأنس إلا للمؤسسة العسكرية، التي مكنها من الهيمنة علي الحياة المدنية، بما في ذلك الطرق السريعة؛ فمنذ وقوع الانقلاب وأمر تحصيل رسوم السير عليها تقوم عليه هذه المؤسسة وكان يقوم به في السابق جهاز الطرق والكباري!.

المادة 148 من دستور الانقلاب أعطت لرئيس الجمهورية حق التفويض في بعض صلاحياته لرئيس الوزراء ولنوابه أو للوزراء.. لكنه تجاوز رئيس الوزراء وفوض وزير الدفاع في بعض صلاحياته، وسط تبرير بأنه فعل هذا لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، أو لأن البرلمان لم يتم انتخابه، وكأنه فوضه على قاعدة المضطر!.
مع أن نص التفويض في بعض الصلاحيات، قائم بذاته، ولا شأن له بانتخاب البرلمان، كما أن الدستور لا يعترف بمنصب نائب رئيس الجمهورية.

فالنص الخاص بالبرلمان، يتمثل في قيام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته، وعندها فانه يحل محله رئيس الوزراء، أما عند خلو منصب الرئيس للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل ( ربك قادر على كل شئ)، فان المادة (160) من دستور الانقلاب تعطي البرلمان الحق في إعلان خلو المنصب. واذا كان مجلس النواب غير قائم حلت الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا ورئيسها محل البرلمان فيما تقدم!.

المعنى أن قرار عبد الفتاح السيسي بتفويض وزير دفاعه في بعض سلطاته، ليس مبرراً إلا في ضوء تمكين المجلس العسكري من الهيمنة على مصر، ولدم ثقة عبد الفتاح السيسي في أحد آخر، وإن بذل كثيرون جهداً في إثبات الولاء، والحب العذري!.

السيسي مأزوم، وهو يستشعر أن مؤامرة تحيط به من كل جانب، فالوجع أصاب قلب الانقلاب، ولم يعد هو الرئيس الملهم، وهو يحاول الهيمنة باستدعاء قبيلته.. لكن هل ينجح؟!
أشك!.   
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع