هل تعلم عزيزي القارئ أن كل "القومجيين" الذين كانوا يترددون على قصور الرئيس الراحل صدام حسين بوصفه قائدا عربيا قوميا، أصبحوا الآن في حضن الإيرانيين الذين أعدموا "القائد القومي" صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك؟ يبدو ذلك نكتة صارخة، فعلا، لكنها الحقيقة، دلوني على "قومجي" أو"ناصرجي" أو "يسارجي" عربي واحد من الذين كانوا يدافعون عن نظام صدام حسين، ويقبضون منه، لا يقبض، ولا ينضوي الآن تحت عباءة الفرس المعروفين تاريخيا بعدائهم الشديد للعرب والعروبة.
ربما نجد بضعة قوميين عرب حقيقيين يُعدون على الأصابع حافظوا على مواقفهم القومية الحقيقية، ورفضوا أن يكونوا مجرد سماسرة ومرتزقة للمشروع الإيراني، لكن السواد الأعظم ممن يسمون "القومجيين والناصرجيين واليسارجيين" العرب أصبحوا -على عينك يا تاجر- حلفاء معلنين لإيران التي حاربت "حبيبهم" السابق صدام حسين لثماني سنوات طوال؛ لأن صدام كان، بالنسبة للفرس، رمزا قوميا عربيا حقيقيا خطيرا، على عكس نظيره البعثي السوري الذي تحالفت معه إيران استراتيجيا.
ولم تكتف إيران بمحاربة المشروع القومي العربي الذي كان يقوده صدام حسين، بل نسقت مع الأمريكيين لاحقا لغزو العراق، حسبما جاء في كتاب أمريكي جديد. ويكشف سفير أمريكا السابق في العراق خليل زاده في الكتاب أن كبار المسؤولين الأمريكيين أجروا -قبيل الغزو الذي أطاح بحكم صدام حسين- محادثات سرية مع إيران تناولت مستقبل العراق، ونجحوا في انتزاع تعهد من الجيش الإيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الحربية الأمريكية التي قد تضل مسارها، وتدخل المجال الجوي الإيراني.
واستمرت تلك المحادثات -التي لم يُكشف النقاب عنها من قبل، وعُقدت في جنيف مع محمد جواد ظريف مندوب إيران لدى الأمم المتحدة آنذاك، وزير خارجيتها حاليا- حتى بعد استيلاء القوات الأمريكية على بغداد في أبريل 2003.
وقال زلماي خليل زاده، في كتاب بعنوان "المبعوث" سينشر الشهر الجاري: "كنا نريد التزاما من إيران بأنها لن تطلق نيران مدافعها صوب الطائرات الأمريكية التي تحلق من غير قصد فوق الأراضي الإيرانية". وأضاف أن "ظريف الإيراني وافق على ذلك، وكنا نأمل من إيران أن تحث الشيعة العراقيين على عدم مواجهة الأمريكيين، وهذا ما فعلته"، مشيرا إلى أن زعماء الشيعة العراقيين البارزين ممن كانوا يناصبون صدام حسين العداء، كانوا أدوات في أيدي إيران، ولا ننسى ما قاله نائب الرئيس الإيراني الأسبق علي أبطحي حينها: "لولا إيران لم تمكنت أمريكا من الوصول إلى بغداد".
ماذا يقول السماسرة القومجيون بعد أن يطلعوا على مكنونات الكتاب الأمريكي الجديد وما يحتويه من أسرار تقشعر لها الأبدان حول التآمر الإيراني الأمريكي على حبيبهم السابق صدام حسين ونظامه القومي؟ يا الله، كم أصبحت كلمات "قومي" و"عروبي" بذيئة وساقطة وقذرة عندما ننظر إلى من كانوا يتشدقون بها على مدى عقود. وكما يقول المثل: "الثلم الأعوج من الثور الكبير"، فالنظام القومجي الشهير، نظام آل الأسد ضحك على السوريين والعرب بشعارات العروبة والقومية لعقود، ثم اكتشفنا الآن أن مهمته الأساسية حماية إسرائيل العدو الأول للعرب، ولا شك أن نظام البعث السوري كان قد سبق جميع القومجيين والناصرجيين والعربجيين الحاليين إلى أحضان إيران، فقد رفع حافظ الأسد شعارات العروبة والقومية والوحدة العربية، بينما كان يناصر إيران جهارا في حربها ضد الشقيق العراقي.
وعندما جمعت أمريكا ثلاثين دولة ضد العراق كان حافظ الأسد أول المرحبين، لا بل أرسل قوات سورية ضخمة لقتال القوات العراقية، مع العلم أنه لولا القوات العراقية في حرب أكتوبر عام 1973 لسقطت دمشق خلال ساعات أمام الدبابات الإسرائيلية.
وإذا أردت أن تعرف مدى سفالة ونذالة وعمالة وخيانة القومجيين والناصرجيين واليسارجيين العرب هذه الأيام، انظر فقط كيف يرتمون في أحضان إيران، ويعادون دول الخليج العربية على رؤوس الأشهاد.
أليس من المفترض أيها العربجيون أن تقفوا مع أبناء جلدتكم العرب حتى لو كنتم على خلاف معهم، بدل الانضواء تحت العباءة الإيرانية التي تعادي العرب والعروبة، أيها الأنذال الساقطون؟! ألم تصدعوا رؤوسنا على مدى عقود بالتضامن العربي، ورفعتم شعار: انصر أخاك العربي ظالما أو مظلوما؟ ألم تطالبوا بنصرة القضايا العربية ضد أي جهة غير عربية؟ فلماذا الآن تسخّرون أقلامكم وحناجركم للدفاع عن الاستعمار الإيراني للمنطقة العربية؟ هل ترضون عندما تسمعون إيران وهي تقول إنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وصنعاء، وبيروت؟
لماذا لم تدينوا هذه التصريحات الاستعمارية الإيرانية التي تدق إسفينا في قلب العرب والعروبة؟ أين شعاراتكم القومجية القديمة؟ ألم تقولوا لنا دائما: العرب أولا؟ فلماذا الآن تصطفون مع الأبواق الإيرانية ضد دول الخليج؟ لنفترض أن لكم خلافات مع السعودية أو غيرها، لكن هل يعني ذلك أن تتحالفوا مع العدو الصفيوني ضد أشقائكم العرب.
شكرا للثورات التي فضحت هؤلاء المرتزقة القومجيين، وأظهرتهم على حقيقتهم، فهم لا يقلون خطورة على العرب عن الصهيونية والصفيونية، ولا ننسى كيف نادوا بالثورات الشعبية ضد الطغاة، وعندما ثارت الشعوب ضد الطواغيت وقفوا بحقارة عز نظيرها ضد الشعوب الثائرة، تحت حجج المؤامرة الممجوجة التي انفضحت كما انفضحت كل الوجوه القومجية القبيحة الحقيرة.
(عن صحيفة الشرق القطرية)