كتاب عربي 21

ليسوا حلفاء بل كفلاء

1300x600
في سياساته تجاه الدول العربية، يقيس الغرب الاستعماري الاستكباري بمكيالين، بينما الدول العربية – اسم الله عليها – تقيس الأمور بمكيال واحد، وفي هذا تقول العرب "رمتني بدائها وانسلت"، وبالتأكيد فإن للدول الغربية عدة مكاييل تزن بها الأمور، وبالمقابل فإن الدول العربية مجتمعة أو منفردة إما أنها لا تملك أي مكيال معياري، أو أن لديها واحدا كثير الثقوب.

ومن المعلوم للخاصة والعموم، أن دول الغرب لم تهب لنجدة الكويت وليبيا ثم فبركت الذرائع لغزو العراق، إلا لأنها بلدان فيها الزبدة وبالتالي العقود التي تدر النقود، ومن ثم لا تأبه بالمجازر في سوريا واليمن لأنهما بلدان يعانيان من الجفاف والتصحر الاقتصادي والمالي. 

تعالوا نقلب دفاتر العرب على مدى عقود، وسنرى كيف أن قادتهم كانوا حتى في ما يتعلق بـ"إخوتهم" متفقون على اتباع سياسة "لا أرى لا اسمع لا أتكلم"، في أمور قد لا تنال استحسان الحكومة المركزية في بلد ما "شقيق"، ولهذا كانوا صما بكما عميا وحكومة صدام حسين تبيد الأكراد في حلبجة بالغازات السامة، وظل السودان لنصف قرن، مسرحا لحروب أهلية أهلكت الملايين خاصة في الجزء الجنوبي للبلاد، وحاليا في دارفور، وكان موقف العرب ممثلين في منظمتهم "الجامعة"، هو أنه ما دامت الحكومة في الخرطوم ضالعة في الاقتتال وهي الأقل خسائر بشرية، فلا معنى أو جدوى حتى لمجرد وساطة بين الأطراف المتحاربة، لأن ذلك سيغضب الحكومة المركزية. 

وانفصل جنوب السودان، كان موقف دول الجامعة العربية من الانفصال "حملٌ خفّ، وعرقٌ جف"، وأهل الجنوب ليسوا أصلا عربا، وحتى عروبة السودان الشمالي والأوسط فيها "إن" قبلنا بها على مضض، فليذهب الأفارقة الأقحاح في الجنوب إلى الجحيم أو النعيم، ونحن لن نقصر مع أهل الشمال ففي كل سنة تداهمهم السيول والفيضانات فنرسل لهم الخيام والتونا بالمايونيز. 

من دواعي الإنصاف أن نسجل لقطر ليس فقط سعيها لاحتواء النزاع في دارفور، بل تعهدها بإعادة إعمار دارفور، رغم أن القابضين على زمام الأمور في دار "وَن" أي الخرطوم، يضعون العراقيل أمام خطط الإعمار تلك، وكان لدولة الكويت سفير في الخرطوم اسمه عبد الله السريع، اكتسب – رحمه الله – اسم عائلة جديد خلال سنوات عمله في السودان، فصار اسمه عبد الله جوبا، وجوبا هي أكبر مدينة في جنوب السودان وعاصمته حاليا وسابقا، فقد هجر ذلك السفير الخرطوم وتحول إلى مؤسسة خيرية تنفذ مشاريع تنمية ضخمة في جنوب السودان، مستقطبا العون من الحكومة والمؤسسات الخاصة الكويتية، وغادر السودان مضطرا عندما ناصر السودان صدام حسين عند احتلاله للكويت، ولما توفي في عام 2000 بكاه السودانيون رسميا وشعبيا وأقاموا سرادق للعزاء في عشرات المواقع. 

ومن دواعي الإنصاف أيضا أن نذكر هنا أن الممثلة المصرية ليلى علوي زارت إقليم دارفور المضطرب في غرب السودان، وزارت بعض معسكرات اللاجئين فيه، وصرحت لوسائل الإعلام بأنها وجدت في دارفور أن العتبة قزاز والسلم نايلو في نايلو، ويبدو أن "عين" اللاجئين أصابتها، رغم أن معظم تعليقاتهم على شخصها كانت من قبيل: ما شاء الله عليها عندها سنام يكفيها سنين لو صارت ضحية مجاعة! فقد انصرف مخرجو ومنتجو الأفلام عنها، رغم أنها خضعت للفوتو شوب الطبي عدة مرات لإصلاح ما أفسده الدهر من تضاريس جسمها. ومن جانبه قرر شعبان عبد الرحيم التدخل في قضية دارفور وتغنى (إذا كان من الجائز تسمية ما يصدر عن بلاعيمه غناء) بضرورة إحلال السلام في دارفور، وقام بتحميل مسؤولية ما يحدث في الإقليم لإسرائيل وأمريكا، والشواهد  التاريخية كثيرة على أنه ما من شأن ناصره شعبولا، إلا كان ذلك وبالا على المعنيين بذلك الشأن، وما إن تغنى بحبه لعمرو موسى كوزير لخارجية مصر، حتى طارت منه الوظيفة وصار اليوم على باب الله ينتظر أن يتصدق عليه السيسي بوظيفة ولو "أي كلام". 

وتم تعريب الصومال قسرا، وكان رئيسها عند انضمامها للجامعة العربية (سياد بري) يجلس في اجتماعات القمم العربية وعلى أذنيه سماعة لمتابعة ما يجري طرحه باللغة العربية. وتفتت الصومال وتشرد شعبه، وما زالت الحروب والأوبئة تفتك بمن لم يتمكنوا من الفرار منه، وكل ما فعله العرب طوال ثلاثة عقود هو التأييد الشفهي لكل طرطور يتم تنصيبه رئيسا للحكومة في مقديشو. 

الغرب عموما لا يتردد في التدخل في أي مكان تتعرض فيها مصالحه للخطر، ومن المفهوم والمنطقي أن يمارس ذلك النوع من التدخل إذا تعرض حلفاؤه في منطقة ما للخطر، وإسرائيل حليفة مقربة من الغرب، بل "نِعْم" الحليف الذي يمكن التعويل عليه في الحلوة والمرَّة، والعرب يتوهمون أنهم حلفاء للغرب، بينما حقيقة الأمر هي أن الغربيين كفلاء للعرب، ومن حق الكفيل تحديد شروط تبعية المكفول له، ثم إن العرب يتمتعون ببجاحة جديرة بالإعجاب.. فهم يعايرون الغرب بأنه منافق إذا لم يتدخل في نزاع عسكري في منطقتهم، وما إن يتدخل بأي درجة حتى يعلو العويل بأنه يفعل ذلك فقط تعزيزا لمصالحه. 

ولو كان العرب يتحلون بأي قدر من الأمانة ويقظة الضمير لوضعوا في واجهة مطارات عواصمهم لوحات على كل منها "ويل للمطففين". 
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع