قضايا وآراء

موقعة "الطلاق"

1300x600
يجيد الطغاة فن مراوغة الشعوب، واللعب بمشاعرهم وعواطفهم، كما يجيدون وببراعة مخاطبة القوى الخارجية بما تتطرب له الآذان أو تنخلع منه القلوب ويعرفون كيف يستدرجون تلك القوى من أجل دعمهم في مواجهة شعوبهم المغلوبة على أمرها.

جاء الجنرال الخاسر على ظهر دبابة ووعد من صدقوه بأنه إنما جاء إنقاذا لمصر من فتنة كبرى فصدقه من صدقه، ثم اكتشف الجميع أن الجنرال هو الفتنة بعينها، وأن ما جاء به الإفك.

كان هذا حال الشعب الذي أدرك وبكلفة عالية جدا أن الجنرال ليس سوى مغامر ومقامر انقلب على رئيسه المنتخب، وأن هذا الجنرال لا يقدر على شيء، بل إنه كلٌ على مولاه الذي أنفق عليه المليارات وأغراه وأغواه ثم اكتشف أنه عبد عاجز عقلا وحركة.

لكن الجنرال لم تكن تنقصه الحيلة وهو يدرك أن أمر بقائه ليس مرهونا بقدرة شعبه على عزله بقدر ما يتعلق بقدرة القوى الخارجية على منحه الفرصة أو إحكام القبضة لكي يبقى في موقعه مؤديا ما يطلب منه دون أن يحقق شيئا لمصر.

أدرك السيسي أن قضية الإرهاب هي الفزاعة التي تقلق الغرب، وأن الإسلام هو كلمة السر في صراع الغرب والشرق لذا فقد أعلن انحيازه بوضوح للرواية الغربية التي تقول بأن الإسلام دين إرهاب وقتل وسفك دماء، فأعلن في خطاب مفتوح وفي مناسبة دينية ومن قلب القاهرة وفي حضور شيخ الأزهر ومفتي البلاد ووزير الأوقاف أنه مؤيد لرواية الغرب بأن المسلمين يريدون قتل غيرهم ليعيشوا هم وحدهم.

لم يطلع الجاهل على إحصائيات نشرتها مراكز أبحاث غربية تؤكد أن ما يسمى بالإرهاب المنسوب للمسلمين أقل بكثير من غيره في كل بقاع العالم. ولم يطلعه أحد على الكم الرهيب من الدراسات عن الحركات التي تقتل باسم المسيحية أو تلك التي تقتل باسم الهندوس أو تلك التي لا تزال تقتل في فلسطين باسم اليهودية.

توافق اللحن الذي يلعبه السيسي مع لحن تيد كروز عضو الكونجرس الأمريكي المسيحي المتعصب، ومع عزف وليد فارس اللبناني المسيحي المتصلب والذي لطالما لعب دورا في الحروب الأهلية في لبنان وانحاز ضد المسلمين وشارك في قتلهم وقدم نفسه للجمهوريين في أمريكا على أنه متخصص في مكافحة الإرهاب والحقيقة أنه متخصص في مكافحة الإسلام وترويج وتسويق السيسي أيضا.

عزف السيسي اللحن الذي راق لستيف بانون كبير استراتجيي الرئيس الأمريكي ترامب الذي بشر بالحرب على الإسلام ونادى بها في مؤتمر عقد بالفاتيكان الصيف الماضي ووصف الإسلام بالبربرية وطالب المسيحيين بالاتحاد استعدادا لتلك الحرب.

السيسي قدم نفسه مجددا للدين الذي يعتقد غلاة المسيحية واليهودية واليمين المتطرف والشعوبية أنه دين متطرف وعنيف بطبعه، وبدلا من أن ينافح السيسي عن الدين العظيم فوجئنا به ينال منه ومن مفكريه ومن حركاته التجديدية عبر قرون، فترك الساحة مفتوحة أمام تيار علماني أو "متعلمن" لا يمكنه أن يفتح فمه بكلمة عن تعاليم اليهودية أو المسيحية ولكنه يجاهر ليل نهار بمعاداته للصحابة تارة وأهل الحديث تارة والمؤرخين تارة أخرى، وحاول الجنرال مرات ومرات تقديم نفسه بوصفه عالم دين ورجل فكر ولكن للأسف في كل مرة يتدخل يثبت للمسلمين أنه كاره للدين وهادم للسنة.

أحرج السيسي شيخ الأزهر غير مرة وعلى الملأ وحين وقف أمام بابا الكنيسة مهنئا كانت رأسه عند قدميه وهو ينحني مهنئا، ولكن حين تقع عيناه على شيخ الأزهر يتحول إلى وحش كاسر ينال منه ويعتب عليه ويعنفه وكرر غير مرة قولته السخيفة "تعبني يا مولانا".

تدخل السيسي واستنطق شيخ الأزهر ليجيز له تحديد النسل، ثم كانت المرة الثانية حين أراد أن يأخذ منه فتوى بعدم جواز الطلاق الشفهي -رغم شرعيته- على الهواء مباشرة ونال من شيخ الأزهر الذي يستحق وقد طالبناه غير مرة بالاستقالة لأن عمامة الأزهر كبيرة عليه خصوصا وأن يديه ملطختان بالدماء بصمته أو فتواه فيم جرى من انقلاب ومذابح تلت الانقلاب.

رفض الشيخ متذرعا بهيئة كبار العلماء ولعل في رفضه استفاقة مريض من غيبوبه، ولعلها تكفر عنه بعض ما جنت يداه حين باع دين الأمة بدنيا غيره.

تدخل الجنرال في كل شيء بدءا من الاقتصاد إلى التفاوض مع رؤساء الشركات إلى بيع تيران وصنافير إلى تحويل الجيش إلى مجلس إدارة مصر، ولكنه لم يكتف بذلك بل أراد تأميم الدين وتقديم نفسه على أنه إمام عصره وأوانه معتقدا أن الدوائر الغربية الكارهة للإسلام ستدعمه، لذا فقد فرح فرحا شديدا بفوز ترامب رغم أن الأخير هدد الكويت والسعودية والعراق، وهدد بمنع المسلمين وبدأ أولى خطواته التي تعثرت.

اليوم يشاهد الجنرال ما يحدث مع ترامب ويدرك أن العالم الحر في الغرب والشرق لم يعد يطيق هذه النماذج الفجة التي تنسب لنفسها شرف الانتماء للسماء بينما هي تعيث في الأرض فسادا.

موقعة الطلاق لن تكون الأخيرة فقد جاء السيسي ليهدم عرى هذا الدين ولكن هيهات هيهات. والله غالب على أمره. 
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع